الأزمة المالية العالمية: هل نجحت البنوك الإسلامية؟
بقلم : د. يوسف الزامل
تنمو أصول المصرفية الإسلامية في العالم بمعدلات مذهلة تصل إلى 30 في المئة سنويا حتى أخذ حجمها يتجه نحو تريليون دولار مدعوما بتنامي الوعي المصرفي في العالم النامي، وتزايد وتيرة رغبة جماهير المسلمين في اتباع الأصول القيمية في المعاملات، مع استمرار في انخفاض الثقة في المؤسسات المالية الغربية التي تفاقمت بظهور الأزمة المالية العالمية عام 2008. وقد أعطت هذه الأزمة فرصة كبرى لاختبار نجاح وجدوى البنوك الإسلامية من نواحي الثقة في متانتها ومقدرتها على تقديم بدائل ائتمانية ونقدية وتنموية، وهذا الاختبار يحتاج إلى تجويد المعاملات المصرفية الإسلامية وضبط جودتها، وأيضا بيان قدرتها النوعية على التعاطي مع عالم المنافسة المالية العالمية الشديدة الذي بات يفرض نفسه، وإلا وقعنا في مرحلة عدم استغلال الفرص المتاحة، التي يعمل الغرب هو أيضا على استثمارها بنجاح، وربما تصبح عواصمه عواصم للتمويل الإسلامي في المستقبل القريب.
الأزمة حدثت والغرب عرف أسبابها ويعمل على معالجتها بالتوجه نحو إعادة هيكلة أنظمته ومؤسساته وأدواته المالية، وأيضا تحديث تشريعاته وقوانينه وتلمس طريق المصرفية الإسلامية، فإنها أيضا من جانب آخر جاءت كأهم بيئة يتم فيها اختبار البنوك الإسلامية حديثة النشأة، التي لم تأت إلا بمبادرات من القطاع الخاص أملاها عليه الوازع الديني، وتم وضع مبادئها من المنظرين المفكرين من حقول الفقه والاقتصاد.
وعلى الرغم من أن هذه التطبيقات التجارية في معظمها لم تتخط في جوهرها الأدوات المالية الغربية، أي أنها بقيت أسيرة لبعض هياكل العمل المصرفي الغربي والقيام بأسلمة هذه المنتجات، أو بإنتاج الجديد منها ولو بالشراكة مع مؤسسات مصرفية إسلامية غربية، إلا أنه من الصعب توجيه الاتهامات وكيلها للمنتجات الإسلامية من كل من الغيورين والمنافسين على حد سواء بأنها محض منتجات استغلالية وليست إسلامية، وتحميلها عديدا من المثالب بغية الطعن في المصرفية الإسلامية والتطاول على مؤسساتها ورموزها ومنتجاتها.
ما وصلت إليه المصرفية الإسلامية خلال الثلاثين عاما التي كان نصفها نقاشات فكرية وتأصيلات شرعية والبقية الباقية عمل تنفيذي وبناء مؤسسات بدأت صغيرة وأصبحت اليوم كبيرة ومنافسة .. وبسبب هذا الحضور وهذه المنافسة لا يجد البعض إلا النيل من منتجاتها بالقول إنها هزيلة في جوهرها، وهو ما استطاعت السوق المصرفية الإسلامية أن تعمله وتنجزه بعيدا عن أي رقابة أو تنظيم حكومي أو عام .. فكيف تستطيع أي صناعة ناشئة أن تنجح في جودتها بلا إشراف مباشر أو غير مباشر من مؤسسات قياس الأداء ومراقبة الجودة، أو على الأقل تقديم أقل قدر من الحماية والتشجيع لهذه الصناعات الناشئة!؟
كانت أهم عناصر إخفاقات الأسواق المالية الغربية في مجال تضخم الديون ومجال هندسة المركبات من المنتجات المالية البالغة التعقيد، وأما قوة البنوك الإسلامية فكانت أهم العناصر التي تسمها: الاعتماد على المنتجات الأولية البسيطة، والاحتياطات الكبيرة في تغطية المعاملات وضمانها وإجراءات تقديمها، وارتفاع الودائع الجارية إلى إجمالي المطلوبات، مع ضعف وهشاشة المنتجات من حيث أصولها القيمية، وضعف واضح في الارتباط بالقطاع الإنتاجي والاجتماعي المحلي .. فهذه السمات البنكية الإسلامية تم تعرضها بقوة للعناصر التي صنعت الأزمة المالية العالمية .. فهل نجحت البنوك الإسلامية أم أخفقت أثناء الأزمة المالية وفي أعقابها!؟
النجاح دائما نسبي والفشل كذلك أيضا، ولذا لا يمكن ادعاء نجاح مطلق أو فشل مطلق للبنوك الإسلامية في اختبار الأزمة المالية العالمية .. نعم لقد نجحت البنوك الإسلامية في أبعاد أهمها: أنها لم تتلق ضربات عملت على إسقاط بنوكها وانهيار مؤسساتها كما حدث لنظيراتها في البنوك الغربية التقليدية، ويعود هذا الفضل لمحافظتها البالغة وإعراضها عن الأخذ بالمخاطر الكبيرة والسيولة العالية التي تتمتع بها وانخفاض نسبة الديون إلى إجمالي المطلوبات.
ولولا نجاح البنوك الإسلامية في امتحان الأزمة المالية العالمية لما كان هذا الاهتمام العالمي بها وتطويع التشريعات من أجلها، وبحث العالم عن حلول ومخارج لمشكلاته، إلا أن البنوك الإسلامية على الرغم من هذه الهالة والحضور والاهتمام، يرى البعض طبعا أنها لم تستطع تقديم نفسها بأصالة، بأن تضع أي خيارات بديلة ومتكاملة كصناعة، وذلك وحسب رؤيتهم لأنها لا تمتلك الأصالة والمتانة الكافية، وإنما هي في معظم حالاتها ليست إلا تقليد ومع شيء من التحوير البسيط للمنتجات المالية الغربية، وقد خرجت البنوك الإسلامية من الأزمة المالية العالمية وهي لم تزدد من الثقة فيها، بل لم تزل تتعرض لهجوم شديد من مناصريها من رواد الفكر الاقتصادي الإسلامي ومن محاربيها دعاة العولمة الاقتصادية الليبرالية بالنظر إلى اتجاها إلى الشكلية وبعدها عن الأصالة وخدمة المجتمع والتنمية، ومن ناحية استغلاها لعواطف الجماهير وتسخيرها لأغراضها التجارية…كما أن المصرفية الإسلامية لا تقدم دعما مناسبا للتطوير والبحوث لأهداف تطوير منتجاتها ومؤسساتها.
نعم نجحت المصرفية الإسلامية، في أعوام قليلة، وبكثير من العقوق، والتمنيات بالفشل، نجحت لأنها في مقاصدها العامة تهدف إلى خير المجتمع، ولأن القائمين عليها ليسوا تجارا كما يرى البعض وليس أنها تستعمل الإسلام استعمالا لخدمة مصالحها، فهذه الرؤى عقيمة وقاصرة ومسطحة لا يمكن الركون إليها .. وكل ما ترغب فيه المصرفية الإسلامية وما ننشده لمستقبلها أن تأخذ هذه المصارف والمجتمع ممثلا بمؤسساته العامة والحكومية قدرا أكثر من الجدية والمبادرة نحو رعايتها وبما لها من مكانة وأصالة وخدمة المقاصد العليا للمجتمع الإسلامي للعمل على تطويره وتنميته، فثمة تجارب ماثلة للعيان على جودة الأداء المصرفي الإسلامي ومقاصده الشرعية، بدلا من تكايا التمويل الأجنبي والاختراق الأمني التي تشهدها وتنخر ببعض مجتمعاتنا عربيا وإسلاميا.
المصدر :
مجلة المصرفية
أحدث التعليقات