أزمة أمريكا الاقتصادية.. وسياستها الاستعمارية
محمد هزاع
الاقتصاد الأمريكي بِرُمَّتِه في خطر.. هكذا اعترف مُؤَخَّرًا الرئيس الأمريكي، مُحَذِّرًا من احتمال تَعَرُّضِ قطاعات مالية رئيسية للانهيار. وربما دخول البلاد في حالة ركودٍ، وصفه بأنه مؤلم، وطالب جميع الحلفاء والأصدقاء داخليًّا وخارجيًّا بسرعة مَدِّ يَدِ العون لأمريكا حتى تستطيع الخروج من ورطتها!!
الغريب أن يكون الحلفاء والأصدقاء العرب هم الأسرع في الاستجابة لنداء “بوش”؛ حيث أشارت بعض المصادر العربية والأمريكية إلى أن بعض الدول العربية الإسلامية أبدت استعدادها لضخ نحو 1000 مليار دولار…!! -نعم.. ألف مليار- لمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية عللا الخروج من ورطتها، رغم أن عددًا لا بأس به، يُقَدَّرُ بالملايين من العرب والمسلمين، يموت جوعًا وعطشًا، ولا يجد ولو واحدًا على الألف من هذا السخاء “الحاتمي”، مهما قيل عن وجود روابط اقتصادية، ومصالح مالية، تدفع هذه الدول للتصرف بهذا الشكل “المستفز”، وخاصة إذا ما كان الأمريكان أنفسهم يحملون إدارة بوش المسئولية بسبب الحروب التي خاضتها، وكان للدول العربية النصيب الأوفر منها. في العراق مباشرة، ثم في لبنان، وفلسطين، والصومال، والسودان بالوكالة!!
والأغرب أن الإدارة الأمريكية ذاتها لا تزال تُصِرُّ على مواصلة تلك الحروب، وترفض رفضًا باتًا مجرد الحديث عن سقفٍ زمني لانتهائها. فهل معني ذلك ببساطة شديدة: أن بعض العرب والمسلمين مستعدون لتمويل الحرب ضد العرب والمسلمين إلى ما لانهاية؟!
ومع أن ما أشرنا إليه بخصوص الكرم العربي تجاه أمريكا يحتاج إلى وقفةٍ، خاصة إذا ما تزامن مع ممارسة واشنطن لسياسات عدائية إلى أقصى حد ضد العرب والمسلمين. فلنترك المزيد من الحديث عن هذه الجزئية لنسأل: كم قدمت إسرائيل لأمريكا في محنتها، ولو على سبيل المساعدة الرمزية؟!
الإجابة هي: لا شيء!! والسبب أن إسرائيل تأخذ فقط.. وأما العرب والمسلمون فيدفعون فقط، حتى لو كان ما يدفعونه يُسْتَخْدَمُ في الحرب ضد مصالحهم!!
والمؤكد أن هذا التصرف ربما يدخل في نطاق المرض النفسي، ولا يشفع فيه القول بأن ذلك التصرف يصدر من البعض ضد البعض الآخر، وليس من الكل ضد أنفسهم!!
الجدير بالذكر أن ما يجري للاقتصاد الأمريكي الآن ليس منفصلًا عما يجري في بقية القطاعات الأخرى، بل هو استمرار له؛ حيث تأكد حتى لدي الأمريكان أنفسهم أن هذه الإدارة حققت فشلًا ذريعًا في معظم القطاعات، إن لم يكن كلها، نتيجةً لفشل الاستراتيجيات والسياسات العليا نفسها.
فعلى المستوي النظري كان الظن أن إشعال حروب ما في مناطق مختلفة من العالم قد يضمن لشركات تصنيع السلاح رواجًا، ما يحقق لها أرباحا خيالية، فضلًا عن إخراجها من حالة الركود التي أصابتها بدرجة نسبية بعد انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات، ولكن هذا لم يحدث؛ حيث أثَّرَتْ هذه الحروب على مجمل الحالة الاقتصادية لأمريكا، وهو الأمر الذي عاد ليؤثر سلبًا على شركات تصنيع السلاح.
وعلى المستوي النظري أيضًا كان المفترض أن يكون الاستيلاء على نفط العراق بمثابة فتح جديد لشركات البترول الأمريكية، ولكن الذي حدث أن عملية الاستيلاء على هذا الكنز -وقد فشلت على أية حال بدرجة أو أخرى- كلَّفَت أمريكا أكثر مما جنت، على الأقل حتى الآن.
ولاشك أن اشتعال حروب كثيرة لتشغيل شركات ما، كشركات السلاح والبترول، أثَّرَ بالسلب على شركات أخرى، كشركات المقاولات وما يتصل بها؛ حيث فشلت خطة أمريكا التي يمكن تلخيصها في عبارة: “اهدم هذه الدولة، ثم أعد بناءها لتشغيل شركاتك، وكله على حسابها.. أي الدولة المقصودة”! وذلك لأنها نجحت في الهدم، ولكنها حتى الآن لم تجني ثمار البناء الذي لم يتم.
ولاشك أن سياسات أمريكا الخارجية وضعتْ في البداية استجابةً لمطالب السياسة الداخلية ولكن الذي حدث أنّ فَشَلَ هذه السياسات الخارجية عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا أثَّر بصورة سلبية جدًّا على السياسات الداخلية، وذلك بسبب رعونة إدارة بوش التي ستذهب غير مأسوف عليها إلى مزبلة التاريخ، وربما يكون فيما ارتكبته من أخطاء دروسٌ للإدارة الجديدة.. وسنري!!
المصدر: http://www.isegs.com/forum/showthread.php?t=2562&page=2
أحدث التعليقات