المزايدة في الورع أو شيطنة المشايخ دالمزايدة في الورع أو شيطنة المشايخ
بقلم : أ.د. كمال توفيق حطاب
على هامش مؤتمر “مستقبل التمويل الإسلامي استشراف الغد” فوجئت بحجم التعقيبات على المؤتمر الأخير لعلماء الشريعة، ولما كنت من المقيمين في ماليزيا حاليا، فقد تلقيت دعوة من المدير التنفيذي لأكاديمية “إسرا” لحضور المؤتمر، وهو بعنوان “مستقبل التمويل الإسلامي استشراف فرص الغد”. وقد لبيت الدعوة وحضرت جانبا من المؤتمر في يومين متتاليين، ففي البداية لفت انتباهي وجود عدد كبير من الإخوة الباحثين من الدول العربية، وأشفقت عليهم من مشقة السفر، فقد قطعوا آلاف الكيلومترات، وما يزيد على عشر ساعات بالطائرة، من أجل حضور مؤتمر، وهو أمر يدل على همة وعزيمة غير عادية . وجهت انتقادات كبيرة للعلماء الحاضرين، ولكنني أرى الأمر من زاوية أخرى، فكم من الناس مستعد لتمضية عشرات الساعات في الطائرات. وكم من الناس مستعدون لمفارقة أهلهم وأولادهم وأوطانهم؟ وقد أثار انتباهي بشكل كبير كلمة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق التي ألقاها في بداية المؤتمر، وجدد فيها دعوته القديمة الجديدة إلى الدينار الإسلامي وإلى مقاطعة الدولار الأمريكي، وإلى ضرورة قيام التمويل الإسلامي على العدالة الاجتماعية قبل تحقيق الأرباح، وإلى محاولة تخليص التمويل الإسلامي من الشوائب الربوية. كما أثار انتباهي تركيز البنك المركزي الماليزي على العناية الفائقة بالكتاب والبحث العلمي، حيث كانت الهدايا التي تم تبادلها مع كبار الضيوف هي بعض الإصدارات العلمية الأخيرة لـ “إسرا” . وقد لفت انتباه الجميع طريقة تقديم الكتب، التي كانت محفوظة في بيت زجاجي أو جليدي قام مهاتير محمد ذو الأربعة وثمانين عاما بتكسيره بالمطرقة من أجل إخراج الكتب وسط تصفيق الحضور . كانت القضية الأبرز هي حوكمة الهيئات الشرعية، والحوكمة بمعنى تحديد العلاقات وتنظيمها وترشيدها وهو مطلب الجميع، ولكن البعض لدية حساسية كبيرة نحو هذا الموضوع . مسألة إثراء الأدب النظري في موضوع الرقابة الشرعية أمر في غاية الأهمية، وبالتالي ينبغي أن يشجع من الجميع . عملية المزايدة في الورع والتقوى أمر غير مقبول، واعتبار كل من في الهيئات الشرعية تجارا، فيه تجن كبير واتهام وقذف للناس وتشهير بهم، وكذلك إعطاء الحصانة الكاملة لهم أمر غير سليم . فمن وضع نفسه في مكان المسؤول والمراقب عليه أن يتحمل مراقبة الآخرين ويتقبل نصائحهم، وما دامت الأمور في مجال التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن وجود النقد العلمي البعيد عن الاتهام والتشكيك في النيات، يؤدي إلى تقويم المسيرة وتصحيحها، كما يؤدي إلى الارتقاء بأداء هيئات الرقابة الشرعية وغيرها من الهيئات العاملة في مجال المصرفية الإسلامية . إن المشكلات والسلبيات التي يعانيها التمويل الإسلامي بشكل عام والهيئات الشرعية بشكل خاص هي جزء من المشكلات التي تعانيها الأمة الإسلامية بشكل عام، فمما لا شك فيه أن خصائص التخلف أو خصائص البيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية في الدول المتخلفة من تسيب ومحسوبية ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وتحديد المركز الاجتماعي للفرد مسبقا، وغياب الشفافية، وعدم تكافؤ الفرص، وانخفاض مستوى الحرية والتعليم والصحة والرفاهية .. إلخ كل ذلك ينعكس على المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي، كما ينعكس على المؤسسات والدوائر كافة في دول العالم الثالث . ومن هنا فإن انتشار التمويل الإسلامي في بعض الدول الإسلامية المتقدمة مثل ماليزيا، وبعض الدول الغربية المتقدمة مثل بريطانيا قد يكون طوق نجاة له، لتخليصه من خصائص التخلف المحيطة به في دول العالم الثالث. وقد يكون في الأخذ بما وصلت إليه التشريعات البريطانية في مجال التمويل الإسلامي مصلحة كبيرة لمؤسسات التمويل الإسلامي لكيلا تظل حبيسة البيئات المتخلفة، كي ترتقي بخدماتها وكوادرها ومراقبيها وطرق الرقابة التي تتبعها . إن التمويل الإسلامي في الوقت الحاضر يتطلب من المنتمين إليه كل جهد مخلص، من أجل تنقيته من الشوائب الربوية، وتمكينه من أداء أدواره: المحلي والإقليمي والعالمي . إن من كمال عقيدتنا أن نعتقد أن المستقبل للإسلام بكافة أنظمته، ومنها الاقتصاد الإسلامي، والتمويل الإسلامي، شاء من شاء وأبى من أبى. ولكن هذا الاعتقاد لا يعني أن نجلس في انتظار هذا المستقبل، وإنما يعني أن نعمل بأقصى طاقاتنا من أجل تحقيق هذا المستقبل الموعود. “ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” (التوبة ـــ 32). . كمال توفيق حطاب على هامش مؤتمر “مستقبل التمويل الإسلامي استشراف الغد” فوجئت بحجم التعقيبات على المؤتمر الأخير لعلماء الشريعة، ولما كنت من المقيمين في ماليزيا حاليا، فقد تلقيت دعوة من المدير التنفيذي لأكاديمية “إسرا” لحضور المؤتمر، وهو بعنوان “مستقبل التمويل الإسلامي استشراف فرص الغد”. وقد لبيت الدعوة وحضرت جانبا من المؤتمر في يومين متتاليين، ففي البداية لفت انتباهي وجود عدد كبير من الإخوة الباحثين من الدول العربية، وأشفقت عليهم من مشقة السفر، فقد قطعوا آلاف الكيلومترات، وما يزيد على عشر ساعات بالطائرة، من أجل حضور مؤتمر، وهو أمر يدل على همة وعزيمة غير عادية . وجهت انتقادات كبيرة للعلماء الحاضرين، ولكنني أرى الأمر من زاوية أخرى، فكم من الناس مستعد لتمضية عشرات الساعات في الطائرات. وكم من الناس مستعدون لمفارقة أهلهم وأولادهم وأوطانهم؟ وقد أثار انتباهي بشكل كبير كلمة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق التي ألقاها في بداية المؤتمر، وجدد فيها دعوته القديمة الجديدة إلى الدينار الإسلامي وإلى مقاطعة الدولار الأمريكي، وإلى ضرورة قيام التمويل الإسلامي على العدالة الاجتماعية قبل تحقيق الأرباح، وإلى محاولة تخليص التمويل الإسلامي من الشوائب الربوية. كما أثار انتباهي تركيز البنك المركزي الماليزي على العناية الفائقة بالكتاب والبحث العلمي، حيث كانت الهدايا التي تم تبادلها مع كبار الضيوف هي بعض الإصدارات العلمية الأخيرة لـ “إسرا” . وقد لفت انتباه الجميع طريقة تقديم الكتب، التي كانت محفوظة في بيت زجاجي أو جليدي قام مهاتير محمد ذو الأربعة وثمانين عاما بتكسيره بالمطرقة من أجل إخراج الكتب وسط تصفيق الحضور . كانت القضية الأبرز هي حوكمة الهيئات الشرعية، والحوكمة بمعنى تحديد العلاقات وتنظيمها وترشيدها وهو مطلب الجميع، ولكن البعض لدية حساسية كبيرة نحو هذا الموضوع . مسألة إثراء الأدب النظري في موضوع الرقابة الشرعية أمر في غاية الأهمية، وبالتالي ينبغي أن يشجع من الجميع . عملية المزايدة في الورع والتقوى أمر غير مقبول، واعتبار كل من في الهيئات الشرعية تجارا، فيه تجن كبير واتهام وقذف للناس وتشهير بهم، وكذلك إعطاء الحصانة الكاملة لهم أمر غير سليم . فمن وضع نفسه في مكان المسؤول والمراقب عليه أن يتحمل مراقبة الآخرين ويتقبل نصائحهم، وما دامت الأمور في مجال التناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فإن وجود النقد العلمي البعيد عن الاتهام والتشكيك في النيات، يؤدي إلى تقويم المسيرة وتصحيحها، كما يؤدي إلى الارتقاء بأداء هيئات الرقابة الشرعية وغيرها من الهيئات العاملة في مجال المصرفية الإسلامية . إن المشكلات والسلبيات التي يعانيها التمويل الإسلامي بشكل عام والهيئات الشرعية بشكل خاص هي جزء من المشكلات التي تعانيها الأمة الإسلامية بشكل عام، فمما لا شك فيه أن خصائص التخلف أو خصائص البيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية في الدول المتخلفة من تسيب ومحسوبية ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وتحديد المركز الاجتماعي للفرد مسبقا، وغياب الشفافية، وعدم تكافؤ الفرص، وانخفاض مستوى الحرية والتعليم والصحة والرفاهية .. إلخ كل ذلك ينعكس على المصارف الإسلامية والتمويل الإسلامي، كما ينعكس على المؤسسات والدوائر كافة في دول العالم الثالث . ومن هنا فإن انتشار التمويل الإسلامي في بعض الدول الإسلامية المتقدمة مثل ماليزيا، وبعض الدول الغربية المتقدمة مثل بريطانيا قد يكون طوق نجاة له، لتخليصه من خصائص التخلف المحيطة به في دول العالم الثالث. وقد يكون في الأخذ بما وصلت إليه التشريعات البريطانية في مجال التمويل الإسلامي مصلحة كبيرة لمؤسسات التمويل الإسلامي لكيلا تظل حبيسة البيئات المتخلفة، كي ترتقي بخدماتها وكوادرها ومراقبيها وطرق الرقابة التي تتبعها . إن التمويل الإسلامي في الوقت الحاضر يتطلب من المنتمين إليه كل جهد مخلص، من أجل تنقيته من الشوائب الربوية، وتمكينه من أداء أدواره: المحلي والإقليمي والعالمي . إن من كمال عقيدتنا أن نعتقد أن المستقبل للإسلام بكافة أنظمته، ومنها الاقتصاد الإسلامي، والتمويل الإسلامي، شاء من شاء وأبى من أبى. ولكن هذا الاعتقاد لا يعني أن نجلس في انتظار هذا المستقبل، وإنما يعني أن نعمل بأقصى طاقاتنا من أجل تحقيق هذا المستقبل الموعود. “ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” (التوبة ـــ 32).
المصدر :
مجلة المصرفية
أحدث التعليقات