تمويل الإسكان: منتج المشاركة المتناقصة
بقلم : د. يوسف عبدالله الزامل
تعاني المملكة العربية السعودية من مشكلات تنموية تعوق تحقيق معدلات نمو متوازنة دائمة ومستقلة.
ويتمحور جوهر هذه المشكلات حول نقص التخطيط الاستراتيجي على مستوى الدولة والمؤسسات والأفراد، وينتج من ذلك تزاحم واختناقات وهبوط حاد في مستوى الجودة على كافة الأصعدة المتعلقة بالاقتصاد والمجتمع سواءً كانت في القطاع التعليمي أو القطاع العقاري أو القطاع الصحي أو القطاع المروري والمواصلات أو قطاع الخدمات العامة أو حتى القطاع الثقافي والديني.. وهذه الاختناقات تزداد حدتها وسرعتها مع مرور الزمن مع التجاهل أو التهميش لأدوارها وآثارها أو حتى الاكتفاء بمعالجة مظاهرها أو أحد جوانبها، وهذا قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في الأجل الطويل من التذبذب أو عدم الاستقرار أو التخلف عن مسيرة الركب والحضارة الإنسانية.
كانت هذه مقدمة عريضة ندخل بها إلى مشكلة قطاع الإسكان واستثمار ظاهرة نقص تملك الإسكان وعدم وجود ما يلوح في الأفق من خطة شاملة وعاجلة وجوهرية، على الرغم من الطرح الغريب لبعض الأنظمة الجزئية مثل نظامي الرهن والتثمين العقاري التي طال انتظارها حتى بدأ الحديث عن محدودية أدوارها وآثارها.
ولنحدد أبعاد مشكلة أو ظاهرة تفاقم نقص الإسكان في أنها تدور حول كيفية تمويل الأرض ومن ثم البناء عليها، أو كيفية تمويل شراء سكن جاهز. وهذه المشكلة التمويلية تعود إلى جذرين أساسيين الأول منهما كفاية دخل المواطن لاقتطاع جزء منه لتمويل الإسكان، والثاني منها هو كيفية ضمان تحصيل الجزء من قسط التمويل إن لم يكن المواطن صاحب دخل ثابت أو راتب ثابت من جهة حكومية أو شبه حكومية.
فأما حلول جذر الأول: وهو انخفاض دخل المواطن فإن أحد هذه الحلول هو توسيع دائرة خدمات صندوق التنمية العقارية لتشمل تغطية نشاط التمويل للمسكن لذوي الدخول المحدودة الذين يثبت عدم ملكيتهم مسكنا لائقا ومناسبا.
والحل الآخر أو المكمل لهذا الدور هو أن يعطى الموظف نسبة معينة زيادة في دخله، شريطة أن تدفع أو تستقطع لشركة إسكان، أو صكوك تمويل مساكن.
والحل الثالث أو المكمل لهذا الجذر هو إنشاء ما يطلق عليه في الدوائر المالية الغربية الجمعيات أو الصناديق التعاونية وتخصص لموضوع الإسكان، ويمكن أن تكون مصادر تمويل هذه الجمعيات اشتراكات الأعضاء ومنح مالية من الحكومة والشركات الخاصة والتبرعات والرعايات وغيرها.
ويمكن أن يكون هناك جمعيات وصناديق عقارية متعددة لمختلف القطاعات أو الشركات أو المؤسسات العامة والخاصة، وتقوم هذه الصناديق والجمعيات بوضع الشروط للعضوية ومبلغ الاشتراك الشهري وشروط الاستفادة من برامج تمويل الإسكان التعاونية.
والحل الرابع المكمل لجذر نقص الدخل هو تقديم المنح من الأراضي السكنية المناسبة المتوافرة الخدمات لذوي الدخل المحدود من المواطنين، شريطة ألا يمتلك هذا المواطن سكناً مناسباً، وشريطة ألا تتم إعادة بيعها بل يثبت في صك ملكيتها الإذن فقط لإمكانية رهنها لشركة بناء أو تطوير عقاري لغرض ضمان حقوقهم.
ولننتقل الآن في محور التحليل لمشكلة الإسكان إلى الجذر الآخر من المشكلة وهو نقص المقدرة على تحصيل أقساط التمويل من المواطنين من غير ذوي الرواتب الثابتة من مؤسسات مضمونة أو مقبولة. ولهذا الجذر من المشكلة حلول متعددة، نذكر منها حل الرهن العقاري للأرض والمبني عليه، وهو ما اشتهر به نظام الرهن العقاري المتوقع إعلانه قريباً جداً، وحل آخر وهو تملك شركة التطوير أو بناء المساكن الأرض وما عليها وتقدم إيجارا منتهيا بالتمليك، والحل الثالث وهو ما عنونا به هذه المقالة استخدام نموذج المشاركة المتناقصة، ويقصد بذلك أن تدخل شركة بناء المساكن في ملكية كاملة للأرض وما يتم البناء عليها أو أن تكون في الأصل هي المالكة لذلك وتدخل مع المواطن في مشاركة وإيجار متناقصة، بمعنى أن المواطن يبتدئ بدفع الإيجار بالكامل للمسكن ثم يزيد من قسطه ليغطي الإيجار مع جزء من سهم المالك فتزداد ملكيته وينقص إيجاره مع الزمن، وكلما زاد قسط سهم المالك، انخفض الإيجار حتى ينتهي للمواطن بملكية كاملة لبيته دون دفع إيجار أو قسط من أسهم التمليك.
وابرز مشكلة تظهر في هذا المجال هي كيف يمكن إلزام المواطن في حالة تخلفه عن سداد الإيجار أو أقساط التمليك بإخلاء المبنى، وكذلك كيف يمكن تفعيل الأنظمة القضائية والسلطات التنفيذية للتعامل مع الرهن العقاري وإخلاء المباني غير المستوفاة دفعاتها وبيعها بتطبيق نظام الرهن للمتخلف عن السداد، وكيفية معالجة أوضاع مختلف شرائح المواطنين المتخلفين عن السداد والمخلين لمساكنهم وتعويض العاجز منهم بمساكن بديلة مناسبة؟
وفي هذا السبيل فإن هناك عدة سياسات يمكن أن تحول إلى لوائح تعالج معظم أبعاد مشكلات هذه الظاهرة من تأخير أو تعثر في السداد. فمن ذلك أن المواطن في حالة تخلفه عن سداد قسط الإيجار أن سهم تملك الشركة المتناقصة يمكن أن يتحمل عبء تزايد مشاركة الشركة المالكة والمطورة للمسكن، وبالتالي تأخر ملكيته الكاملة، ومن هذه السياسات التعميم بتقييد تصرفاته المالية من حيث الشراء والبيع أو إبرام العقود المالية البنكية. ومن ذلك يحول السداد إلى الصناديق والمؤسسات الخيرية والعقارية التي تقدم مساعدة جزئية أو كاملة بالنيابة عنه بعد دراسة حالته الأسرية والاجتماعية والمالية. ومن ذلك أن تتفق شركات البناء وتطوير المساكن مع شركات إدارة أملاك وتحصيل متخصصة لتنظيم سداد نشاط وإيجارات ممتلكاتها.
والتوصيات بعد هذه المقالة للمسؤولين في جهات اتخاذ القرارات أن تتم دراسة شاملة ومستفيضة لإيجاد هيكل مالي وإسكاني متطور وعاجل لمواجهة ومجابهة مشكلة الإسكان المتفاقمة قبل أن تحصل أزمة كبرى لا تحمد عواقبها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية.
أحدث التعليقات