مقال: مآلات حب الذات – بقلم: هايل عبد المولى طشطوش

مآلات حب الذات

بقلم: هايل عبد المولى طشطوش

من القيم الرديئة والصفات الذميمة التي يرفضها الإسلام ويتحفظ عليها هي الأنانية او ما يمكن تسميتها بحب الذات ، ولاشك أن الشارع الحكيم حين بغضنا بهذه الخصيصة فانه يعلم علم اليقين ما هي عواقبها ونتائجها ، فهي لم تكن يوما سببا في تآخي المجتمع او وحدة صف المسلمين وذلك لأنها تعني انتزاع العطف والرحمة من قلب حاملها ، لذا لم يتوانى العلماء والباحثون عن اعتبارها مرض أخلاقي خطير فتاك يجب علاجه لان خطره جسيم إذا ما استشرى وتأصل في النفس الإنسانية ، ولاشك ان تعاليم الإسلام العظيمة كلها حثت وحضت على البعد عن حب الذات لان الإنسان المسلم لا يعيش لذاته فحسب بل هو في إطار مجتمع تربطه به روابط كثيرة كرابطة النسب والقربى والجوار والإخوة الإسلامية لذا علية أن يتحسس مشكلات الآخرين ويشعر بمشاعرهم لان ذلك من مقاصد الشرع الحنيف فالأنانية حالة مناقضة لتوجيهات الإسلام وسلوك مغاير لمناهجه ، حيث لا يمكن أن يجتمع الإيمان والأنانية في شخصية الإنسان ، وإذا ما تظاهر الأناني بالتدين فانه تدين مظهري كاذب لا حقيقة له ، ففي الحديث الشريف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : « من أصبح لايهتم بأمور المسلمين فليس منهم ، ومن سمع رجلاً ينادي ياللمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم ” ، ويقول تعالى : (أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الطعام ) والمتدبر المتعمق في آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يتبين له أن الشخصية المؤمنة من صفاتها الأساسية الاهتمام بالآخرين وتحمل المسؤولية الاجتماعية وخدمة الغير ففي الحديث الشريف “: خصلتان ليس فوقهما من البر شيء الإيمان بالله والنفع لعباد الله وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء الشرك بالله والضر لعباد الله ” بل وصل الأمر إلى أكثر من ذلك حتى في الجوانب الخفية من حياة المسلم ينبغي ان لا يكون الانسان أنانيا ويجب علية ان لا ينسى إخوانه من دعائه وأعماله الصالحة فحينما يطلب الإنسان المؤمن من ربه حاجاته فان الأدعية المأثورة الواردة تعلمه وتربيه على ذكر حاجات الآخرين والتوجه إلى الله من اجل أدائها وقضائها. وإذا ما ربطنا بين هذه الدعوات العظيمة في النصوص الكريمة وبين الواقع الاقتصادي للمسلمين نجد ان الأنانية هي من الأسباب الرئيسة لحالة الفقر والجوع والحرمان التي يعيش في ظلها كثير من المسلمين ولو طبقنا توجيهات الإسلام في نبذ الأنانية وحب الذات لحصلنا على منظومة متكاملة من القيم التي تجعل المجتمع الاقتصادي الإسلامي من أغنى المجتمعات ومن هذه الأحاديث قوله علية الصلاة والسلام : ” ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم به ” ، ومثال آخر على الصعيد الاقتصادي : فلو فكر إنسان في توفير الثروة لنفسه ، وتحصيل وسائل الراحة والرفاه ، ولم يهتم بأوضاع من حوله من إخوانه الفقراء والمحتاجين ، فانه لن تتحقق له الراحة والسعادة ، ذلك لان الفقر والحاجة يلجأن بعض العناصر في المجتمع الى الحقد والكراهية ، مما يؤدي الى زعزعة استقرار المجتمع ويتولد الحقد على أصحاب الثروات والأموال فتكثر السرقة والخطف والنهب لان الأنانية في هذا المجال تحديدا تورث حقد اسود وكراهية عمياء نتيجتها خراب المجتمع وزعزعه السلم الاجتماعي ، وقد تنبهت بعض المجتمعات إلى ذلك ، وما نراه اليوم لدى بعض المجتمعات المادية من مؤسسات خيرية واجتماعية ، إنما هو نتيجة لشعورهم وإدراكهم لردود فعل الفئات الضعيفة والمحتاجه وقدرتها على التأثير على مصالحهم واستقرارهم ،ولعل من ابرز وسائل التخلص من الأنانية هو تعميق الوعي والفهم الصحيح لإحكام الإسلام وتعاليمه في هذا الإطار لان من يحمل وعياً اجتماعياً ، ويدرك تفاعل الأوضاع داخل المجتمع ، والتأثير المتبادل بين الفرد ومجتمعه لا يمكن أن يكون أنانيا. أما تحصيل هذا الوعي فيأتي عبر توجيهات الإسلام ، والثقافة والمعرفة . وهنا تقع المسؤولية على الجهات المختلفة كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام لنشر الوعي الاجتماعي والتوضيح للناس أهمية وضرورة ارتباطهم وتفاعلهم مع مجتمعهم ومحيطهم. نشرت في جريدة الرأي الأردنية العدد 14669