د. محمد سهيل الدروبي – سرطانات الإقتصاد المعاصر

 

سرطانات الاقتصاد العالمي

 

 

د. محمد سهيل الدروبي

دراسات عليا في القانون

أستاذ في المحاماة

دكتوارة إدارة أعمال في البنوك والمؤسسات المالية

أستاذ في برامج الدراسات التخصصية في البنوك وشركات التأمين الإسلامية

 

5/2008

 

 

ملخص محاضرات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة :

لا يخفى على إنسان اليوم المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العالم، على صعيد الدول والمجتمعات والغالبية العظمى من الأفراد.

الفقر، بل الفقر المدقع يكاد لا يخلو منه مجتمع من المجتمعات، ولا يقتصر الفقر والمعانإنسان،تصادية على مجتمعات الدول المتخلفة أو التي اصطلح على تسميتها مجاملة بالدول النامية، وإنما يمتد إلى مجتمعات الدول المتقدمة أيضاً.

ويستطيع المواطن العادي في أي مجتمع أن يتلمس عدداً من الظواهر التي لم تعد خافية على إنسان ، لعل من أوضحها :

– الفقر والحاجة في ازدياد ، رغم ارتفاع الدخل في بعض الأحيان، ورغم البرامج التي تعلن عنها الحكومات بين الفينة والأخرى تحت عناوين مختلفة ، رفع متوسط الدخل ، مكافحة الفقر، زيادة الحد الأدنى للرواتب والأجور  إلخ ….

– الغلاء المستمر في أسعار السلع والخدمات التي تتجاوز معدلاتها باستمرار الزيادة في المداخيل

– البطالة في ازدياد، رغم البرامج التي تعلن عنها معظم حكومات العالم لمكافحة البطالة.

– ارتفاع حدة التفاوت الطبقي في معظم المجتمعات إن لم نقل في جميع المجتمعات، أناس ينفقون في اليوم أو على مأدبة غداء ما يتجاوز أضعاف احتياجات أسرة في شهر، حفل زفاف يكلف صاحبه ما يكفي لإطعام آلاف الأسر لأسابيع أو لأشهر أو لسنوات.

 

ولا يخفى على أحد ما يؤدي إليه الفقر والعوز من مشكلات أخلاقية وأمنية ، وخاصة مع ضعف الانتماء والإيمان ، وعدم وجود رادع ذاتي ، وتحلل الرادع الاجتماعي.

  وسنحاول في مقالاتنا هذه:

– الإطلاع على حقيقة الاقتصاد العالمي المعاصر وتلمس مشكلاته.

– البحث في الأسباب الأساسية لهذه المشكلات.

– تلمس الحلول الممكنة والوسائل المتاحة لتجاوز هذه المشكلات ، وخاصة فيما يتعلق بوطننا الحبيب .

داعين الله مخلصين أن يوفقنا للمساهمة ولو باليسير لحماية مجتمعاتنا من انتشار وباءات الاقتصاد المعاصر وتحقيق حياة أكثر سعادة وأمنا للإنسان.

 وسنبدأ بالتعرف بصور أكثر وضوحا على واقع العالم في ظل الاقتصاد المعاصر اليوم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الواقع في ظل الإقتصادالعالمي المعاصر

 

المشكل الأول والأكبر: الربـــا

والمقصود بالاقتصاد المعاصر النظام الاقتصادي القائم على الربا أو بالتعبير المخفف على الفائدة الدائنة والمدينة.

ومهما قيل فمما لاشك فيه أن الربا هو أشرس سرطانات الاقتصاد العالمي المعاصر، ونراه تدريجيا يفتك بإنتاج الإنسان المعاصر وبما حباه الله من ثروات طبيعية وقيم مضافة لتجمع في نهاية المطاف بيد فئة قليلة من رؤوس المرابين ، طبعا مع فتات قليله يتركه بأيدي مساعديه ومحركي أدواته، ومن المتوقع ، بل ونستطيع أن نجزم أنه في مرحلة تالية سيفتك بأدواته ومؤسساته المساعدة من بنوك ومؤسسات مالية  ويؤدي إلى انهياراها وفنائها، فجشعه لا حد له وإن كان سيضطر بين الفينة والأخرى حين يشعر أن إمبراطوريته تتهاوى أن يحاول ابتكار أدوات ومكائد جديدة ليمتص ما قد يتبقى بأيدي الشعوب من قيم.

سأقتبس بعض مقتطفات من تقرير الخبير المستقل السيد فانتو شيرو الصادر عن المجلس الإقتصادي والاجتماعي – الأمم المتحدة – المؤرخ في 24 فبراير / شباط 1999 الدورة 55 للجنة حقوق الإنسان، يقول التقرير:

(اليوم، وفي جزء كبير من العالم الثالث، تباطأ النمو الاقتصادي وتردّت المستويات المعيشية لأغلبية الناس في مواجهة البطالة المتصاعدة والفقر الواسع الانتشار. فقد تدنى دخل معظم السكان في أمريكا اللاتينية بنسبة 20 في المائة عما كان عليه في عام 1980. وفي أفريقيا جنوبي الصحراء، بات متوسط الاستهلاك أقل من مستواه لعام 1970. وتكمن خلف هذا التدهور أزمة ذات أبعاد عالمية تكاد تكون منقطعة النظير، وهي أزمة الديون البالغة 1,8 تريليون دولار المستحقة على العالم الثالث للمصارف والحكومات والمؤسسات المتعددة الأطراف في المغرب مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وفي حين أن الأزمة يمكن أن تقاس بالدولارات، فإنها تلحق أضراراً بالبشر بصورة وحشية يصعب التعبير عنها. فلقد تعرضت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للملايين من الفقراء في شتى أنحاء العالم الثالث للتقويض بصورة منتظمة نتيجة لسياسات التكيف التحررية الجديدة الرامية إلى مواصلة خدمة هذه الديون التي ترزح تحت وطأتها بلدان معوزة. وبالنسبة لأغلبية الناس في البلدان المدينة، يعني الكساد الاقتصادي تفاقم نقص الغذاء، وعدم كفاية الدخل لإطعام الأطفال وتعليمهم، وتزايد تعرض الناس للأمراض. وفي غضون ذلك، تتدفق الأموال من الجنوب إلى الشمال: إذ يقدر أن رأس المال المحوّل من العالم الثالث إلى البلدان المتقدمة قد بلغ 189 مليار دولار في عام 1995 و213 مليار دولار على الأقل في عام 1996. وكان التوزيع الإقليمي في عام 1996 على النحو التالي: 97 مليار دولار من أمريكا اللاتينية، و24 مليار دولار من أفريقيا، و95 مليار دولار من آسيا. وتشمل هذه الأرقام كلاً من أصل الدين ومدفوعات الفائدة. ويتمسك مسئولوا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحكومات مجموعة الدول السبع بموقف ثابت هو أن هذه الديون يمكن أن تسدد بل يجب أن تسدد. . ومما يدعو الى الأسف أن كلا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يتعاملان مع إدارة أزمة الديون باعتبارها نشاطاً مستقلاً عن المهمة الهامة المتمثلة في التنمية البشرية. فلا النمو العالي للناتج القومي الإجمالي ولا انخفاض معدلات التضخم يمكن أن يؤديا إلى التنمية ما لم يقترنا بإحداث تغييرات في توزيع الدخل من شأنها أن تمكن جزءا أكبر من السكان من نيل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.)

ويضيف التقرير المذكور :

(وحتى ولو كان من الممكن تحقيق الظروف الاقتصادية اللازمة لمواصلة سداد الديون – وهو أمر يبدو أنه مشكوك فيه – فإن التكاليف السياسية والاجتماعية في هذا الصدد ستكون باهظة. ذلك أن سداد الدين غالباً ما يمتص ما يتراوح بين ربع وثلث الإيرادات الحكومية المحدودة للبلدان النامية، ويحول بالتالي دون الاستثمار العام الحاسم في مجال التنمية البشرية. وتبدو المشكلة أسوأ من ذلك بالنسبة للبلدان ال‍ 41 الفقيرة المثقلة بأعباء الديون حيث إن العديد من هذه البلدان هي أيضاً بلدان يتدنى فيها مستوى التنمية البشرية. فالفلاحون والعمال الجياع الذين سبق لهم أن ضحوا أكثر بكثير من قدرتهم على التحمل لن يتحملوا بهدوء فرض المزيد من التدابير التقشفية. وقد أجهد سداد الدين بالفعل قدرات النظم السياسية في بلدان عديدة حيث يتفجر يأس الفقراء في صورة إضرابات، وأحداث شغب متعلقة بتوفير الغذاء، وفي مظاهرات ضد صندوق النقد الدولي. ومن المحتمل أن يؤدي إنفاذ مزيد من تدابير “التكيف” الاقتصادي إلى ازدياد ممارسة القمع. وعلى حد تعبير الرئيس الأرجنتيني السابق ألفونس ين، فإن المدفوعات المتزايدة لسداد الديون لا يمكن أن تؤخذ إلا من حساب الديمقراطية)

ومن التقرير ذاته نقتبس المعطيات التالية:

– في بداية عام 1996، بلغ مجموع الديون الأجنبية المستحقة على البلدان النامية 1.8 تريليون دولار.

– بلغ عبء الديون المستحقة على دول أفريقيا جنوبي الصحراء ما نسبته 123 في المائة من ناجتها القومي الإجمالي، بالمقارنة مع 41.4 في المائة في حالة أمريكا اللاتينية و28.2 في المائة في حالة آسيا. ومن حيث نسبة الديون الخارجية إلى الصادرات، فإن الأرقام تبدو مذهلة: 202 في المائة في حالة أمريكا اللاتينية؛ و340 في المائة في حالة أفريقيا جنوبي الصحراء؛ و121 في المائة في حالة آسيا.

– ويمكن لعملية إعادة الجدولة هذه أن تخفض من وطأة مشاكل التدفق النقدي الفوري، لكنها تزيد من مجموع رصيد الديون.

 ومن ذلك مثلاً أن نحو 40 في المائة من الديون طويلة الأجل غير الميسرة الشروط المستحقة على البلدان الأفريقية لنادي باريس في نهاية عام 1988، كانت تمثل فائدة متراكمة من خلال عملية الجدولة التي قام بها النادي. وبالتالي فإن عملية الجدولة ما هي إلا مجرد “حيلة حسابية” وهي لا تفعل إلا القليل من حيث تخفيف حجم الديون التي تدين بها البلدان للدائنين الرسميين.

– وعلى الرغم من تكرار إعادة جدولة الديون من جانب البلدان الدائنة، فإن البلدان النامية تواصل كل سنة دفع مبالغ في سياق خدمة الديون تفوق المبالغ الفعلية التي تتلقاها في إطار المساعدة الإنمائية الرسمية. فعلى سبيل المثال، دفعت البلدان النامية بين عامي 1986 و1996 ما مجموعة 1.7 تريليون دولار: 664 مليار دولار من أمريكا اللاتينية؛ و295.2 مليار دولار من أفريقيا (بما في ذلك مبلغ 81.8 مليار دولار من أفريقيا جنوبي الصحراء)؛ و757 مليار دولار من آسيا. وفي حين أن مسئولي وزارة الخزانة في الولايات المتحدة الأمريكية ومسئولي صندوق النقد الدولي كانوا قد أعلنوا للعالم بأن أزمة ديون أمريكا اللاتينية قد انتهت، فإن هذه الأزمة كانت تزداد سخونة تحت السطح. ومع أن هذه المنطقة قد شهدت نمواً معتدلاً بعد عقد من القيام بتنفيذ برامج تكيف هيكلي صارمة، فإن المكسيك والبرازيل، وهما أفضل اقتصاديا من ناحية الأداء في نصف الكرة الغربي، قد واجهتا صعوبات اقتصادية خطيرة نظراً لانخفاض قيمة عملتيهما وانسحاب المستثمرين الأجانب منهما. ومن العسير وصف الآثار الإنسانية المترتبة على ذلك.

– وتبيّن باتريسيا آدمز أن الثروة التي كان يحتفظ بها في الخارج مواطنو أكبر 15 بلداً مديناً من بلدان العالم الثالث في عام 1987 قد بلغت 300 مليار دولار – أي أكثر من نصف الديون الأجنبية المستحقة على بلدانهم.

– ففي كوت ديفوار، على سبيل المثال، أنفق الرئيس السابق هوفت بوانييه 350 مليون دولار على تشييد وتدشين مبنى كاتدرائية مماثلة لكاتدرائية القديس بطرس في وسط السافانا الأفريقية. وعلى بعد مسافة لا تزيد عن بضع مئات من الأميال، أنفق بوكاسا، إمبراطور جمهورية أفريقيا الوسطى، 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لبلده على حفلة تتويجه الضخمة التي تمت على الطريقة النابليونية. وبدلاً من إدانة هذه الأفعال اللامسؤولة التي قام بها هذان الزعيمان، فإن الحكومة الفرنسية قد أرسلت وفداً رفيع المستوى لحضور كلا الاحتفالين. أما الديون المتكبدة في كلا البلدين بسبب تصرفات زعيميهما فقد تركت للأجيال المقبلة مهمة سدادها.

– في الدول ال‍ 20 الأكثر مديونية بلغت كلفة استيراد الأسلحة بين عامي 1976 و1982 ما يعادل 20 في المائة من الزيادات التي طرأت على ديونها مجتمعة.

– ففي الوقت الراهن وفي كثير من البلدان الأفريقية الأكثر معاناة من الجوع تبين العلاقة المتبادلة بين الجوع، والتسلح، والديون.

– بحلول عام 1984، كان ما يقارب 69 في المائة من ديون أمريكا اللاتينية مستحقاً لمصارف تجارية كبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا، ولم تكن المصارف مهتمة إلا بمبلغ الفائدة التي ستدفع على أساس آجال استحقاق قصيرة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام؛ وقد كان الجشع هو الدافع إلى ذلك.

– من الجائز أن تتحول الديون إلى أزمة، لكن الأمر الذي حوَّل هذه الديون إلى أزمة لم يكن المستوى المطلق للدين، بل شروطه المتغيرة.فقد كانت هذه الشروط تحدد بالكامل تقريباً بموجب قرارات السياسة العامة في واشنطن العاصمة.

– خلال الأعوام 1978-1995 عانى 31 بلداً، أو نسبة 72 في المائة،  من البلدان البالغ عددها 43 بلداً والتي نشرت منظمة العمل الدولية إحصاءات بشأنها من ارتفاع في البطالة خلال أعوام تمويل صندوق النقد الدولي. وعلى نحو مماثل يفيد مصرف البلدان الأمريكية للتنمية بأن نصف بلدان أمريكا اللاتينية البالغ عددها 20 بلداً والتي يمتلك المصرف بيانات رسمية بشأنها، شهد ارتفاعاً في البطالة في الثمانينات والتسعينات عندما كانت هذه البلدان تتلقى إقراضاً هاماً ومتواصلاً من صندوق النقد الدولي.

– من بين السكان الذين يعيشون في البلدان النامية والذين يبلغ عددهم 4.4 مليار نسمة، لا يتمتع ثلاثة أخماس بالمرافق الصحية الأساسية؛  ولا يتمتع قرابة الثلث بالمياه الصالحة للشرب؛ ويفتقر الربع لمسكن لائق؛ ويعيش الخُمس بعيداً عن الخدمات الصحية العصرية؛ وخمس الأطفال لا يتجاوز الصف الخامس في المدرسة، ويعاني خمس الأطفال من نقص التغذية.

– مما يزيد الفقر حدة الضغط في الاتجاه النزولي على الأجور وفقدان الفقراء البالغ الأثر لقوتهم الشرائية. وفي محاولة لاحتواء التضخم تحض برامج التكيف الهيكلي على الحد من زيادة الأجور. وتزداد المشكلة تفاقماً بالقرار المدروس المتمثل في إبقاء الأجور قليله قصد جلب الاستثمار الأجنبي المباشر. وحسب منظمة العمل الدولية فإن الأجور الحقيقية في معظم البلدان الأفريقية مثلاً قد هبطت بواقع 50 و60 في المائة منذ أوائل الثمانينات. وفي الاتحاد الروسي مثلا رافق الاضطرابَ الاقتصادي المتصاعد نموُّ سلبي في الأجور الحقيقية التي تبلغ الآن نسبة 60 في المائة على الأقل من المستوى الذي كانت عليه في عام 1989(34) وفي عدد متزايد من الحالات، تعجز المؤسسات في كل مرة عن دفع أية أجور لموظفيها لمدة أشهر.

ويصف التقرير آثار برامج التكيف التي يفرضها البنك الدولي ومنظومات الإقراض الدولية السلبية،  على حقوق الإنسان الأساسية كحق الغذاء وحق التعلم وحق العمل ، إلخ .. ويبين بوضوح أن جميع هذه البرامج تهدف إلى دفع الدول المدينة لسداد فوائد ديونها التي لا يبدو في الأفق نهاية لها.

ويشير التقرير ذاته إلى ارتفاع اللامساواة في توزيع الدخل في البلدان التي يدعمها صندوق النقد الدولي (مؤسسات الإقراض )، فيذكر أنه :

– وفي الوقت الذي تضاعفت فيه تقريباً نسبة الفقراء في بلدان عديدة من البلدان التي تنفذ برامج تكيف هيكلي ارتفعت بشكل حاد حصة الدخل الوطني التي حصلت عليها أغنى شريحة من السكان، على مدى ا‍ل‍ 15 عاما الماضية. فعلى سبيل المثال فإن إصلاحات القطاع الزراعي في غانا، التي هي بلد يعتبر تجربة صندوق النقد الدولي الناجحة في أفريقيا، قد عادت بالنفع بشكل غير متناسب على مزارعي الكاكاو الذين لا يشكلون إلا نسبة 18 في المائة من سكان غانا المزارعين، وهم يتمركزون أساسا في الجنوب. وكشفت دراسة لمعهد التنمية الخارجية التابع لجامعة غانا أجريت في عام 1987 أن نسبة 32 في المائة من مزارعي الكاكاو في منطقة أشانتي تلقوا 94 في المائة من إجمالي مداخيل الكاكاو في حين لم تحصل نسبة 68 في المائة من المزارعين إلا على نسبة 6 في المائة.

ويشير التقرير أيضا كيف أن أنظمة الإقراض والتكيف أدت إلى إضعاف قدرات الإنتاج المحلية والاختلال الحاصل في توازنها فيذكر أنه قد سُجل أوضح هبوط اقتصادي، ولاسيما في البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء في القطاع الزراعي. وشهدت أغلبية البلدان النامية، وخاصة منها البلدان النامية الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء، معدل نمو سنوياً سلبياً في إنتاج الأغذية للفرد في الفترة ما بين 1979 و1997. وفي إطار برامج التكيف الهيكلي تخلى المزارعون تدريجيا عن المحاصيل التقليدية؛ ففي ملاوي التي كانت سابقاً مصدراً صافياً للأغذية، هبط إنتاج الذرة بنسبة 40 في المائة في عام 1992 فيما تضاعف إنتاج التبغ في الفترة ما بين 1986 و1993. وبسبب الضغط لتوليد الصرف الأجنبي لخدمة الديون، يجري حاليا الاستحواذ على الميزانيات الحكومية المخصصة لخدمات دعم الزراعة لدعم الزراعة التصديرية في الوقت الذي يتم فيالأجل. احتياجات مزارعي الكفاف في مجالات الأمن الغذائي وحفظ التربة وإعادة تشجير الغابات. ولهذه القرارات في مجال السياسات العامة تأثير مباشر على الإنتاجية الزراعية وبالتالي على حدوث انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وعلى الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية بما أن الفلاحين الفقراء يستغلون الأرض لتحصيل معاشهم. وبناء على ذلك فإن الأهداف القصيرة الأجل لسياسات التكيف، المصممة لتحسين صادرات السلع الأساسية لخلق الصرف الأجنبي لخدمة الديون، لا تتفق مع احتياجات التنمية الطويلة الأجل .

ويشير التقرير أيضا وبشكل واضح كيف أدت هذه السياسات الهادفة إلى استمرار ضمان سداد الديون وفوائدها إلى ازدياد أعباء هذه الديون فيقول :

(نجد عملياً في جميع البلدان النامية التي كانت تحت مراقبة مشتركة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ بداية أزمة ديون العالم الثالث أن إجمالي المديونية قد ازداد وأن التزامات خدمة الديون السنوية لم تخف إلا بشكل هامشي على الرغم من مزاعم علماء الاقتصاد الغربيين وأن هذه السياسات من شأنها أن تخفض أعباء الدين. وتظهر دراسة ل‍ 71 بلداً اعتمدت برامج التكيف الهيكلي أعدها فريق للسياسات البديلة في مجال التنمية أن هناك علاقة إيجابية متبادلة بين عدد السنوات التي يكون فيها بلد ما موضع برنامج للتكيف والارتفاع في الديون كنسبة مئوية من الناتج القومي الإجمالي. وتبين أرقام البنك الدولي نفسه أن 63 من بين 69 بلداً قد شهدت ارتفاعا في دينها الخارجي وهي تنفذ برامج للتكيف الهيكلي. وسلسلة المبادرات لتخفيف عبء الدين التي وافقت عليها بلدان مجموعة ال‍ 7 منذ مؤتمر قمة البندقية الاقتصادي في عام 1987 لم تنجح كثيراً في التخفيف من حدة الأزمة.).

ويشير التقرير أيضا إلى الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية الذي يحدثه الدين فيقول:

(لئن كان التحديد الدقيق للعلاقة بين أزمة الديون والتكيف الهيكلي وتردي البيئة يُعتبر مهمة صعبة إلا أنه يبدو أن هناك عدة طرق يفرض بها التأكيد على تنويع الصادرات لخلق المزيد من الصرف الأجنبي لخدمة الديون قيداً شديداً على قاعدة الموارد الطبيعية للعديد من البلدان الفقيرة. ويتمثل واحد من أكثر هذه الروابط بداهة في كون تصدير الموارد الطبيعية، بما في ذلك الخشب الاستوائي، من عدة بلدان من أقل البلدان نمواً قد ارتفع ارتفاعاً شديداً للاستجابة لاحتياجات خدمة الديون المتزايدة مع ترك اعتبارات الاستدامة جانباً(50). وأكبر البلدان المدينة ال‍ 14 (10 مليارات من الدولارات أو أكثر) هي أيضاً نفس البلدان التي يسجل فيها معدل لم يسبق له مثيل في إتلاف الغابات.

        وفي الكاميرون، مثلاً، تقوم 150 شركة عاملة مرخص لها في مجال الخشب، ومن بينها 23 شركة محلية، في قطع الأشجار لأغراض تجارية. وتقوم وزارة ناميبيا لمصائد الأسماك البحرية بصيد عجل البحر على نطاق واسع لأغراض التصدير إلى الشرق الأقصى. وحسب فريق العمل الناميبي المعني بالحيوانات، فإن معدل وفيات عجل البحر في السنة الأولى مرتفعة ويصل إلى 95 في المائة. وفي غانا يجري حالياً إنعاش صناعة الخشب بدعم من البنك الدولي للتعويض عن الهبوط في الصرف الأجنبــي المتأتي من الكاكاو. وارتفع إنتاج الخشب من 000 147 متر مكعب إلى 000 413 متر مكعب في الفترة ما بين 1984 و1987. وقد عجل ذلك التدمير المطّرد لغابات غانا التي انخفض حجمها بشكل كبير نتيجة لعقود من تحويل أراضي الغابات إلى أغراض زراعية. وكما حصل ذلك في أنحاء أخرى من العالم فإن هذا يحتمل أن يؤدي إلى وضع يكون بمثابة الكارثة ينخفض فيه إنتاج الأغذية وتتدنّى فيه خصوبة التربة وتسود مشاكل توريد المياه.

 

        ولدى التكيف الذي يستحثه الدين نزعة إلى التأثير بشكل غير متناسب على أشد السكان فقراً الذين يُضطرون إلى استغلال قاعدة الموارد بطرق غير مستدامة. وتشمل مثل هذه الأنشطة الرامية إلى تأمين البقاء الاستيطان التلقائي في الغابات الاستوائية، والتعدين على نطاق صغير، والاستخدام المكثف للأراضي الزراعية الحدية والنظم الإيكولوجية البحرية. والتخفيض العشوائي في البرامج الحكومية الحيوية التي تمول حماية البيئة، مثل حفظ التربة وإعادة تشجير الغابات وتخفيض حجم وكالات الإنقاذ، كلها أمور تزيد من سرعة تردي الموارد.

 

        وتعد المأساة الأخيرة في بلدي أمريكا الوسطى هندوراس ونيكاراغوا مثالاً بيناً لهذه المشكلة. وحتى قبل الإعصار ميتش كانت هندوراس ونيكاراغوا من أفقر البلدان في نصف الكرة الأرضية إذ يعيش قرابة نصف سكانهما دون حد الكفاف. ولنيكاراغوا ديون قدرها 6.1 من مليارات الدولارات، وهي أعلى نسبة دين للفرد في العالم. واستحوذت مدفوعات خدمة الدين وقدرها 254 مليون دولار في عام 1997 على نسبة 52 في المائة من عائدات الحكومة وبلغت ضعفي ونصف ضعف إنفاق البلد على الصحة والتعليم معاً. وعلى نحو مماثلا فأن لهندوراس ديناً يقدّر ب‍ 4.1 من مليارات الدولارات، وقد بلغ مقدار النقود التي دفعتها على تسديد ذلك الدين ثلث عائدات الحكومة في العام الماضي. والتخفيضات التي يستلزمها التكيف في الميزانيات الحكومية وتخفيض حجم وكالات الإنقاذ قد أعاقت بالفعل قدرة الحكومتين على حماية قاعدة الموارد الطبيعية، وذلك قبل أن يضرب الإعصار ميتش بقوته المدمرة بوقت طويل. فلو كان الاستثمار العام قد وجه نحو إبقاء البرامج الهامة التي تساعد صغار المزارعين، مثل الإرشاد وحفظ التربة وإعادة تشجير الغابات والإنتاج الزراعي المستدام، لأمكن التقليل إلى أدنى حد من الأضرار الناجمة عن الإعصار.).

ونرى التقرير يخلص إلى النتائج السلبية لسياسات التكييف والتي ما كانت لولا الديون وأعباء فوائدها، ويصف هذه النتائج أنها واضحة جلية وهي:

1-             ارتفاع البطالة.

2-             الارتفاع بالغ الأثر في معدلات الفقر.

3-             الهبوط في الأجور الحقيقية.

4-             الانخفاض في الإعتمادات المخصصة في الميزانيات للخدمات الاجتماعية.

5-             ارتفاع كبت اليد العاملة.

6-             اتساع أوجه التفاوت في الدخل.

7-             إضعاف قدرات الإنتاج المحلية.

8-             تزايد ثقل عبء الديون.

9-             الاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية الذي يحدثه الدين.

10-        تزايد اتساع الصدع بين الدولة والمجتمع.

 و يبين التقرير بوضوح أن المتضرر من الديون هم الفئات الضعيفة والأكثر فقراً، ويحدد من بين فئات السكان المتأثرة سلبا الفئات التالية :

1-             النساء .

2-             الأطفال.

3-             العائلات، فقد انحلت الأسرة عندما أصبح الأب عاملا مهاجراً.

4-             الشباب.

5-             الفلاحون والعمال الزراعيون.

6-             العملاء الحضريون.

7-             أصحاب المشاريع المحليون.

فمن بقي بالله عليكم من فئات المجتمع إلا الفئات المحدودة من أصحاب السلطة والنفوذ المحتكرين لمقدرات البلاد والعباد.

ويشير التقرير المذكور أيضا إلى أن سياسة أو إستراتيجية الدائنين تقوم على ثلاثة عناصر هي: التقتير والتأخير والتقشف. رغم الضوضاء الإعلامية التي تحاول تبيض وجوه أصحاب الديون الوحشية ، وما ينشر حول إعفاءات من الديون ، فإن الواقع لا يتغير بالنسبة للديون التي ترزح تحب عبء الديون وخدمة فوائدها، فمثلاً فيما يتعلق بالديون الضخمة المستحقة للمصارف التجارية على بلدان أمريكا اللاتينية فمع ضخامة الدين وتهديده للنظام المصرفي الغربي قامت المصارف التجارية بتقديم قروضا جديدة كي يتسنى للبلدان المدينة تفادي التخلف في مدفوعات فائدتها للمصارف ، إلى جانب منح المدينين مهلة جديدة تصل إلى 14 عاما لتسديد ديونهم وفوائدها طبعا، وبالتأكيد بفرض إجراءات تقشف وتكيف لتأمين الموارد اللازمة للسداد.

ونرى أن معظم ما تقوم به الدول أو المؤسسات المصرفية الدائنة لا يتضمن بأي حال بعثا لنقود جديدة بغرض التنمية، وإنما لتأمين حصولها على استرجاع ديونها واستمرار حصولها على فوائد ديونها. وكما يذكر التقرير أنه لم يتسن حتى الآن تفادي تخلف البلدان المدينة عن الدفع إلا عن طريق تأجيل المدفوعات أو إعادة الجدولة أدت إلى تراكم الفائدة والرسوم الآجلة مما أجج أزمة الديون بدلا من تخفيضها.

ولنستعرض صورة مشكلة الديون بشكل أوضح ، فقد يفيدنا ما ورد في تقرير ائتلاف المجتمع المدني الكوكبي ، المرصد الاجتماعي الصادر في سنغافورة في 19/9/2006 ،والذي ذكر أن صافي التحويلات المالية (الإنفاق ناقص السداد ناقص الفوائد) إلى البلاد المتطورة من البنك الدولي لإعادة الأعمار والتنمية (IBRD) وهو فرع الإقراض في البنك الدولي كانت بالسالب.

ويشير إلى أن البلاد محدودة الدخل تلقت هبات ومنح وقروض بلغت حوالي 27 بليون دولار أمريكي في عام 2003 بينما سددت تقريبا حوالي 35 بليون دولار أمريكي لخدمة الديون في العام نفسه.

وأفريقيا جنوب الصحراء وهي من أفقر مناطق العالم  شهدت ارتفاعا في مجموع ديونها ليصل إلى 220 بليون دولار رغم أنها سددت 296 بليون دولار من مبلغ 320 بليون دولار كانت استدانته من العام 1970.

والحقيقة بدقة أنه من العام 1984 كان صافي التحويلات إلى البلدان النامية  من خلال قنوات الدين (صافي نتيجة التدفقات كقروض جديدة والمدفوعات في شكل خدمة ديون) سالبا دائما فيما عدا خلال ثلاث سنوات فقط، مما يشير بوضوح إلى أن الدين أصبح بدلا من أن يوفر مصدرا للتمويل من أجل التنمية كما يقال ، قد أصبح مصدرا كبيرا لتسرب الموارد الشحيحة من البلدان النامية.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن عدم الاستقرار المالي دفع الدول النامية للاحتفاظ باحتياطات ضخمة من الأموال غير المستغلة أو المستثمرة لمجرد الدفاع عن عملاتها الوطنية من المضاربة، فاضطرت في أحيان عديدة لتستدين عملة صعبة غالبا دولار أمريكي (وغالبا من الولايات المتحدة) بفوائد تصل إلى 18% وتعيد تسليف هذه الأموال إلى الولايات المتحدة  مرة أخرى في شكل شراء لسندات خزينة أمريكية بفوائد بسيطة بحدود 3%.

وتشير التقارير الرسمية أن فوائد الديون على الدول المتخلفة كانت في العام 1970 حوالي 2 بليون دولار ، وارتفعت إلى 74 بليون دولار في العام 1985 ، ومن المفارقات أن الدول المتخلفة تلقت قروضا وهبات رسمية في العام 1984 حوالي 47.5 بليون دولار بينما دفعت في العام نفسه فوائداً على قروضها الخارجية فقط 50.4 بليون دولار.

ولنستعرض الواقع في بعض الدول:

  • في مصر بلغت الديون الدولاريه عام 2001، 1500مليون دولار لمدة عشر سنوات وبفوائد بمتوسط 8.75% سنويا بالإضافة إلى سندات بقيمة 500 مليون بفائدة قدرها 6.7%، ومعظم هذه المبالغ أعيد استثمارها في سندات خزينة أمريكية بمعدل فائدة لا تتجاوز 5-5.1% سنويا ، الأمر الذي يكبد الخزنة المصرية خسارة تقدر بأكثر من 5 مليون جنيه مصري يومياً. وقد ورد في الميزانية المصرية مبلغ 50.4 مليار جنيه تكاليف لخدمة الدين العام. وتقدر بعض المصادر أن فوائد الدين المحلي وحدها بحدود 43 مليار جنيه فقط ، وتقدر مصادر أخرى الديون المحلية بما يتجاوز 229 مليار جنيه. وإذا ما قسمنا مبلغ خدمة الديون على عدد السكان لوجدنا كم تأكل تكاليف هذه الديون من حياة ومعيشة الفرد المصري.
  • في لبنان مثلا ، الكل سمع أن الديون تجاوزت 40 مليار دولار ، وبحسبة بسيطة على افتراض أن فوائد هذه الديون في المتوسط بحدود 10% تكون تكلفة خدمة هذه الديون سنويا بحدود 4 مليار دولار وعدد السكان لا يتجاوز في لبنان الشقيق الأربعة ملايين نسمة بوجدنا أن خدمة الديون فقط تقتطع من كل مواطن قاطن في لبنان ، كهلا كان أم رضيعا منتجا أو غير منتج ، فقيرا كان أم غنيا بحدود 1000 دولار سنوياً، ولنتصور حياة أسرة لبنانية عدد أفرادها 5 أو سبع أشخاص لو كان باستطاعتهم التخلص من عبئ 5 أو 7 آلاف دولار سنوياً.
  • في تركيا كان لنتائج الاقتصاد الربوي والديون  تأثير كبير وملموس بدا واضحا في ظل حكومة بولندا أجاويد وتعرضت تركيا لأعظم الأزمات الاقتصادية في العام 2001حيث:

– انخفض الناتج القومي التركي عام 2001 لنسبة 9.4%

– أدت الأزمة إلى انهيار البرامج التي تطبقها الحكومة مع صندوق النقد الدولي، وانخفضت قيمة الليرة التركية أكثر من 50%.

– الأزمة رهنت اقتصاد تركيا لصندوق النقد الدولي بقروض جديدة بمبلغ بحدود 31 مليار دولار.

 – إجمالي الدين العام زاد في العام 2000 عن 180 مليار دولار وكان إجمالي الدخل القومي لا يتجاوز 140 مليار دولار.

– نصيب الفرد الواحد من عبء الديون تجاوز ال3000$.

– الفوائد التي دفعتها تركيا ذلك العام (2001) تجاوزت 8.4 مليار دولار .

– بلغت مصروفات الديون خلال عام 2001 نحو 22.6% من إجمالي الدخل القومي.

– أصبح 35 مليون تركي، أي أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، فقد أشارت الدراسات أن تكلفة الاحتياجات الأساسية من المأكل الخاص بأسرة صغيرة أرتفع إلى 192 دولار شهريا بينما كان الحد الأدنى من الأجور 160 دولار تصبح بعد اقتطاع الضرائب 120 دولار فقط.

ومع كل هذه الظروف تدخل البنك الدولي وصندوق النقد بحجة مكافحة التضخم مما أدى من الناحية العملية إلى تجنيد كل موارد الدولة لخدمة القروض التي قدمها الصندوق.

ويذكر الأستاذ عبد الرحمن التيشوري في بحث له، أن الفائض الذي كانت تحققه البلدان المتخلفة في ميزانها التجاري كان يستخدم لتمويل التحويلات والأرباح الكبيرة ودخول الاستثمارات الكبيرة ويأتي بمثال أنه في العام 1965 انسابت من الولايات المتحدة الأمريكية استثمارات مباشرة إلى دول أمريكا اللاتينية بقدر ب178 مليون دولار ، ولكن في نفس العام نزحت من هذه الدول إلى الولايات المتحدة الأمريكية أرباحا تقدر ب 814 مليون دولار.

ديون الولايات المتحدة الأمريكية :

ومن الملفت أن الولايات الأمريكية نفسها لم تنج من الديون فهي أكبر دولة مدينة في العالم بامتياز ، وقد بلغت ديونها طبقاً للإحصائيات الرسمية لبنك الاحتياطي الأمريكي ما يتجاوز 34 تريليون دولار ، وهو يعادل ثلاثة أمثال الناتج القومي الإجمالي، ويعني أن كل مواطن أمريكي مدين بحوالي 125.000 دولار أمريكي فقط مما يصيبه من الدين العام، ناهيك عن الديون التي يرزح تحتها بشكل مباشر نتيجة استهلاكه المباشر,فقد تضاعفت الديون الاستهلاكية على المواطنين (باستثناء الرهن العقاري)منذ العام 1994 ووصلت إلى 9.4 تريليون دولار أي ما يعني 37.000$ لكل فرد أمريكي. والوضع نفسه بالنسبة للمؤسسات التي وصلت ديونها إلى 5 تريليون دولار وكذلك بالنسبة لحكومة الفدرالية التي وصلت ديونها إلى 7 تريليون.

ولعله من المفيد هنا إيضاحا لواقع اقتصاد الولايات المتحدة أن نذكر بعض أقوال أحد أرباب الاقتصاد ، يتساءل ستيفن دروش من مورغان ستانلي: ” هل نتصور ما قد يحصل لو توقف الأجانب عن تمويل سندات الخزينة الأمريكية”

وسؤال آخر: هل يعقل أن يكون العملاق الأمريكي هو الدولة الأكثر استهلاكا والأكثر مديونية في العالم.

ويجيب، إذا لم تنهار الولايات المتحدة كما انهارت تايلاند في نهاية التسعينيات فالسبب عائد لعظمة نفوذها الاقتصادي وإلى تمويل ديونها بالدولار.

ماذا يعني ذلك؟

الدولار الأمريكي لم يعد اليوم سوى سند دين لحامله مستحق الأداء على الولايات الأمريكية المتحدة ، ولاستمرار دوران عجلة الاقتصاد الأمريكي وعدم انهياره كان لابد من خلق طلب متزايد ومستمر على الدولار الأمريكي ، ولتحقيق ذلك لابد من إقناع المنتجين وأصحاب السلع ذات القيمة من قبول الدولار الأمريكي وسيلة للسداد، ومن الأمثلة الواضحة على هذا الأمر ، تجارة البترول التي تتجاوز إجمالي حركتها السنوية 2.5 تريليون دولار وبالتأكيد هي أكبر الديون مع الارتفاع الكبير في سعر البترول،و دول كاليابان أو الصين تحتاج لشراء كميات كبيرة من البترول سنويا تضطر للاحتفاظ بحجم كبير من الدولارات الأمريكية لاستخدامها لدفع فواتير النفط للدول المنتجة وبالتالي هي مضطرة باستمرار لشراء الدولار والاحتفاظ به أو بتعبير آخر للاستمرار بتمويل الاقتصاد الأمريكي عن طريق شراء سندات الدولار مادام  بائعي ومنتجي النفط يقبلون هذه السندات مقابل نفطهم، وهكذا دواليك ، بحيث مع أي زيادة في الإنتاج أو الطلب على البترول أو مع أي زيادة في سعره يزداد الطلب على الدولار وبالتالي يتم تمويل الاقتصاد الأمريكي بمبالغ أكبر.

وهكذا يتضح لنا أن واقع ما يقال عن رغبة وسعي الولايات الأمريكية للسيطرة على منابع النفط في حقيقتها تهدف أولا للاستمرار بالاحتفاظ بآلية تسعير وبيع النفط بالدولار الأمريكي   

وأكثر ما يقلق الولايات الأمريكية أن يتم التفكير بتسعير أو بيع النفط بغير الدولار.

وكذلك الأمر بالنسبة للسلع الإستراتيجية الأخرى التي تدار بها مبالغ كبيرة.

وبالإضافة إلى سندات الخزانة الأمريكية التي تدفع الولايات المتحدة لمقتنيها فوائد غالبا ما تحددها بنفسها لاعتبارات خاصة باقتصادها ، هناك الكتلة النقدية الهائلة والتي قدرت بأكثر من 2500 مليار دولار وهي في طبيعتها سندات لحاملها لا تدفع الخزينة الأمريكية أي فوائد لحاملها، وتزيد الولايات المتحدة من الكميات التي تطبعها باستمرار فطبقا للتقارير الرسمية زادت كمية الأوراق المطبوعة من الدولار بين عامي 1971 و2000 أكثر من 2000%. وأخيرا وربما لتتخلص من الإحراج لم تعد الولايات الأمريكية تصرح بالكميات التي تطبعها سنوياً. وواقع الأمر فأن هذا الحجم الكبير من أوراق العملة الأمريكية المتداولة في العالم كله تشكل أحد الأسباب المهمة لازدياد التضخم في جميع أنحاء العالم.

 

 

 

الديون على صعيد الأفراد :

لم تقتصر مشكلة الديون وفوائد الديون على الدول ، بل امتدت لتشمل الأفراد أيضاً، والمراقب لواقع الفرد والأسرة في المجتمعات ضمن المنظومة الربوية وخاصة في الدول المتقدمة يلاحظ أن الفرد في هذه الدول يعيش ضمن دائرة مغلقة متواصلة من الديون وسداد فوائدها،

ففي الولايات المتحدة مثلا كما ذكرنا سابقا فإن ديون الفرد تجاوزت 37.000 دولار أمريكي ، السلف الاستهلاكية الربوية تضاعفت 100 مرة خلال عشر سنوات، بمعدل 18000$ لكل عائلة.(لا يشمل ذلك التسليفات العقارية أو تسليفات شراء السلع الباهظة). ديون آنية على كل أمريكي (بطاقات ائتمانية) وسطيا 8000$ هذا بزيادة 167 مرة عما كان عليه الحال في التسعينيات.

وترى المواطن الأمريكي يعمل ليل نهار يلهث وراء المال لتسديد ديونه أو فوائده وفي الوقت ذاته يتعرض في كل لحظة لإغراء الحصول على قرض أو تسليف جديد ليزداد استهلاكا وبالتالي تزداد عليه أعباء خدمة ديونه بحيث تستغرق كل إيراده تقريبا، وكلما ازداد إيراده أغرته المؤسسات الربوية بمزيد من الديون بحيث تستغرق أي زيادة في دخله قد يحققها، فتراه يقسم إيراده في الغالب مهما بلغ بين سداد لأقساط بطاقاته ائتمانية وسداد لقسط سيارته وقسط منزله وأقساط جامعات ومدارس أطفاله وأقساط التأمين وحتى إجازاته ورحلاته السياحية تباع له بالدين وتقسط له وهكذا تراه يمضي حياته لا يتمكن من امتلاك أي شيء تقريبا بشكل حقيقي إلا ما قد استهلكه فعلا.

وما أشبه وضعه هذا بوضع العبيد الذين كانوا يجلبون من أفريقيا للعمل كعبيد في المزارع والمصانع، بل في حقيقة الأمر كان العبد يكلف سيده أكثر حيث كان يدفع ثمنا له لتاجر الرق الذي جلبه ، واليوم لا يدفع ثمنا له بل ترى طوابير و بالآلاف على أبواب السفارات الغربية في الدول المتخلفة يستجدون قبولهم في طبقة العبيد لدى السادة في هذه الدول المتقدمة .

في الماضي كان السيد يقدم للعبد المسكن والمأكل ووسيلة النقل ، وكلما تميز العبد وتفوق في عمله كان غالبا يحسٌن له من مستوى مسكنه وملبسه ومطعمه ، وهكذا هو الأمر اليوم فالسادة الخفيون أصحاب المؤسسات الربوية يقدمون للعبد في زماننا ما يسد رمقه وغروره في الحد الأدنى من ملبس ومسكن ووسيلة نقل ووسائل رفاهية تتناسب مع الجهد الذي يقدمه ولكن في كلتا الحالتين لا يستطيع العبد إلا في حالات نادرة جدا امتلاك أي قيمة حقيقة أو الخروج من تبعية سيده في الماضي أو تبعية المؤسسات الربوية في عصرنا الحاضر.

 

لأن نظام الاستعباد هذا بعد أن نجح باستعباد معظم مواطنيه في الدول المتقدمة يحاول الآن أن يمتد إلى باقي أنحاء العالم وخاصة مع فائض الأموال الكبير الذي حققه من النظام الربوي ويحاول اليوم تحقيق المزيد من خلال إدخال مجموعات جديدة من مواطني الدول المتخلفة في منظومة العبودية الفردي، ويستخدم في ذلك إغراءات كبيرة تحت شعارات براقة ويستخدم أيضا وسطاء من هذه الدول جائعون للمال ولتحقيق الثروة مهما كان الثمن في المقابل الذي على مواطنيهم دفعه أسوة بما فعله ويفعله السادة المرابون في الدول العظمى.

ومن الواضح تماما لأولي التخصص أن اقتصاد الدول الرأسمالية الكبرى يقترب حثيثا من كارثة اقتصادية بعد أن امتص الربا بأدوات منظوماته المركبة معظم الطاقات الإنتاجية في هذه الدول، ولن يحقق من آثار الكارثة الاقتصادية المتوقعة سوى امتصاص دم جديد ذو قيمة حقيقية من دول وشعوب الدول الأقل نموا. وخاصة أن السادة أصحاب الاقتصاد المفترس لن يتخلوا بسهولة عن نظرياتهم وأدواتهم الاستغلالية التي تكون اقتصاديات الدول المتطورة في العالم الرأسمالي اليوم.

 

 

الائتمان:

يقول موريس آلية عالم الاقتصاد المعروف والحائز على جائزة نوبل، أن آلية الائتمان ( وهي الأساس في التمويل الربوي) يؤدي بصورة جوهرية إلى خلق وسائل دفع من لا شيء وكل عملية ائتمان في الواقع ترافقها عملية مضاعفة للنقود.

والائتمان يمكن تعريفه بأنه الثقة التي يضعها البنك في عميله فيكفله لمبلغ معين لفترة زمنية معينة تتيح لهذا العميل أن يستخدم هذه الكفالة أو الائتمان للحصول على قروض أو سلع بدون أن يقوم بسداد قيمتها فورا،

وكمثال واضح عما نقصده ، الائتمان الذي يمنح للمضاربين في بورصات العملات أو السلع الرئيسية والأوراق المالية ، حيث يمكن للمضارب أن يشتري مبالغ من عملة ما أو من الذهب مثلا ويسدد فقط 1% من قيمتها وأحيانا أقل ثم فيما لو ارتفع سعر السلعة التي اشتراها يبيعها ويحصل على الربح الناتج عن ارتفاع ثمنها دون أن يسدد كامل قيمتها، وإذا انخفضت قيمتها يخسر النسبة التي دفعها أو يدفع مبلغ آخر للاحتفاظ بها لمدة أطول وهكذا ، بل وأيضا لو توقع أن سعر السلعة سينخفض أتيح له أن يبيع كمية من السلعة المشار إليها دون أن يتملكها أيضاً فإذا انخفض سعرها حقق ربحا أيضا، وهكذا نرى أنه في كلتا الحالتين باع مالا يملك أصلاً وبدقة أكثر أو قامر معتمدا على حدسه أن سعر السلعة سينخفض أو سيرتفع ، المفارقة هنا أنه رغم عدم وجود سلعة حقيقة مستلمة تباع وتشترى فإن الائتمان الذي منح للمضارب أتاح للبنك أو للشركة المالية التي تقوم بالتداول أو إدارة المضاربة الحصول على فوائد وتحتسب غالبا بشكل يومي على الجزء الكبير الذي لم يسدده من قيمة السلعة.

ولنأخذ مثالاً آخر غير المضاربة عما يمكن أن يحدث ، لنفترض أن التاجر (آ) حصل على ائتمان لشراء بضاعة وسداد قيمتها بشكل مؤجل، باستخدام أدوات ائتمانه يشتري بضاعة من (ب) دون أن يسدد قيمتها فيقوم (ب) بالحصول على قرض بقيمة ما باعه بالتنازل لإحدى المؤسسات الربوية ويحصل على قيمة السلعة المباعة ناقصا فوائد الخصم ، ثم يقوم (آ) أيضا ببيع البضاعة التي حصل عليها من (ب) ل (ج)أيضا يمكن أن يكون البيع بتسهيلات ائتمانية وهكذا نجد أن نفس السلعة أو نفس القيمة كانت محل ائتمان وقروض وبالتالي فوائد بثلاث مرات أو أكثر.

إن ذلك سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع في قيمة السلع ناجم من تراكم الفوائد مرة فوق أخرى و أيضا سيؤدي بالتأكيد إلى تضخم وازدياد وهمي للكتلة النقدية المتداولة دون أن يقابلها إنتاج أو قيمة حقيقية مساوية لها.

الآثار والنتائج:

الآثار السيئة المدمرة لآلية الديون وخدمتها في عالمنا المعاصر نستطيع أن نلحظها في كل جانب من جوانب حياتنا، فقر مدقع وغنى فاحش في الخلاصة ، وسوء توزيع وعدم عدالة في توزيع الثروة ، وهذه الآثار والنتائج السلبية تتعاظم يوما بهد يوم كخلايا سرطانية لا تقف عن حدود تنهش في الاقتصاد المعاصر مادام النظام الربوي قائم ومعتمد كأساس لاقتصاديات العالم ، وكأمثلة من واقع الإحصائيات يمكننا ذكر بعضها فيما يلي:

  • في عام 1960 كان دخل ال20% الأغنى في العالم يتجاوز ب30 مرة دخل ال20% الأفقر في العالم

وأصبح في العام 1997 يتجاوز ال74 مرة.

وفي الفترة من 1994 إلى 1998 ازدادت القيمة التراكمية الصافية لثروة أغنى 200 شخص في العالم من 440 مليار دولار إلى أكثر من 1000 مليار دولار.

  • وتجاوزت ثروات نعلم: فقط الأغنى في العالم الناتج القومي الإجمالي ل 48 دولة الأقل تقدما في العالم

ومن المفيد أن نعلم :

أن تكلفة الحاجات الأساسية(تعليم أساسي، صحة، تغذية أساسية، رعاية الحوامل في الحمل والولادة) تقدر بحوالي 40مليار دولار سنويا. وهذا أقل من 4% من ثروات ال225 شخصا الأغنى في العالم.

ثلاثة أخماس من بين 4.4 مليار شخص لا تتوفر لديهم بنية صحية، ثلثهم ليس لديهم مياه شرب، ربعهم ليس لديهم سكن لائق.

ثروة ال 25 شخص الأغنى تتجاوز إجمالي الناتج لمجموع الدول الأفريقية جنوب الصحراء.

ثروة ال 48 شخص الأغنى تتجاوز إجمالي الناتج لمجموع 48 دولة الأقل تقدما.

ثروة ال32 شخصا الأغنى تتجاوز إجمالي الناتج لدول آسيا الجنوبية.

وعائدات ال 84 الأغنى تتجاوز الناتج الإجمالي للصين.

ولقد اتفق الاقتصاديون على القول أنه : كلما سددت ديونك (الربوية) ازددت فقرا

بل وإلى حد ما :

كلما تكرم المرابون بقروض جديدة أو بتخفيض أو إلغاء لبعض الفوائد أو ببعض الهبات، أيضا ستزداد الدول الفقيرة فقرا ويزداد المرابون غنى.

ولكن الربا وهو بحق أكثر السرطانات الوحشية التي يعاني منها اقتصاد العالم اليوم وبعد أن يفتك باقتصاديات دول العالم وعندما تنفذ مصادر عيشه تدريجيا بعد قضائه على معظم أدوات الإنتاج الحقيقية بجشعه وأنانيته لابد وأن يبدأ الفتك بأدواته ثم بمكونات أعضائه الربوية ذاتها، وسيحاول كسب المزيد من خلال تجيير الكوارث الاقتصادية المتوقعة لصالحه، كما حصل في الكوارث الاقتصادية السابقة التي مر بها الاقتصاد الرأسمالي. ولكن هل سينجح في ذلك؟؟ أظن الأمر موضع شك كبير، ونتوقع في النهاية أن يتخلى عن أدواته ويحدث تغييرا جذريا في نظرياته المعتمدة على الربا ولكن طبعا لن يتم ذلك بسهولة ودون أن تعاني شعوب العالم من آلام قد تتجاوز ما نشاهده اليوم للأسف.

المشكل المتوقع أنه حتى عندما تحدث الكوارث الاقتصادية المتوقعة سيحاول منظروا منظومة الربا وقياداته إيجاد حلول تعتمد الربا ونظرياته وأسسه وأدواته ، وسنرى من يبحث بتخفيض أو رفع معدلات الفائدة ، أو ضخ المزيد من السيولة في القطاعات المختلفة بفوائد منخفضة أو يقومون بشراء أسهم أو حصص من مؤسساتهم المالية أو الاقتصادية لدعمها عندما تقترب من حافة الانهيار وهكذا دواليك ، ولكنهم لن يتخلوا بسهولة عن الربا الذي يعتبر أساس النظرية الذي بنوا عليه اقتصاد العالم ، ولنكون واقعيين فإن التخلي عن الأساس الربوي أو مقاييس القيمة الربوية للمال المجرد ليس سهلا، فقد يقتضي تغييرا شاملا في المفاهيم والنظم والقوانين والقيم التي قام عليها الاقتصاد العالمي لسنوات طويلة.

ومن المفارقات أن معظم علماء الاقتصاد مقتنعون أن المشكلة بشكل أو بآخر تكمن في الربا ويعبرون عن ذلك بطريقة غير مباشرة حين يصرحون بين الفينة والأخرى أنه كلما اقترب معدل الفائدة من صفر كان ذلك أفضل للاقتصاد وللنشاط الاقتصادي.

فيقول كينز العالم الاقتصادي الكبير في كتابه النظرية الاقتصادية:

” إن العالم سيكون في حالة استقرار اقتصادي إذا وصل سعر الفائدة إلى صفر“

رغم أن بعضهم يقر بأن اقتصادا بدون ربا “وهذا هو الأساس في النظام الاقتصادي الإسلامي” هو الأفضل وهو الذي يؤدي إلى الاستقرار:

ففي دراسة صدرت عن صندوق النقد الدولي عام 1986 تأكيدا على أن نظام البنك الإسلامي أكثر أمنا واستقرار من نظام البنوك التقليدية.

وأستاذ الاقتصاد الفرنسي جاك أوستري عام 1961 قال:

” الاقتصاد الإسلامي سيسود عالم المستقبل لأنه أسلوب كامل للحياة يحقق المزايا ويتجنب كافة المساوئ“

ورغم ذلك تبقى كل هذه الآراء بالنسبة لسادة الربا أفكارا غير قابلة للمناقشة على الأقل مادام لا يزال باستطاعتهم امتصاص المزيد من ثروات وقوت شعوب العالم.

الخلاصة:

يتضح من الاستعراض السابق أن الربا بحق هو أكبر مشكلات اقتصادنا المعاصر ، وهو العائق الأكبر أمام تنمية واستقرار اقتصاديات الدول ومحاولات الشعوب لتأمين حياة أفضل والقضاء على الفقر الذي يتزايد يوما بعد يوم في كل دول العالم حتى المتقدمة منها.

ونرى في الواقع أن محاولات الدول الفقيرة أو المتخلفة أو النامية بالتعبير المنمق في تحقيق تنمية مستدامة أو تطوير اقتصادها لم يكتب له النجاح والسبب الرئيس لذلك أنها اعتمدت مبدأ الربا في أدواتها ،من ذلك مثلا قروض مكافحة البطالة وقروض المشاريع الصغيرة إلى آخر القائمة  ، بالإضافة إلى معوقات أخرى هي أيضا من نتائج النظام الربوي الحتمية ، كالفساد ، واقتصاد الظل وغسيل الأموال ، وسوء الائتمان وتردي الأخلاق وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم الاهتمام بالمصلحة العامة.

وسنستعرض بعضا من جوانب هذه المشكلات في محاضرات قادمة بإذن الله.