حقيقة الأزمة المالية العالمية – الكارثة الحقيقية قادمة:
د. محمد سهيل الدروبي
ما كدنا نستمع لبعض السياسيين والصحفيين يعلنون قرب انتهاء المالية العالمية حتى تفجرت الأزمة اليونانية التي باتت اليوم تنذر بأزمة مالية أوربية شاملة لن تقل أثارها على أوربا و الأسواق المالية العالمية عما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية ، بل أن البعض أعرب عن قلقه من انتقال الأزمة إلى منطقة الشرق الأوسط و آسيا و بالتالي تصبح الأزمة أزمة عالمية لا مناص لأحد منها.ونرى علماء الاقتصاد و السياسيين و المفكرين يقترحون أساليب ووسائل لإنهاء الأزمة أو عدم التعرض لها، وللأسف رغم أن البعض نوه إلى بعض الأسباب الرئيسية التي كانت وراء الأزمة لم نر من فكر بالقضاء على هذه الأسباب و منشأها رغم بساطة ذلك ولعل السبب يعود في أن سبب الأزمة هو ذاته ركن الاقتصاد العالمي ألا وهو الرب ، فالنظام المالي العالمي الحالي القائم على الربا أو الفائدة سمه ما شئت أدى إلى واقع خيالي و اقتصاد وهمي غير حقيقي رعاه و طوره المرابون الجشعون في محاولات دائمة لتوظيف الفائض النقدي الكبير التي توفر لديهم بعد سنوات طوال من المراباة الجشعة, ومبالغ الربا تو الفوائد هذه تجاوزت الناتج الاقتصادي الفائض عن استهلاك البشرية التي أصبحت تدريجياً أمام أحد أمرين، إما الموت جوعاً ، بعد أن بدأت الفوائد تستغرق مايقرب من كامل عائداتها أو إنتاجها بكلمة أدق ، أو التوقف عن سداد الفوائد والقروض التي حصلت عليها ، وهذا كنت قد أشرت إليه في محاضرات سابقة.
فلنكن واقعيين في نظرتنا إلى الأزمة ، فهي لن تنتهي مادام العالم متمسكاً بالنظام الحالي القائم على الربا والمنفصل عن الإنتاج، وكل المحاولات سواء أكانت بمزيد من الإقراض أو تخفيض للفوائد ، قد تؤجل النهاية الكارثية للأزمة ولكن بالتأكيد لن تنهيها أو توقفها.
ومن الواضح للمتابع أن الأزمة المالية الحالية وبعد أن أدت إلى إفلاس عدد من الشركات المالية والبنوك ، ستؤدي في المرحلة القادمة إلى أزمة اقتصادية ستنجم عن إفلاس مؤسسات وشركات ومصانع إنتاجية، وكنتيجة لإفلاس هذه القطاعات الإنتاجية سيتم طرد أعداداً كبيرة من العاملين مما سيزيد من حدة مشكلة البطالة، وسيخرج من جهة أخرى عدد من المنتجين من السوق مما سيؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج وبالتالي حجم العرض مما سيؤدي تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار، ولن نستغرب في تلك الحالة أن يقوم وحوش الربا من جديد باستغلال ذلك الوضع لعرض قروض لمنتجين جدد أو شركات قائمة لزيادة إنتاجها مما سيزيد من جديد من تكلفة الإنتاج وارتفاع الأسعار لمصلحة المرابين وبمقدار سيتجاوز ماسيجنوه من ربا. كل ذلك سيؤدي في النهاية إلى كارثة اجتماعية بكل المقاييس ولن يكون مستغرباً أن تتفكك دول عظمى وأن تنشب حروب أهلية واضطرابات تجتاح معظم الدول الدائرة مع عجلة الاقتصاد الربوي القائم اليوم.
لأن الحل لا يمكن أن نراه إلا بقرار جرئ يربط النشاط المالي والمصرفي بشكل نهائي بالإنتاج وعائدات الإنتاج ، وتوجيه التمويلات والاستثمارات باتجاه الاستثمار المباشر بطريق المضاربة أو المشاركة الحقيقية في عمليات الإنتاج وبالربح أو الخسارة. بالتأكيد أن هذا الأمر ليس من السهل أن تقبله اليوم المؤسسات المالية والمصارف القائمة على الإقراض، كما سيتطلب ذلك تغييراً جذرياً في التفكير الاقتصادي والمالي والمحاسبي وحتى التعليمي.
فهل يمكن لعالم اليوم أن يقتنع أن المال بشكله المطلق ليس له قيمة تذكر بمعزل عن الإنتاج؟؟.
أحدث التعليقات