اختيارات ابن عثيمين في باب الحوالة – صالح بن ناعم بن سلطان العمري

  اختيارات ابن عثيمين في باب الحوالة

بقلم : صالح بن ناعم بن سلطان العمري

المبحث الأول

لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوصف

إذا قصد به الرداءة والجودة

اختيار الشيخ محمد بن عثيمين :-

اختار الشيخ محمد – رحمه الله – عدم اشتراط اتفاق الدينين في الحوالة في الوصف إذا قصد به الرداءة والجودة.

ما يدل على اختيار الشيخ محمد – رحمه الله – :-

قال:(فالصواب أن الوصف إذا قصد به الرداءة والجودة أنه لا بأس به)[1].

وقال في موضع آخر : ( وإن أحاله بناقص على زائد وكان الإختلاف في الوصف كان ذلك جائزاً ، لأن الوصف حق لمن أسقطه ، وهذا هو القول الصحيح)[2]

خلاف العلماء في المسألة :-

القول الأول :-

لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوصف إذا قصد به الرداءة والجودة.

وهو مذهب الحنفية[3] ، وقول للمالكية[4] ، وقول للشافعية[5] ، واختيار الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله –[6] .

 

القول الثاني :-

أنه يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوصف.

وهو مذهب المالكية[7] ، والشافعية[8] ، والحنابلة[9] .

الأدلــة :-

أدلة القول الأول :-

الدليل الأول : لأن هذا إرفاق وزيادة ، فكأنه تبرع بالزيادة سواء كان المحال أو المحال عليه ، فمن كانت الزيادة في جانبه فكأنه تبرع بها وهذا لا إشكال فيه ولا محرم فيكون جائزاً [10].

الدليل الثاني : أن الوصف حق لمن أسقطه ، والإنسان من حقه أن يسقط حقه كاملاً فبعضه من باب أولى ، فكان ذلك جائزاً [11].

أدلة القول الثاني :

الدليل الأول : لأن الحوالة تحويل للحق ونقل له ، فينقل على صفته [12].

الدليل الثاني : ولأن الحوالة إرفاق كالقرض ، فلو جوزناها مع الاختلاف صار المطلوب منه طلب الفضل فتخرج عن موضوعها [13].

ونـوقـش :-

بأن هذا لا يخرجها من باب الإرفاق والتيسير بل هو من تمام الإرفاق والتيسير إذا كان هذا برضا الطرفين [14].

الدليل الثالث : ولأنه لو اختلف أحدهما عن الآخر في الوصف لم تصر حوالة بل تصير بيعاً فتخرج من باب الحوالة التي جاءت رخصة للرفق والتيسير فتخرج إلى البيع ، وإذا خرجت إلى البيع فإن بيع الدين بالدين منهي عنه [15].

ونـوقـش :-

بعدم التسليم بأن الحوالة تصير بيعاً إذا اختلف الوصف ، بل تبقى حوالة على بابها مع ما فيها من الرفق والتيسير على الناس الذي هو مقصد من مقاصد الحوالة أصلاً [16].

الترجيح :-

الراجح – والله أعلم – هو القول الثاني القائل بأن الحوالة يشترط فيها اتفاق الدينين في الوصف ، لأن الحوالة معناها تحويل الحق ، فيعتبر تحويله على صفته ، وتفاوت الوصف يؤدي إلى التفاضل بين العينين وهو ممنوع.

المبحث الثاني

لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت

 

اختيار الشيخ محمد بن عثيمين :-

اختار الشيخ محمد – رحمه الله – أنه لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت.

ما يدل على اختيار الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله – :-

قال ) فالصواب إذن أنه لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت)[17].

خلاف العلماء في المسألة :-

القول الأول :-

لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت.

وهو مذهب الحنفية[18] ، وقول عند الشافعية[19] ، واختيار الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله –[20].

القول الثاني :-

يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت.

وهو مذهب المالكية[21] ، والشافعية[22] ، والحنابلة[23] .

الأدلــة :-

أدلة القول الأول :-

الدليل الأول : أن هذا استيفاء وليس بيعاً ، ومن المعلوم أنه لو عُجل المؤجل، أو أُجل المعجل فإنه لا بأس به فكذلك هنا لا يشترط اتفاق الدينين في الحوالة في الوقت[24].

ونـوقــش :-

بأن هذا يشبه بيع الدراهم بالدراهم إلى أجل وهو ممنوع[25].

وأجيب عن المناقشة :-

بأن هذا قياس مع الفارق ، لأن هذا ليس بيعاً بل هو استيفاء[26].

الدليل الثاني : ولأن هذا ليس فيه ضرر وقد تم برضا الطرفين فكان جائزاً[27].

 

أدلة القول الثاني :-

الدليل الأول : لأن الحوالة تحويل للحق ، فيعتبر تحويله على صفته ومنها الوقت فيشترط اتفاق الدينين في الوقت[28].

الدليل الثاني : ولأن الحوالة إرفاق كالقرض ، فلو جوزناها مع اختلاف الدينين في الوقت ، صار المطلوب منه طلب الفضل فتخرج عن موضوعها[29].

ونـوقـش :-

بعدم التسليم بأنها تخرج عن موضوعها ، بل إن هذا من تمام الإرفاق والتيسير إذا كان هذا برضا الطرفين[30].

الترجيح :-

الراجح – والله أعلم – هو القول الأول القائل بأن الحوالة لا يشترط فيها اتفاق الدينين في الوقت. لما يلي :-

1- لأن هذا ليس فيه ضرر ، وقد تم برضا الطرفين والعقود مبناها على التراضي.

2- ولأن الأصل في المعاملات والعقود الحل والإباحة.

 

المبحث الثالث

وجوب رضا المحتال سواء أحيل على مليء

أو أحيل على غير مليء

 

اختيار الشيخ محمد بن عثيمين :-

اختار الشيخ محمد – رحمه الله – وجوب رضا المحتال سواء أحيل على مليء أو أحيل على غير مليء.

ما يدل على اختيار الشيخ محمد – رحمه الله – :-

قال : ( فالصواب أنه لابد من رضا المحتال سواء أحيل على مليء أم على غير مليء )[31].

خلاف العلماء في المسألة :-

القول الأول :-

وجوب رضا المحتال سواء أحيل على مليء أو أحيل على غير مليء.

وهو مذهب الحنفية[32] ، والمالكية[33] ، والشافعي[34] ، ورواية عند الحنابلة[35] ، واختيار الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله –[36].

القول الثاني :-

لا يعتبر رضا المحتال إذا أحيل على مليء.

وهو مذهب الحنابلة[37] ، والظاهرية[38].

الأدلــة :-

أدلة القول الأول :-

الدليل الأول : أن الحوالة إبراء فيها معنى التمليك ، وهو لا يصح إلا بالتراضي ، لقوله تعالى :{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ4} [39] ، فإذا حصل الإكراه فسدت الحوالة كسائر التمليكات[40].

الدليل الثاني : أن المحتال هو صاحب الحق وتختلف عليه الذمم فلا بد من رضاه ، لإختلاف الناس في الإيفاء ، فمنهم من يماطل مع القدرة ، ومنهم من يوفي ناقصاً، ومنهم من هو بالعكس ، فلا يلزمه بدون رضاه ، وإلا لزم الضرر بإلزامه إتباع من لا يوفيه[41].

ونـوقـش :-

بأنه قد شُرط في المحال عليه أن يكون مليئاً ، والمليء هو القادر على الوفاء غير الجاحد ، ولا المماطل ، فإذا أحيل الشخص على من هذه صفته فقد أُمر بإتباع من يوفيه فلا ضرر عليه من هذه الحوالة فلا حاجة لرضاه[42].

الدليل الثالث : أن ما ثبت في الذمة قد يكون تارة سلماً ، وتارة ديناً ، فلمّا لم يلزمه قبول الحوالة في السلم لم يلزمه قبول الحوالة في الدين[43].

ونـوقـش :-

بأن قياس الحوالة في الدين على الحوالة في السلم لا يصح لأنه قياس مع الفارق ، حيث إن الحوالة بالمسلم فيه معاوضة به قبل قبضه فلم تجز كالبيع[44].

أدلة القول الثاني :-

الدليل الأول : حديث أبي هريرة (t) أن النبي (e) قال :” مطل الغني ظلم ومن أتبع على مليء فاليتبع”[45].

وجه الدلالة : أن ظاهر الحديث يدل على أنه يجب على من أحيل بحقه على مليء أن يحتال ، فإنه أمر ، والأمر للوجوب[46].

ونـوقـش :-

بأن الأمر في الحديث محمول على الاستحباب ، وصَرَفَه من الوجوب إلى الاستحباب القياس على سائر المعاوضات فإنها لا تصح بدون القبول والرضا[47].

الدليل الثاني : القياس على الوكالة فإن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه وبوكيله ، وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض ، فلزم المحال القبول كما لو وكل رجلاً في إيفائه[48].

ونـوقـش :-

بأن القياس على الوكالة قياس مع الفارق ، فالوكالة تصرّف بأداء الواجب للدائن ولا نقل فيها ، بخلاف الحوالة فإنها تصرف بنقل الواجب من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، والذمم تختلف وتتفاوت[49].

الترجيح :-

الراجح – والله أعلم – هو القول الأول القائل بأنه يشترط رضا المحال سواء أحيل على مليء أو أحيل على غير مليء… لما يلي :-

1- لأن العقود مبناها على التراضي.

2- ولضعف أدلة المخالفين وورود المناقشة عليها.

3- ولأن الحق للمحال فلا يصح نقله من محل إلى محل آخر إلا برضاه ، كما أن الذمم تتفاوت.

 

 


1 الشرح الممتع ( 9 / 213 ).

2 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

3 بدائع الصنائع ( 7 / 418 ).

4 حاشية الدسوقي ( 4 / 533 ).

5 المجموع ( 14 / 226 ).

6 الشرح الممتع ( 9 / 213 ).

7 حاشية الدسوقي ( 4 / 533 ).

8 المجموع ( 14 / 226 ) ، أسنى المطالب ( 4 / 573 ) ، البيان ( 6 / 283 ).

9 المغني ( 7 / 57 ) ، كشاف القناع ( 3 / 449 ).

10 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

11 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

12 المغني ( 7 / 57 ).

13 المجموع ( 14 / 226 ).

14 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

15 حاشية الخرشي على مختصر خليل ( 6 / 18 ، 19 ).

16 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

17 الشرح الممتع ( 9 / 214 ).

18 بدائع الصنائع ( 7 / 418 ).

19 المجموع ( 14 / 226 ).

20 الشرح الممتع ( 9 / 214 ).

21 حاشية الدسوقي ( 4 / 533 ).

22 المجموع ( 14 / 226 ) ، أسنى المطالب ( 4 / 573 ).

23 المغني ( 7 / 57 ) ، كشاف القناع ( 3 / 449 ).

24 بدائع الصنائع ( 7 / 418 ).

25 حاشية الدسوقي ( 4 / 533 ).

26 المغني ( 7 / 57 ).

27 الشرح الممتع ( 9 / 214 ).

28 الكافي ( 3 / 288 ).

29 المجموع ( 14 / 225 ).

30 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

31 الشرح الممتع ( 9 / 220 ).

32 بدائع الصنائع ( 7 / 417 ) ، تبيين الحقائق ( 4 / 171 ).

33 حاشية الدسوقي ( 5 / 203 ).

34 المجموع ( 14 / 229 ) ، أسنى المطالب ( 4 / 570 ).

35 الإنصاف ( 5 / 203 ).

36 الشرح الممتع ( 9 / 220 ).

37 المغني ( 7 / 62 ) ، الإنصاف ( 5 / 203 ).

38 المحلى ( 8 / 517 ).

39 سورة النساء من الآية ( 29 ).

40 بدائع الصنائع ( 7 / 417 ).

41 تبيين الحقائق ( 4 / 171 ) ، نهاية المحتاج ( 4 / 423 ).

42 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).

43 الحاوي ( 6 / 418 ).

44 المغني ( 4 / 228 ).

45 أخرجه البخاري في كتاب الحوالات – باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة ( 3 / 123 ) حديث رقم ( 2287 ) ، ومسلم في كتاب البيوع – باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة ( 3 / 1197 ) حديث رقم ( 1564 ).

46 كشاف القناع ( 3 / 451 ).

47 مغني المحتاج ( 2 / 193 ) ، الشرح الممتع ( 9 / 220 ).

48 المغني ( 7 / 63 ).

49 شرح بلوغ المرام لابن عثيمين ( الشريط 26 / الوجه الأول ).