صانع الأزمة يضع الحلول – فوزية ياسمينة

صانع الأزمة يضع الحلول

بقلم فوزية ياسمينة
في يوم الأحد, 15 مارس 2009
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

تناولت العديد من الدراسات والتحليلات أسباب نشؤ الأزمة، مرجعةً إياها مرةً إلى أنظمة المضاربة التي زيفت قيم الأصول، ومرةً أخرى إلى المشتقات المالية وغيرها.
أما الدكتور علي شراب الخبير الإداري الدولي ومؤسس ورئيس شركة فرسان الحياة، فيعيدها إلى أصلها. إذ يرى أن الإنسان بسلوكه الذي خلا من القيم الأخلاقية هو من صنع كل الأزمات منذ البدء بما فيها أزمة العالم اليوم وهو وحده القادر على إبداع الحلول لها.

«لم تخذل الأخلاق أحداً في يومٍ من الأيام وعلى مر كل العصور البشرية» هكذا يقول الدكتور علي شراب. ويضيف في تاريخ البشر ما يكفي من الأمثلة الدالة على ذلك.
بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية في الغرب، أي حيث توجد كل تلك الكفاءات والعلوم و النظريات والوسائل والتطبيقات المتقدمة جداً، وحيث تنفق مئات المليارات لتطبيق الأساليب الإدارية الأنجح على كافة مستويات العمل.

لماذا إذاً نشأت الأزمة؟ بالنسبة للدكتور شراب، الجواب واضح ومحدد بعامل أساسي أنتج عوامل فرعية لا نهاية لها وهو غياب القيم الأخلاقية الذي ولد الطمع، كما أنتج منهج التجارة بالوهم (عبر المضاربة) وزيادة الأوراق المالية بأضعاف ما يوازيها من أصول وتكريس مبدأ الربح السهل بما لا يتساوى مع الجهد والفائدة المقدمة في المقابل، إضافة إلى إهمال تدريب الموارد البشرية لتكون قوة الدعم في وجه الأزمات بالنسبة للشركات.

في المبادئ الأساسية التي يقوم عليها أي عمل نحتاج للتركيز على جوانب معينة لا تزيد عن جانبين أو ثلاثة. ويفترض أن الجوانب الأخلاقية هي أساس العلاقات البشرية، لذا فهي أحد هذه الجوانب التي يفترض أن تقوم عليها الأعمال.

إلا أنه في الآونة الأخيرة كان التركيز محصوراً في الربح المادي على كل المستويات، ولم تكن القيم والمبادئ الأخلاقية للتعامل تعدو عن كونها حبر على ورق، يُختَصر حضورها في أي عمل بسطور تكتب في هويات المؤسسات ومهامها. بينما غابت السياسات التي يمكن أن تحول هذه المبادئ إلى تطبيق عملي على أرض الواقع.
يقول شراب:«من خلال خبرتي الطويلة في التعامل مع الشركات أرى أنها تواجه مشكلة كبيرة في الالتزام بالوعود، التي عادةً ما ترتبط بالظروف عوضاً عن ارتباطها بالمبدأ. والفرق كبير بين الالتزام بالوعود حسب الظروف أو الالتزام بها على أنها مبدأ حياة».

إبحار بلا بوصلة
كوننا في ممارسة الأعمال نركز على الأبعاد المادية، نفتقر للقدرة على استشعار وفهم الأبعاد الحقيقية للنواحي المعنوية في الأعمال وعن فهم ما يمكن لتطبيقها أن يحقق من فوائد على المدى البعيد. أصبحنا بهذا كمن يبحر في سفينة ولا يؤمن باتجاه البوصلة، نتعامل فقط مع الرياح حينما تهب لتشدنا في أي اتجاهٍ ذهبت دون العودة إلى الاتجاه الذي تشير إليه البوصلة. والمشكلة أنه في مجال الأعمال يُنظر دائماً إلى الالتزام بالمبدأ كتكلفة مادية زائدة، دون إدراك أنه ربح غير منظور.

يطلق البعض أحكاماً تعسفية بحق الحضارات الإنسانية، ويقولون أن لكل حضارةٍ ثمن يدفعه عادةً الضعفاء، وغالباً ما يكون الثمن باهظاً وقد يصل إلى بذل الأرواح. فمن القرابين البشرية التي قدمها اللاتينيون القدماء أو الأفارقة لآلهتهم، إلى الفراعنة الذين بنوا أهراماتهم على أكوام من العبيد، إلى سور الصين العظيم، المقبرة الأطول في العالم، والذي رُفعت أساساته على أجساد من قضوا في بنائه. وهل حضارة اليوم بأبراجها التي ناطحت السماء أقل قسوة؟

ولكن الدكتور علي شراب ليس ممن يتفقون مع هذا الرأي. فانعدام القيم الإنسانية ليس هو ما تبنى عليه الحضارات وإنما ما تنتهي به. فمن يعرف عن بناء الحضارات الإنسانية وعن ماهيتها يعرف حق المعرفة أنه ما من حضارة في الدنيا إلا وقامت على مراعاة القيم الأخلاقية، كما يعلم أيضاً أنه لم تسقط حضارة إلا بعد أن ذهبت القيم الأخلاقية عنها. وتاريخ الحضارات مليء بالشواهد.

عند الحديث عن تاريخ الحضارات بنشوئها وسقوطها، لا يقصد بالكلام التاريخ القديم جداً. فأزمة اليوم دليل حي. يتفق الدكتور علي شراب مع توبي بيرش خبير الاستثمار الذي كان من أوائل من تنبئوا بالأزمة التي تحدث عنها في كتابه: «الانهيار الأخير».

فالأزمة اليوم هي أزمة قيم. يؤمن الدكتور علي بأنه خلف كل فشل سبب أخلاقي. كما يؤمن أن الطمع هو العدو المشترك للبشرية، وأن تفضيل الذات وتقديم المصلحة الفرية على المصلحة الجماعية هو السبب في انعدام العدالة وتفشي الظلم، الذي كان في الأساس السبب الرئيسي للأزمة.

ويضيف شراب على ما يقول بيرش بأن الأزمة هي أزمة ثقة في الوقت نفسه. وأزمة الثقة هذه تشكلت في الوقت الذي كان فيه قادة العالم في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بحاجة إلى ثقة من يقودون. والسبب في نقص الثقة يعود كما يرى الدكتور علي إما إلى نقص الكفاءة أو إلى نقص النزاهة.

بالرغم من أنه يرجح السبب الثاني أكثر إذ يرى أن أساس المشكلة هو انعدام الأمانة للذين تسببوا في الأزمة وأولئك الذين راقبوا من تسببوا بالأزمة. فعندما نتكلم عن صندوق النقد أو البنك الدولي ومؤسسات الرقابة المالية العالمية، نجد أنها أكثر المؤسسات تباكياً بسبب الأزمة ومع ذلك لم نشهد حتى الآن حالة محاسبة واحدة لا للمراقبين ولا للأشخاص الذين تسببوا بالأزمة بشكل حقيقي والذين كانوا أكبر المستفيدين، وليس لصغار الرؤساء التنفيذيين ممن استغلوا فترة التسيب لتحقيق مكاسب فردية. بالرغم من أن شراب يؤكد على مسئولية الرؤساء التنفيذيين إلا أنه يصر على أن من يجب أن يُسأل هو الرئيس الذي لا يوجد فوقه رئيس.

تجارة الوهم

ما يزال غالبية المؤمنين بالنظام الرأسمالي يدافعون عنه إلى اليوم. بالرغم من أن هذا النظام أثبت بوضوح أنه مُنتِج للأزمات. فيرى شراب أن قيام هذا النظام على الحرية الشبه مطلقة للأفراد يولد الطمع الفردي ويعطيه مساحة إلى أقصى حد.

وبالرغم من أنه في بعض الأحيان قد توضع أنظمة طارئة ليست من صميم النظام نفسه لتحدد قليلاً من الحرية الفردية في بعض الدول أو المنظمات أو الهيئات، إلا أنها تظل أنظمة صورية تائهة وحدودها هشة وضعت لرفع العتب فقط. كما ليس لها طبيعة الإلزام وإن وجدت هذه الطبيعة في بعض الأحيان فإنها يُستبعد عن الالتزام بتطبيقها الكثير من الأسماء الكبيرة.

ولكن بالرغم من وجود بعض المدافعين، يرى شراب أنه بشكل عام انحسرت الثقة إلى حد ما بالنظام الرأسمالي. ومن كانوا يتبنون هذا النظام يبحثون اليوم عن مخارج، لكن يبحثون عنها بكبرياء إذ ما يزالون في منطقة الصلف والمكابرة التي ستسقط مع الوقت، مع الانهيار الحقيقي القادم.

حيث يعتقد شراب أننا في الطريق نحو انهياراً أكبر بكثير من الحالي، فطالما أن النظم الرأسمالية تعمل في قطاعات أخرى غير العقارية وغير الديون البنكية على نفس الطريقة، فإن الأمور ستمضي من سيء إلى أسوأ.

ببساطة يشرح شراب بأن أساس المشكلة كان في أننا نتعامل مع أوهام مالية متراكمة ليس لها أصول حقيقية في الواقع العملي، وما زلنا نتعامل مع الأوراق النقدية التي لا يقابلها أصول ثابتة مكافئة لها.

في المبدأ فإن الاقتصاد الحقيقي يتمثل بالأصول المادية المحسوسة، التي يجب أن تقابلها قيمة موازية من الأوراق المالية، ولكن ما آل إليه الأمر هو أن الأموال فاقت أضعاف قيمة الأصول، وهذه الأموال هي في أيدي من لا يمتلكون الأصول المرادفة لها أساساً.

فمعظم قيم الشركات والبورصات هي قيم وهمية. وبالرغم من أن العالم كله يدرك ذلك إلا أن العمل ما يزال قائماً عليها، فجاذبيتها تكمن في أنها وسيلة من وسائل الربح السريع الذي لا يقبله جهد وعمل.

وبغض النظر عن المآخذ حول النظام الرأسمالي فإن شراب لا ينفي أننا يمكننا أن نتعلم منه ونأخذ منه بعض الميزات كما من النظام الاشتراكي، أما النظام الإسلامي كمفاهيم ومبادئ أساسية يجب أن تؤخذ كلها، ويركز شراب على الأساسية على اعتبار أن هناك أمور قابلة للتغير في النظام الإسلامي.
وتعتمد المبادئ الأساسية للنظام الإسلامي على ألا يحصل أحد على ربح إلا مقابل عمل أو مقابل أصل، وليس مقابل أوراق نقدية ليس لها أصول كما أصبح الحال في الفترة الأخيرة.

نعمة ولكن بشرط

يمكن لهذه الأزمة أن تكون أعظم نعمة تحدث للبشر في القرن الواحد والعشرين ولكن بشرط أن نتعلم منها دون مكابرة. فهي فرصة للتصحيح وإعادة النظر في ما بنينا عليه سنين طويلة من نظم مالية وأساسات غير واقعية و واقتصادات حلقت بفقاعات عانقت السحاب.

ولكن هل سيستغل العالم الفرصة، لا يعتقد شراب ذلك. ما يزال العالم الاقتصادي متماسكاً بعض الشيء ولكن الذين يعرفون قوانين وسنن الحياة ومنها قوانين وسنن الاقتصاد يعلمون تماماً أن هذا الانهيار يجب أن يتبعه سقوط لباقي المفاهيم التي تقوم على نفس المبادئ.

ويشرح بأن باقي النظم المالية والنظم الاقتصادية التي ما زلنا نعمل بها ومنها البورصات وبطاقات الائتمان وغيرها، سوف تتكشف تباعاً وسوف تؤثر تباعاً، كما حدث مع أزمة الرهن العقاري، وأزمة المشتقات المالية.

ولكن ما البديل عن النظام الرأسمالي؟ جُربت الكثير من الأنظمة قبله، كالنظام الاشتراكي الذي يشذب كثيراً من عيوب الرأسمالي، ومع ذلك لم ينجح كما لم ينجح غيره. شراب يراه في نظام إنساني موضحاً بأنه لا يريد أن يقول إسلامي، ويشرح: «أقصد بالإنساني أي نظام لا يربح فيه البعض دون البعض، وفي الوقت نفسه ليس كما في النظام الاشتراكي إذ يسمح للأفراد بامتلاك الثروات حسب اجتهادهم، ويجب أن يؤكد النظام على ربح من يعمل ويجتهد ويقدم منافع ملموسة لتلك مقابلة لما يحصل عليه من مال في الأصول والثوابت المادية بشكل مباشر وليس مع ظلالها (الأوراق المالية) ومضاعفاتها الوهمية (كما في المضاربات).

أما إذا بقي العالم يفكر بطرق للاحتيال على أصحاب الاقتصاد الحقيقي من خلال خلق الوهم فلن يكون لدينا أي فرصة في النجاة». ثم يعود لصياغة جوابه حول النظام البديل ليقول باختصار، هو النظام الذي يحترم مبدأ أن يأكل المرء من عرق جبينه.

في كتابه الجديد الذي يعمل عليه في الوقت الحالي «أزمة الثقة وأسطورة الاقتصاد الحر» يركز شراب على تحليل هذا الوهم الفكري الذي خلقته الأنظمة المالية الحديثة والذي تتبناه كل المؤسسات والهيئات المالية.

المصدر : http://www.isegs.com/forum/showthread.php?t=2562&page=5