المصارف الإسلامية وتصدير الثروة
بقلم : أ. لاحم الناصر
كان السبب في وجود المصارف الإسلامية حاجة المجتمعات المسلمة لمؤسسات مالية تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، تسعى لتحقيق مقاصد الشرع الكبرى في المال، من حيث إنه أداة لعمارة الأرض وتحقيق نهضة الأمة الحضارية وتوفير الحياة الكريمة لأبنائها، وهذا لا يتأتى إلا بوجود المال، لأنه هو الطاقة المولِّدة لكل نهضة.
وقد كان المال موجودا، لكنه كان متفرقا في أيدي الناس، لأنهم لا يرغبون في إيداعه أو استثماره مع المصارف التقليدية؛ فجل معاملاتها ربوية، وهذا العزوف عن الإيداع في المصارف الربوية أو الاستثمار بها، بسبب تحرّج جل أفراد المجتمع من التعامل معها، حرم المجتمع الاستفادة من هذه الأموال لتلبية احتياجاته التنموية والارتقاء بالمستوى المعيشي لأفراده.
لذا كان لا بد من إيجاد قناة لنقل الأموال بعد تجميعها من جانب الفائض إلى جانب العجز في المجتمع، وهذه القناة هي المصارف الإسلامية، إلا أن هذه القناة في واقع الأمر لم تقم بالدور المنوط بها، وهو نقل الأموال داخل المجتمع من جهة الفائض لجهة العجز بهدف تنميته وتحقيق استقلاله، بل كانت قناة لتصدير الثروة خارج المجتمع، حيث نجد أن المصارف الإسلامية اليوم، وأخص بالذكر المصارف الاستثمارية، جل استثماراتها خارج مجتمعاتها.
ولو كانت هذه الاستثمارات في قطاعات غير موجودة في مجتمعاتها، أو تسعى لتحقيق أهداف عليا، مثل الاستثمار في شركات الطاقة أو الحاسوب أو البحث والتطوير، بمعنى أنها استثمارات نوعية تعود على المجتمع بفائدة، لأمكن لنا أن نجد لها العذر في ذلك.
ولكن الناظر في هذه الاستثمارات يجدها استثمارات تقليدية بحتة، لا تعود على المجتمع بأي فائدة، بل الهدف منها لا يعدو أن يكون تحقيق ربح عاجل أو نوع من التباهي، فهي مثلا تستثمر في العقارات البريطانية والأميركية بنوعيها التجاري والسكني، مما جعل الكثير منها يمنى بخسائر فادحة بعد وقوع أزمة الرهن العقاري في أميركا، أو تستثمر في أسواق الأسهم الأميركية والأوروبية، أو تستثمر في بعض العلامات التجارية المعروفة التي كانت على وشك الإفلاس، لولا أموال هذه الصناعة التي ضُخت في شرايينها.
وقد كنت أظن، وبعض الظن أثم، أن المصارف الإسلامية ستراجع استراتيجيتها هذه، بعدما منيت به من خسائر نتيجة الأزمة المالية العالمية، وذلك بالعودة للاستثمار في دولها ومجتمعاتها، وهي البيئة الاستثمارية الأكثر أمنا، حيث إن اقتصاداتها كانت الأقل تضررا على مستوى العالم بالأزمة المالية العالمية، إلا أن ظني لم يكن في محله، بل إن الأمر أتى عكس ما كنت أتوقع، حيث قلصت هذه المصارف استثماراتها في دولها ومجتمعاتها، خصوصا في الجانب العقاري الذي يعاني اليوم في أكثر من دولة خليجية من أزمة سيولة، مع أنه يشكل وزنا مهما في الاقتصاد المحلي؛ حيث يعتبر القطاع الثاني بعد النفط من حيث حجم مساهمته في الناتج المحلي، في حين قابل هذا التقليص في الاستثمار محليا عودة للاستثمار في السوق العقارية البريطانية والأميركية، مع أنه لم يتعاف من الأزمة حتى الآن، حيث ما زال يعاني من عزوف المستثمرين المحليين عنه، وقد أدت هذه العودة للأموال الخليجية، خصوصا للسوق العقارية البريطانية، لعودة الانتعاش لهذه السوق، وهنا لا أتورع عن وصف المصارف الإسلامية التي توظف أموالها بهذا الشكل بأنها حصالات غربية، وليست مصارف إسلامية.
أما توفير الوظائف لمجتمعاتها، وهو إحدى أهم رسائلها في السابق، فقد أصبح من الماضي، نسيا منسيا، حيث أضحت الكثير من المصارف الإسلامية تبز الكثير من المصارف التقليدية بقلة عدد موظفيها من المواطنين وتدني وظائفهم، بل إنها لم تكتف بذلك، فزادت عليها بطردهم من وظائفهم، مما تسبب في تشريد عائلات بأكملها، وزيادة البطالة في المجتمع، كل ذلك بدعوى تقليص النفقات، في حين نجدها تعج بالموظفين الأجانب من ذوي المزايا والرواتب العالية.
لقد انقلبت الصيرفة الإسلامية على الكثير من مبادئها التي قامت من أجلها، ففقدت شخصيتها وهويتها المميزة، وبفقدها خسرت ثقة مجتمعاتها بها.
أحدث التعليقات