شرعية التعامل في سوق الأوراق المالية (البورصة)
بقلم : د. حسين شحاتة
أولاً: شرعية التعامل في الأسهم
يعتبر السهم جزءاً من رأس مال الشركة، ويساهم صاحبه في الربح والخسارة حسب ما تسفر عن نتائج الأعمال، وبذلك ينطبق عليه قاعدة الغنم بالغرم والتعامل في الأسهم بيعاً وشراءً ووساطة حلال، بشرط أن يكون نشاط الشركة المصدرة لهذه الأسهم حلالاً، فعلى سبيل المثال لا يجوز التعامل في أسهم شركة تعمل في مجال الخمور أو التماثيل أو الخنزير أو البغاء أو المقامرة.
ثانياً: شرعية التعامل في السندات
يعتبر السند قرض بفائدة ثابتة محددة مقدماً، ومن ذلك سندات التنمية وصكوك الخزانة ذات العائد الثابت، والسندات التي تصدرها الشركات ذات العائد الثابت.. كل هذا وما في حكمه من المعاملات الربوية محرمة شرعاً، ولقد أجمع الفقهاء على ذلك.
( المصدر: الفتاوى الإسلامية بدار الإفتاء، مجلد رقم 9 رقم 19248 بتاريخ 1399هـ / 1979 م ).
ثالثاً: حكم التعامل في أسهم لشركات أصل معاملاتها حلال ولكن أحياناً تتعامل بالربا
يظهر هذا التساؤل عند اختلاط الحلال بالحرام، وهناك فتوى لابن تيمية وغيره، إذا اختلط الحلال بالحرام، وكانت أكثرية المعاملات حلالاً، تأخذ الأقلية حكم الأغلبية، ولا سيما في هذه الأزمنة لا تجد معاملة إلا وقد أصابها الربا أو غباره – وهنا يطبّق فقه الضرورة، طبقاً للقاعدة الشرعية: “الضرورات تبيح المحظورات”, ومن الأورع تقدير نسبة الربح أو الإيراد أو المال الخبيث بقدر الإمكان والتخلص منها في وجوه الخير وليس بنية التصدق.
رابعاً: شرعية عمل شركات السمسرة في الأوراق المالية
ليس هناك من حرج ما دامت تلك الشركات للعمل والتعامل في أسهم شركات تعمل في الحلال والطيبات وتتجنب التعامل في السندات بفائدة وما في حكمها وكذلك تتجنب كل المعاملات المحرمة.
ويحكم عمل تلك الشركات الضوابط الشرعية للمعاملات ومنها:
- المشروعية والعمل في الطيبات
- تجنب المعاملات الربوية
- تجنب الغش والغرر والتدليس والمقامرة
- تجنب كل ما يؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل
- الالتزام بالصدق والأمانة والقناعة
- تجنب المعاملات والوهمية
- تجنب بيع الدين بالدين والكالئ بالكالئ وبيع ما ليس عندك وبيع المعدوم.
خامساً: شرعية سوق الأوراق المالية
الأسواق بصفة عامة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع ولقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين سوقاً في المدينة بعد هجرته، وقال هذه سوقكم لا تتحجّروا فيها ولا يُضرب عليه الخراج. (البخاري).
ولقد وضع الفقهاء مجموعة من الضوابط الواجب توافرها في السوق بصفة عامة وهي تنصرف كذلك إلى سوق الأوراق المالية وتتمثل هذه الضوابط الشرعية في الآتي:
(1) حرية المعاملات في الأسواق في إطار المشروعية والطيبات والمنافع المعتبرة شرعاً.
(2) مشروعية التعامل في الأسواق بأن تكون خالية من الغش والجهالة والغرر والتدليس والمقامرة.. وكل صيغ أكل أموال الناس بالباطل.
(3) طهارة السوق من المعاملات الربوية والخبائث بكافة صورها.
(4) سهولة الحصول على المعلومات الأمينة والصادقة التي تساعد في اتّخاذ قرارات الشراء والبيع.
(5) اتساع السوق وسهولة الدخول والخروج منها.
(6) تجنب المعاملات غير المشروعة مثل: الاحتكار والغش والتدليس والجهالة والغرر والتناجش وبخس الناس حقوقهم والسحت والرشوة وبيوع العينة والبخش.
فإذا توفرت الضوابط السابقة في سوق الأوراق المالية كان التعامل فيها حلالاً.
سادساً: شبهات حول المعاملات في سوق الأوراق المالية
من أهم هذه الشبهات ما يلي:
1. سيطرة أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في الأسواق المالية إلى درجة الاحتكار وتوجيه دفة المعاملات لصالحهم.
2. المعاملات الربوية مثل الاقتراض من البنوك لتمويل العمليات أو التعامل في السندات بفائدة أو الاقتراض من السماسرة بفائدة.
3. الشائعات المغرضة التي يروجها الفاسقون لإيقاع المتعاملين في أخطاء ينجم عنها خسائر فادحة.
4. المقامرات القائمة على الغرر والتدليس والكذب والغش والأوهام وهي من الميسر المحرم شرعا ً.
5. التعامل في أوراق مالية لشركات تعمل في الحرام.
سابعا: تلخيص طبيعة المعاملات في سوق الأوراق المالية
سوق الأوراق المالية ويطلق عليها البورصة تختص بإصدار وتداول الأوراق المالية مثل: الأسهم بأنواعها، والسندات بأنواعها والصكوك بأنواعها، وشهادات الإيداع والاستثمار بأنواعها، ولكن أغلب الأوراق المتعامل فيها عالمياً هي: الأسهم والسندات.
ولقد أجاز الفقهاء التعامل في الأسهم إذا كانت الشركة المصدرة لها تعمل في مجال الحلال، أما السندات فهي تقدّم على القرض بفائدة والفائدة ربا محرم.
ومن أهم مقاصد سوق الأوراق المالية تهيئة عرض وطلب الأوراق المالية لإنجاز عمليات الإصدار والشراء والبيع والوساطة وفق ضوابط معينة لتجنب الاحتكار والغرر والتدليس والمقامرة ولتحقيق انسياب الأموال لتمويل المشروعات لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهذا مشروع إذا كان يتم وفق الضوابط الشرعية للمعاملات في الأسواق، ومن أهم المعاملات التي تتم في سوق الأوراق المالية ما يلي:
(أ) العمليات الناجزة: أو العاجلة على الأوراق المالية التي تصدرها الشركات والمنشآت والهيئات والحكومات (بيع وشراء نقداً) وهذه جائزة بشرط أن يكون نشاط تلك الجهات المصدرة لها حلالاً وأن لا يكون العائد على الورقة في صورة فائدة ثابتة كما هو الحال في السندات.
(ب) العمليات الآجلة على الأوراق المالية ومنها على سبيل المثال:
(1) الشراء الجزئي: ومؤداه أن يدفع المشتري جزءاً من الثمن، ويعقد عقد قرض ببقية الثمن من السمسار، فهما عقدان في آن واحد: عقد شراء وعقد قرض، وهذا غير جائز شرعاً لأن رسول الله صلى الله علية وسلم نهى عن اشتراط بيع وسلف.
(2) البيع على المكشوف: ومؤداه أن يتم على الورقة المالية عدة بيوعات وهي في ذمة صاحبها الأول دون أن يحوذها المشترون – فهذه بيوع وهمية ورقية بهدف الاستفادة من فروق الأسعار، وهذا من المقامرة التي نهي الشرع عنها حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع ما ليس عندك.
(3) عقود الاختيارات: ومؤداها أن تتم عمليات شراء أو بيع على ورقة مالية معينة في تاريخ لاحق بسعر معين يحدد وقت التعاقد، وهي غير جائزة لأنها تقوم على المقامرة، حيث ينتظر البائع أو المشتري حظه من تقلبات الأسعار، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربون، وبيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين).
(4) عقود المستقبليات: ومؤداها أن يتم التعاقد على بيع وشراء ورقة معينة على أن يتم التنفيذ في تاريخ لاحق، بدون دفع ثمن أو تسليم البيع، وهذه البيوع غير جائزة لأنها تقوم على بيع ما لا يملك وبيع الكالئ بالكالئ.
المراجع
(1)- الفتاوى الصادرة عن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة عن ندوة الأسواق المالية الأولى سنة 1410هـ / والثانية 1412هـ.
(2)- ”الأسواق المالية في ميزان الفقه الإسلامي” د/ علي محي الدين القرة داغي، منشور في مجلة الاقتصاد الإسلامي، الأعداد 129–136.
(3)- كتاب سوق الأوراق المالية في ميزان الفقه، د/ عطية فياض.
(4)- كتاب الالتزام بالضوابط الشرعية في المعاملات المالية، د/ حسين شحاتة.
(5)- كتاب الضوابط الشرعية للتعامل في سوق الأوراق المالية، د/ حسين شحاتة.
(6)- كتاب تطهير الأرزاق في ضوء الشريعة الإسلامية، د/ حسين شحاتة.
أحدث التعليقات