مقال: نزاهة الهيئات الشرعية – أ. خولة فريز النوباني

نزاهة الهيئات الشرعية

بقلم : أ. خولة فريز النوباني

يتردد الحديث بين فترة وأخرى عن الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، إذ بالرغم من دعم القوانين التي تحكم هذه المؤسسات لوجود هيئات شرعية فيها، وعلى الرغم من أن هذه الهيئات الشرعية تعد هيئات استشارية رقابية على أداء هذه المؤسسات من ناحية التوافق مع الشريعة، وعلى الرغم من أن وجودها يعد أمرا أساسيا لاكتمال الصورة الشرعية للمؤسسة المالية الإسلامية ــ وهي جزء مهم من الهيكل التنظيمي ــ إلا أنه مع الأسف ما زالت الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية تفتقر إلى أنظمة واضحة وشفافة للحكم على أدائها.

إن الهيئات الشرعية كغيرها من الهيئات الإدارية قد تخطئ أو يساء إليها أو يتم إرشادها بطريقة مقصودة إلى النتائج التي تخدم آراء وتوجهات المديرين في هذه المؤسسات؛ وذلك لعدم وجود جهة رقابية من الممكن أن يحتكم إليها الرأي الشرعي في حال ثبت التقصير أو الاختلاف أو حتى عدم النزاهة.

المؤسسات المالية الإسلامية محتكمة للهيئات الشرعية فيما يتعلق بالإطار الشرعي للمعاملة ولكن بعضها عند التطبيق تتفلت من أسس مهمة لصحة المعاملة المالية إسلاميا، ونظرا لأن الهيئات الشرعية تجتمع في فترات متفاوتة وتدون تقاريرها وتمهر هذه التقارير بتوقيعات الأعضاء الشرعيين، إلا أن عديدا من الجمهور ــ ومن من حقهم أن يتأكدوا من أن هذا التقرير (الوثيقة) يعكس تحققا شاملا وتاما للتفاصيل التي تتم بها المعاملة المالية بما يتطابق مع أحكام الشريعة وضوابطها ــ لا يشكلون لجنة ضابطة أو مطلعة بشفافية على هذه الاجتماعات.

بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة تبين أن النظام المالي الإسلامي يمتلك حصانة خاصة ومتفردة لا تعني استثناءه من الأخطاء بقدر ما تعني أن النظام المالي الإسلامي يحمل مقومات مستمدة من الشريعة تبعد عنه شبح الانهيار التام والسقوط، ومن هذا المنطلق نعتقد أنه قد حان الوقت لتأطير الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية ولمأسستها بما يخدم المحافظة على منجزات هذه الصناعة لغاية اللحظة، وييسر لها طريق النهوض وتحقيق الأفضل للجمهور.

المشاهدات التي تروى هنا وهناك وأحيانا من الأعضاء الشرعيين المخضرمين أنفسهم، أن الالتفاف على أعضاء الهيئات الشرعية لتجيير الرأي دون دراسة موضوعية شرعية لصالح الرأي الإداري للمؤسسة المالية المعنية يكون من أحدهم تحديدا وببراعة، ولذلك فإن من يعلم بمداخل الشريعة والآراء الفقهية واللغة والفقه بالعموم يحاول أن يلوي عنق النص من أجل مصلحة قد تكون غير نزيهة بالكامل.

يقول أحد الفقهاء المرموقين ــ فضل عدم ذكر اسمه ــ وهو عضو لهيئات شرعية لمصارف عدة، إضافة إلى شركات تأمين تكافلي، إنه كما القابض على الجمر في الجلسات الشرعية في محاولته لأن ينظر إلى الرأي الشرعي كما هو مطلوب فقهيا أو بالاسترشاد بالترجيح الفقهي للرأي في حال الخلاف في الرأي، ليصل إلى حالة يتمنى فيها من الله السلامة، ونعلم ما لهذا الوضع من تأثير غير صحي على النظرة العامة لاجتماعات الهيئات الشرعية، أما شيخ جليل آخر فقد قال إنه تعرض لمحاولة سحب رأي فقهي لأنه يخالف توجهات أحد الأعضاء بالرغم من موافقة العضو الشرعي نفسه على ذلك خلال الجلسة، ولولا حرصه التام على مراجعة وتدقيق الأوراق من منطلق أمانة المنصب لتم استغفال البقية ونشر القرار باستثناء قرار لم يكن على هوى البعض.

من الخلافات المعروفة التي تناولتها وسائل الإعلام لفترة، الخلاف حول ممارسة إصدار الصكوك الإسلامية وموضوع التحقق من الأصول المدعمة لهذه الصكوك، وقد صدرت توضيحات من الشيخ تقي الدين عثماني ووجه له الاتهام بأنه قد يدمر صناعة تبلغ مليارات الدولارات بالأسلوب الذي أشار فيه إلى المخالفات الفقهية، ومن ثم تمت معالجة الأمر عن طريق اجتماع خاص شمل أعضاء الهيئة الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة من أجل البت في ذلك من خلال معايير تضبط المسألة، ولكن في رأينا من الواجب أن تدرس هذه الحالات بتعمق وتوضع لها مقترحات للمعالجة، بحيث يتم تقليص مثل هذه الحالات التي قد تعكس صورة مضطربة عن اجتماعات ونتائج اجتماعات هذه الهيئات.

إن الخير في هذه الأمة إلى يوم الدين، إلا أننا نعلم مقدار التراجع في الفهم الحقيقي لمعطيات الفقه الإسلامي والأسلوب الأجدى للتعامل مع المعطيات المعاصرة من أدوات تمويلية مبتكرة ومركبة من عدة عقود، وحاجتنا إلى عقول فقهية تستطيع التعاطي مع المستجدات بأسلوب ناجع يعكس الخشية والحذر في قرارات الهيئات الشرعية، بل يعكس أيضا وعيا بأخلاقيات العمل المالي الإسلامي والمهنية والموضوعية في الأداء، إضافة إلى الاستعانة بالأساليب الحديثة لإدارة المشاريع.

القرار الشرعي في النتيجة هو مشروع تسعى المؤسسة المالية الإسلامية لاستصداره وبالتالي فإن إدارة ضبطه عملية مرتبطة بالهيئات الشرعية نفسها وبالمؤسسات الدولية التي تنظم العمل المالي الإسلامي وتصدر المعايير بهذا الشأن، وبالمؤسسة المالية التي تعطي المكافأة للهيئات الشرعية المقصودة، وقبل كل ذلك بفهم كل هذه العناصر أهمية الرأي الشرعي الفطن للأمانة في قيادة المؤسسات المالية الإسلامية نحو الاستمرارية.

إن اجتهاد أعضاء الهيئات الشرعية وفتياهم في مسألة ما بالنسبة للمؤسسات المالية القائمين عليها يعتبر اجتهادا قد لا يسلم من القدح من بعضهم بعضا، والاختلاف في ذلك مرغوب بل مستحب، ولكن استغفال بعضهم بعضا وعدم التركيز على الهدف والغاية، مما يجعل من الأمر محلا للمخاطرة، وطالما أن المؤسسات المالية الإسلامية تعد منجزا عمليا مترجما لفكر مالي إسلامي، فمن حق هذا المنجز أن تتم المحافظة عليه في تثبيت عمود من أعمدته وهو الهيئات الشرعية، ولذلك نحن بحاجة فعلية لتأهيل أعضاء الهيئات الشرعية ولتعزيز خبراتهم الفقهية بأخلاقيات الممارسة وتأطير ذلك من خلال رقابة ومعايير خاصة.

المصدر :
مجلة المصرفية