الأزمة المالية أزمة الأغنياء أم الفقراء؟ – عبد المحسن بن إبراهيم البدر

الأزمة المالية أزمة الأغنياء أم الفقراء؟

عبد المحسن بن إبراهيم البدر
نقلا عن الاقتصادية
9/6/1430
منذ بداية الأزمة المالية العالمية قبل عامين ووصولها إلى قمتها خلال الـ 12 شهرا الماضية, ظل الحديث مركزا على سقوط إمبراطوريات الثراء العالمية ما بين شركات أسطورية وبنوك عالمية, واستمر الحديث عن تأثير سقوط تلك الإمبراطوريات في أداء الاقتصاد الكلي للدول صاحبة المنشأ. وبعد زيادة الضغط الاقتصادي لتلك الأزمة بدأ الحديث عن الإدارات التنفيذية لكبرى الشركات العالمية وما يناله كبار التنفيذيين من عوائد مالية سنوية تمثل سنة واحدة من تلك العوائد ما يعادل دخلا سنويا لعائلات بأكملها.
ومن باب الاستشهاد أتذكر لقاء للصديق الأستاذ نبيل المبارك مدير شركة سمة الائتمانية, حيث ذكر أن قيمة قروض الأفراد في المملكة تبلغ 257 مليار ريال تمثل 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي, 16 في المائة رقم صغير نظريا, لكنه من الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط, لكن ما أذهلني هو أن عدد المقترضين يصل إلى مليوني مقترض، واستناداً إلى مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات فإن عدد سكان السعودية من السعوديين يبلغ 17.49 مليون نسمة، ونسبة السكان في عمر العمل (15 إلى 65) تمثل نحو 65 في المائة, أي ما يعادل 11.3 مليون, وإذا أخذنا نسبة البطالة (في مرحلة الطفرة الاقتصادية) على أساس 10 في المائة فإن العدد يقل ليصل إلى 10.2 مليون نسمة, سأترك لكم حساب عدد السكان ما بين 15 إلى 22 سنة وهو ما يمثل غالبيته طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية الذين لا يملكون مقومات الإقراض ولا العمل. هذا تصور سكاني لأقل دول العالم تضرراً من الأزمة!
هذا الاستشهاد يصل بنا إلى خاتمة أن نسبة قليلة جدا جدا تملك وتدير كبرى الشركات, ونسبة كبيرة جداً جدا تعمل لمصلحة هؤلاء الأباطرة, ولذلك فإن كان هناك تأثير في أرصدة الأباطرة من الأزمة المالية لتناقصها ملياراً أو اثنين فإن التأثير الأكبر يأتي في الكادحين في قوتهم اليومي, وهو أساس هذا الطرح .. من هم المتضررون فعلاً من الأزمة المالية العالمية؟
عندما تداعى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى اجتماع في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي لوكالة الأمم المتحدة بحضور كبار مساعديه ورؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وكان محور هذا الاجتماع الأزمة المالية التي هزت العالم والتي قد تكون حسب بان كي مون الضربة الأخيرة التي لا يستطيع أن ينجو منها كثير من أفقر فقراء العالم, ومع أن الأزمة المالية تعطي انطباعاً بأنها أزمة أغنياء، وليست أزمة فقراء، إلا أن قلق بان كي مون كان في محله، فبنظرة سريعة إلى تسلسل الأحداث في أي أزمة مالية, فإن الشركات تحاول قدر المستطاع المحافظة على أرباح حملة الأسهم أو ملاكها بالمعنى الصحيح, لذلك فإنه عند حدوث الأزمة تتأثر العمليات التجارية للشركات وبالتالي تحاول التقليل من مصروفاتها التشغيلية قدر المستطاع. فمن ناحية تبدأ بتخفيض مصروفات قطاعات معينة في الشركة, وهذا التقليل يقلل من العمليات التجارية في موردي تلك الخدمة للشركة ما يعني انخفاضا في مبيعات الشركة الأقل, وبالتالي ارتفاع التكلفة التشغيلية وانخفاض الأرباح. وفي كلتا الشركتين تبدأ عملية تسريح الفقراء الكادحين لتنتهي القصة بانخفاض بسيط في دخل الأغنياء وانعدام الدخل للفقراء.. من المتضرر فعلا من الأزمة المالية؟
العالم، إذاً، يعيش الآن مرحلة تسريح الموظفين, ونتائج ذلك التسريح تزايد في المشكلات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والأمنية والسياسية. ونحن في المملكة حبانا الله بنعمة الاقتصاد القوي الذي ما زال يتفاخر بخروجه من الأزمة بأقل الخسائر, ولكن يجب ألا يمر الموضوع دون التنبه لما قد تحدثه التغيرات الاقتصادية خلال الأشهر القادمة, حتى وإن كان التفاؤل ببداية تعافي الاقتصاد العالمي خلال العام القادم هو السائد.

المصدر: http://www.aleqt.com/2009/06/02/article_235394.html