التمويل الإسلامي .. مواجهة المخاطر بالابتكار والتطوير
بقلم : أ. أحمد بن عبدالرحمن الجبير
تهدف إدارة المخاطر المصرفية إلى المحافظة على أصول المصارف الإسلامية وحمايتها من الخسائر، لذلك فإن نجاح المصارف الإسلامية يرتبط بالدرجة الأولى بقدرتها الإدارية على السيطرة على المخاطر، وعليه لا يمكن إلغاء المخاطر وإنما يمكن تخفيف احتمالات وقعها بوضع البدائل المناسبة، حيث تواجه المصارف الإسلامية والتقليدية مخاطر مشتركة وتسعى جميعا إلى تجنبها ولكن هناك اختلاف في كلا النظامين الإسلامي والتقليدي، فالمصارف الإسلامية تلتزم في تعاملها بأحكام الشريعة الإسلامية، لكنها تواجه العولمة من قبل المصارف العالمية التي تمتاز بمستوى خدماتها وخاصة بعد افتتاحها نوافذ خاصة بالمعاملات الإسلامية.
ومع تطور عمل المصارف الإسلامية وتوسعها وتعدد منتجاتها تتعدد أدوات إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، لذا على إدارات المخاطر في المصارف الإسلامية البحث عن جميع المخاطر التي تواجه المصارف الإسلامية ودراستها وتحديد آثارها وطرق السيطرة عليها، والعمل على إيجاد طرق جديدة فاعلة ومناسبة للتخفيف منها وحلها ومعالجتها، ويرى الخبراء أن أهم الوسائل والطرق الفاعلة في عملية إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية هي تنويع وتوزيع الاستثمار.
إن قياس المخاطر في المصارف الإسلامية يعد أمراً ضرورياً ومهماً، ويجب أن تكون لإدارات المخاطر في المصارف الإسلامية نظمها وأساليبها، حيث إن إدارة المخاطر هي نظام متكامل وشامل يعمل على تحديد المخاطر وقياسها وتحديد مقدار آثارها المحتملة على أعمال المصرف الإسلامي وأصوله وإيراداته ومن ثم تقييمها والسيطرة عليها ووضع الخطط المناسبة لها. ولتجنب هذه المخاطر والسيطرة عليها وضبطها يجب تهيئة البيئة المناسبة والأدوات اللازمة ودراسة المخاطر المحتملة حيث إن المخاطر المالية تهتم بإدارة الموجودات والمطلوبات، وهي كما يلي:
1 ـــ مخاطر الائتمان: وهي عدم وفاء العميل بالتزاماته في مواعيدها، أو رجوعه عن وعده أو عدم رغبته في تسلم السلعة، أو عدم سداد ما عليه من التزامات. وهذا كله يقع في الأساس على عاتق المصارف المصدرة للأدوات الإسلامية والمانحة الائتمان، ويؤثر سلبا في عوائدها ويدخل ضمن المخاطر.
2 ـــ مخاطر السوق: وهذه المخاطر ترجع لاتجاهات الصعود والنزول التي تطرأ على الأسواق لعوامل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، سواء أكانت أسواق الأصول الأساسية، أم الأسواق المالية؛ التي تتكون بدورها من أسوق النقد، وأسواق رأس المال. وهذه المخاطر مرتبطة بطبيعة الأدوات الإسلامية من حيث كونها تمثل حصة شائعة في ملكية أصول.
3 ـــ مخاطر سعر الصرف: وتنشأ هذه المخاطر في سوق النقد نتيجة لتغير سعر صرف العملات، ففي حالة الشراء للسلع بعملة وانخفاض سعر تلك العملة فإن ذلك يترتب عليه خسائر بمقدار انخفاض سعر العملة مقابل العملات الأخرى، كما أن مخاطر سعر الصرف تظهر أيضا عند إصدار الأدوات الإسلامية بعملة معينة واستثمار حصيلتها بعملات أخرى، مثل عمليات المرابحة والتجارة الدولية.
4 ـــ مخاطر سعر الفائدة: وتنشأ هذه المخاطر نتيجة لتغيرات أسعار الفائدة في السوق، وهى تشمل كافة الاستثمارات مما يؤثر في معدل العائد على الاستثمار، كما أن سعر الفائدة يؤثر في الأدوات الإسلامية، خاصة إذا لم يكن للوازع الديني دور في توجيه المستثمرين.
5 ـــ مخاطر أسعار الأوراق المالية: وتنشأ هذه المخاطر نتيجة لتغيرات أسعار الأوراق المالية في أسواق المال، وهو ما يؤثر في القيمة السوقية للأدوات الإسلامية.
6 ـــ مخاطر التضخم: تنشأ نتيجة لانخفاض القوة الشرائية للنقود وارتفاع الأسعار وهو ما يعني تعرض الأموال المستثمرة لانخفاض في قيمتها، مما يؤثر في أسعار الأدوات الإسلامية باعتبارها ذات عائد متغير.
7 ـــ مخاطر التشغيل: وهي نتيجة أخطاء بشرية أو فنية مثل ما تسببه الكوارث أو الحوادث في هلاك الزرع في استثمارات المزارعة أو الإجارة وغيرها من الأدوات الإسلامية.
8 ـــ مخاطر المخالفات الشرعية: وهي المخاطر التي ترجع إلى استخدام أموال الأدوات الإسلامية في محرمات كالسلع والخدمات المحرمة، أو الربا، والقمار والغش، والتدليس.
9 ـــ مخاطر السيولة: المصارف الإسلامية تلجأ لعدة وسائل لإدارة السيولة وتستطيع السيطرة على استخدامات هذه الأموال من خلال السيطرة على مشكلة السيولة والأصول السائلة، الذي قد يكون عائدا لأسباب عديدة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وإذا كان المصرف لا يستطيع السيطرة على مصادر أمواله من الودائع فتظهر المخاطر.
10 ـــ المخاطر القانونية: وهي المخاطر الناجمة عن أخطاء في العقود أو المستندات أو التوثيق، وعدم فاعلية النظام القضائي في بلد ما أو فساده.
11 ـــ المخاطر السياسية وهي مخاطر ناتجة عن النظام العالمي الجديد والعولمة الناتجة عن سيطرة إمبراطورية منفردة على العالم.
إن وجود مقاييس مخاطر مصرفية شفافة وواضحة لجميع العملاء والمساهمين وأصحاب المصالح ذات العلاقة بالمصارف الإسلامية تضمن قدرة المصرف على تحمل المخاطر، والصمود أمامها والتخفيف منها ومن آثارها وكشفها وقياس شدتها ومدى تأثيرها والسيطرة عليها ومعالجتها معالجة فاعلة من قبل إدارة المخاطر، وتقديم الحلول والدراسات العملية لمواجهتها طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية والعمل على تقليل المخاطر الداخلية فيها بما يتطلبه ذلك من دعم جهاز التدقيق الشرعي والنظم واللوائح الداخلية والكفيلة بتطوير الأداء وتحسين المنتج، لذا فإن على المصارف الإسلامية أن تواجه هذه المخاطر بابتكارات ومنتجات وخدمات جديدة حتى تحقق مستوى عاليا من الجودة في خدماتها المصرفية، وذلك من خلال تطبيق أحدث أساليب التقنية والاتصال، إضافة إلى أن العمل المصرفي في حاجة ملحة لإيجاد كفاءات مؤهلة ومدربة على إدارة المخاطر، وذلك بتكثيف الدورات وعقد الندوات والتعاون المتبادل بين الهيئات الإسلامية والدولية، وبذلك كله يمكن للمصرفية الإسلامية أن تواجه المخاطر وأن تواكب النهضة الحديثة بما يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والله الموفق.
أحدث التعليقات