الأزمة المالية العالمية – فهمي هويدي
لأننا اعتدنا علي أن سماع مصطلح «كله تمام» في كل أزمة نواجهها، كأن بلادنا محصنة ضد الأذي والضرر، فقد بات القلق يساورنا حين نسمع الكلمتين، وهو ذات القلق الذي يكاد يطل برأسه الآن لكثرة التصريحات التي تتحدث كل صباح عن أن أوضاعنا المالية مستقرة، وحالة البنوك «زي الفل» واقتصادنا في قوة الحديد، الأمر الذي يعني أن الزلازل والأعاصير التي تضرب أسواق العالم وبورصاته تحدث في كوكب آخر لا علاقة لنا به.
ولا يحتاج المرء لأن يكون ضليعاً في الاقتصاد لكي يتشكك في صدق ذلك الكلام، حيث لا يتصور عاقل أن نظل نهتف باسم العولمة والسماوات المفتوحة طوال عقدين من الزمان، ثم حين تحل بالعالم نازلة من أي نوع، نحاول إقناع الناس بأنه لا علاقة لنا بذلك العالم، وأن سفينتنا ـ حماها الله ـ نجت من الطوفان، بفضل القيادة الحكيمة والسياسة الرشيدة بطبيعة الحال.
ولا أعرف لماذا نصر علي افتراض الغباء والبلاهة في الناس، بحيث يظل شاغلنا هو كيف نضللهم ونوهمهم بأن «كله تمام»، في حين أنهم يشاهدون بأعينهم ويسمعون بآذانهم أصداء الانهيارات تتردد في عواصم العالم وفضاءاته المختلفة، بل إنهم يرون بأعينهم ما حل بالبورصات العربية والبورصة المصرية من سقوط وتدهور لم تعرفه من قبل، لا أريد أن أقول إن ثمة كارثة حلت بنا يتكتم أولو الأمر أخبارها، لكن فقط أتمني أن يخرج علينا مسئول شجاع ليقول صراحة إن أوضاعنا مستقرة في نواحٍ معينة، ومقلقة في نواحٍ أخري، وجيدة في مجالات ثالثة، إن شئت فقل إننا لا ينبغي أن نهون من شأن ما يجري، كما لا ينبغي أن نهول منه.
لقد حاولت أن أتعرف علي الصورة الحقيقية لواقع الاقتصاد المصري خلال مناقشات أجريتها مع بعض الخبراء، الذين أثاروا ثلاث نقاط مهمة، وهي:
> أنه لا قلق علي وضع الجهاز المصرفي، ففلوس الناس وودائعهم في أمان، بما في ذلك ودائع البنوك بالنقد الأجنبي خارج مصر، أولا لمحدودية نسبتها وثانياً لأنها مصانة بضوابط حازمة، توفر لها درجة عالية من الحماية، أما الحسابات والودائع الموجودة بالعملة المصرية في جميع البنوك فهي لن تتأثر بما يجري في الخارج.
> إن الذي سيتأثر في مصر حقاً هو الوضع الاقتصادي بشكل عام، إذ من الطبيعي أن تتأثر السياحة، ودخل قناة السويس، والاستثمارات الأجنبية، كما أن الأجانب الذين يتعاملون مع البورصة سوف يتركونها، وفي هذه الحالة «سيرتفع سعر الدولار لأنهم سيقبلون علي شرائه لتحويل أموالهم إلي الخارج»، ومع الانخفاض المستمر في أسعار النفط فإن ذلك سوف يؤثر في دخول الدول النفطية واستثماراتها، الأمر الذي لابد أن يكون له أثره السلبي علي فرص العمالة المصرية في تلك الدول، وهذا التأثير المتوقع في الاقتصاد المصري لابد أن ينعكس بدرجة أو أخري علي مشروعات التنمية، وللعلم فإن التقديرات العالمية تشير إلي أن النمو في العالم الغربي خلال العام القادم سيكون عند درجة الصفر بسبب الأزمة الراهنة، في حين أن نسبته الآن تعادل 5% في المتوسط، وهذا الوضع المستجد سيكون له صداه عندنا.
> إن ما يحدث الآن ينبغي أن يستقبل باعتباره جرس إنذار يؤكد أهمية رد الاعتبار لقضية الإنتاج في استراتيجية الاقتصاد المصري، لأن قوة الإنتاج والعمل الدؤوب لزيادة معدلاته ستظل العاصم الحقيقي للبلد في مواجهة الهزات والزلازل السياسية، وللأسف فإن السياسة الاقتصادية المتبعة لا تولي قضية الإنتاج الأهمية التي تستحقها، وتعتمد في التمويل علي مصادر أخري مثل الاقتراض وبيع الأصول والاستثمار الأجنبي الذي ثبت أن أغلبه يتجه إلي المضاربة ولا يضع الإنتاج ضمن أولوياته.
إن الحقيقة لا تحترم عقول الناس فحسب، ولكنها تظل أقصر الطرق لكسب ثقتهم وطمأنتهم وهذه المعادلة تنطبق علي الاقتصاد بقدر انطباقها علي السياسة التي هي بيت الداء.
المصدر: الدستور
أحدث التعليقات