فضيلة الادخار في الإسلام
هايل عبد المولى طشطوش
الادخار ظاهرة قديمة قدم إدراك الإنسان وهي تعني الاحتفاظ بالشيء في وقت الرخاء لوقت الشدة، وقد ضرب الله لنا مثلاً في كيفية تنظيم موارد البلاد والاستعانة بالرخاء على الشدة على لسان نبيه يوسف ، قال تعالى: {قال تزرعون سبع سنين دأبًا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون} يوسف: 47 ، وهي من الفضائل والسلوكيات الحميدة التي يعلمنا إياها ديننا الحنيف ، وهاهي مجتمعاتنا الإسلامية اليوم بأمس الحاجة إلى تفعيل وتوظيف وتطبيق هذه الفضيلة على ارض الواقع لان كثير من المسلمين اليوم بأمس الحاجة إلى اقل القليل والسبب في ذلك هو ترك هذه الفضيلة وإهمالها والنزوع نحو البذخ وعدم الحرص على توظيف أموالهم كادخارات في المصارف الإسلامية تعمل على سد حاجات المجتمعات الفقيرة على شكل مشاريع استثمارية وقروض استهلاكية حسنه تسد حاجه المعوزين والفقراء .
ومن المفيد تعريف المفهوم تعريفا لغويا واصطلاحيا ، فالادخار لغةً : من ادخر الشيء: جمعه وحفظه . ويقال: فلان لا يدخر عنك وسعا: أي: يبذل كل ما يستطيع . والادخار اصطلاحا :”هو الاحتفاظ بجزء من الكسب لوقت الحاجة إليه في المستقبل” .
ولهذه الفضيلة اصل واضح جلي في شريعتنا الغراء حيث ورد عن نبينا الكريم قوله : “بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان. فقال له: يا عبد لله، ما اسمك؟ قال: فلان – بالاسم الذي سمع في السحابة – فقال له: يا عبد الله، لم تسألني ما اسمي؟ قال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هنا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان، لاسمك. فماذا تصنع؟ قال: أما إذا قلت هذا، فإني أطرح ما خرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها ثلثه”.
وكذلك قال رسول الله علية الصلاة والسلام : “رحم الله امرأ اكتسب طيبًا، وأنفق قصدًا، وقدم فضلا ليوم فقره وحاجته”.
وحينما استنصح عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله علية السلام فقال: يا رسول الله، إني أريد أن أتصدق بمالي بشمخ، قال علية السلام : “احبس أصلها وسبل ثمرتها”.
وهنا يجب على المرء أن يفرق بين فضيلة الادخار التي حبب إليها الإسلام ورغب بها وبين الاكتناز هذه الصفة المذمومة حيث أن الادخار وسيلة من وسائل سد الحاجة للفرد والأسرة والمجتمع وكذلك وسيلة لتوفير السيولة المطلوبة للمصارف إضافة إلى أنها احتياط نقدي لمواجهه الطوارئ المصرفية والأزمات المالية ، بينما الاكتناز هو إخراج للنقود من دائرة الفعل الاقتصادي وحرمان المجتمع منها وتعطيلها على المساهمة في إنعاش وتحريك عجلة الاقتصاد ، قال تعالى :” والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنـزون”. [التوبة: 34-35 ، وهذا الوعيد مردة إلى الاكتناز ناجم عن البخل وعن حرمان العباد المستحقين من الحقوق المفروضة على المال كالزكاة والصدقة وغيرها إضافة الى حرمان المصارف من السيولة اللازمة لمتابعه الأعمال وتقديم الخدمات الاستثمارية والاستهلاكية الضروريه لحياة المجتمع .
وتقع مسؤولية الاهتمام بموضوع الادخار على عاتق الأسرة والدولة معا حيث يفترض تعليم الأولاد منذ الصغر أهمية الادخار وقيمته من خلال توفير حصالة صغيرة للطفل يضع فيها ما يزيد عن حاجته من مصروفه الشخصي يستعملها عندما يحتاج اليها وفق حاجات ضرورية او هامة تبينها له الأسرة ومن هذا المستوى نستطيع القياس حتى نصل إلى مستوى ميزانية وثروات الدولة والأمة بشكل عام .
هذا وقد وضع الإسلام ضوابط للادخار ولم يترك الأمر عبثا كحال الشرعية في كل تفاصيلها ودقائقها ومن هذه الضوابط :
– ألا يؤدي الادخار إلى احتكار للسلعة، مما يغليها على الآخرين فيتضررون به.
– أن لا تكون السلعة من نوع يحتاج إليه الناس، فلا يجوز ادخارها في هذه الحال.
– أن لا يؤدي الادخار إلى ضعف القناعه بان الرزق من عند الله وبالتالي الخوف على رزق غد والخشية من فوات الرزق ، فهذا يضر بعقيدة المسلم، وقد جاء في الحديث (يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى” رواه مسلم.
– ألا يؤدي الحرص على الادخار إلى البخل والشح على من تجب عليه نفقتهم، والامتناع عن الانفاق واخراج ما هو مستحق على المال من حقوق ، قال (: (كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته) مسلم.
ويعتبر الادخار واحدا من أهم وسائل تحسين المعيشة وزيادة الثروة وفيه محاكاة لفطرة الإنسان وحبة للمال ورغبته في الاحتفاظ به ولكنها وسيلة مباحه منضبطة وفق ما أراد الله دون بخل او تقتير حيث يقول عز وجل-: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا [الفرقان: 67. وكذلك فان الادخار فضيلة تساهم في بث الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب لدى المدخر وكذلك تنمي عنده الرغبة في المشاركة الاقتصادية وتحبب إليه المساهمة في بناء اقتصاده الخاص واقتصاد بلاده ، وتجعله يشعر بقيمة نفسه وبأهميته كشخص فاعل في المجتمع ، لذا يجب الحرص على تنميتها لدى الأفراد وتوفير السبل المناسبة لهم لممارستها كتوفير الأوعية الادخارية المناسبة لهم من قبل المصارف إضافة إلى فتح النوافذ والفروع القريبة من مناطق سكناهم والوصول إليهم في مواقعهم ، وتعتبر المدخرات من أهم سبل التنمية في الاقتصاديات المختلفة وقد أدركت أهميتها الشعوب والأمم وطبقتها على ارض ، ونحن كمسلمين مأمورين بها فنحن أولى بتطبيق هذه الفضيلة من غيرنا لأنها توجيه الشارع الحكيم الذي يعلم خير الإنسان ومصلحته في كل ما يأمره به من أوامر أو نواهي .
أحدث التعليقات