تاريخ النشر : 06/03/2009 – 10:24 م
قال خبير الاقتصاد والمصارف الإسلامية، الأستاذ الدكتور كمال حطاب أستاذ الدراسات العليا في جامعة اليرموك: “إن آثار الأزمة المالية العالمية لن تستثني بلدا أو شعبا من الشعوب”، مبينا “أنها لم تكن مفتعلة، وإنما هي خارجة عن السيطرة، وتوقع أن تستمر في تفاعلاتها، خاصة إذا ما انفجرت الفقاعات الأخرى” حسب قوله.
وتوقع حطاب “أن يتأثر الأردن بالأزمة العالمية كباقي بلدان العالم”.
ورأى الخبير الاقتصادي حطاب:” ان السبيل الأول لتخفيض الأسعارهو تخفيض الاستيراد، وزيادة الاعتماد على الذات”.
ودعا حطاب في حوار خاص مع “السبيل” “المجتمع الدولي لإصلاح نظام النقد الدولي والحد من هيمنة الدولارعلى العالم بإيجاد البديل عنه، وإلا بأن تكون إدارته بيد ممثلي كافة دول العالم، كما دعا إلى “العمل على إصلاح المنظمات النقدية والمالية العالمية، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأن يكون تمثيل الدول فيها تمثيلا عادلا”.
وأشار حطاب بأن “المصارف الإسلامية كانت الأقل تأثرا بالأزمة العالمية؛ لأنها لا تتعامل ببيع الديون، كذلك فإن أساس تعاملاتها هو البيع وليس القرض، وأكد حطاب “أنه يمكن لأمريكا ولسائر دول العالم الرأسمالية أن تطبق الاقتصاد الإسلامي، دون أن تعلن عن ذلك أو تعترف بذلك”.
وفيما يلي نص الحوار:
خطط الإنقاذ الدولية لم توضع لمعالجة الداء وإنما لمكافأة المفسدين
ما أهم أسباب الأزمة المالية العالمية؟
– أسباب الأزمة متعددة، وبشكل عام فإنها ترجع أساسا إلى الاختلال الهيكلي في الأسس التي يقوم عليها النظام الرأسمالي، فالنظام الرأسمالي يقوم على النفعية المطلقة، والأنانية المفرطة، ومن ثم الحرية الاقتصادية المطلقة في تحقيق أقصى إشباع ممكن، وأقصى ربح ممكن، وقد نجم عن هذه الحرية كافة أشكال الفوضى الاقتصادية والمالية.
وبشكل خاص يمكن إرجاع الأزمة إلى المشتقات، وصناديق التحوط، وشركات السمسرة، وإلى الثقة المطلقة بالحكومة الأمريكية، والتي لم تقم بالمراقبة الصحيحة للبنوك والمؤسسات المالية، وكان من نتائج ذلك، أن المصارف الأمريكية استطاعت التهرب من تطبيق معايير بازل (1) وبازل (2) ، مما أدى إلى انخفاض القيمة السوقية لأسهم المصارف الأمريكية، حتى سبتمبر 2008 بما يقارب 700 مليار دولار، وكان على رأس هذه المصارف الأمريكية سيتي جروب، وبنك أوف أمريكا، وجولدان ساكس، وأمريكان إكسبرس، وغيرها.
وعلى سبيل المثال، كانت الرهون العقارية في أمريكا تقدر بعشرة تريليون، وكانت المراهنات عليها أو المشتقات تفوق ذلك عشرات المرات، فكان الكثيرون يشترون الخيار على سندات الرهن العقاري أو التأمين عليها، فإذا سدد المقترض ربح المشتري وخسر بائع السند، وإذا أفلس المقترض، خسر مشتري السند وربح البائع وهكذا .. فهي عمليات مقامرة، حذر منها الكثير من العقلاء والخبراء في هذه الأدوات.
ما احتمالات أن تؤثر الأزمة العالمية على الأردن كبلد نام؟
– لا شك أن الأردن كسائر بلدان العالم، سوف يتأثر بالأزمة المالية العالمية وما أعقبها من ركود عالمي مستمر، وذلك بسبب انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات، مما سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الصادرات الأردنية والسياحة، إضافة إلى انخفاض المعونات والمنح التي تقدم للأردن، كذلك فإن مشروعات الاستثمار الأجنبي في الأردن سوف تتراجع، وما لم توجد عوامل أخرى فإن المشروعات التي يجري تنفيذها حاليا من المحتمل أن تتأثر وربما لا تكتمل.
يعاني الأردن من استمرار ارتفاع الأسعار على الرغم من انخفاض أسعار المحروقات، ما هي وسائل تخفيض الأسعار؟
– لا شك بأن ارتفاع الأسعار هو صورة للتضخم المستورد، نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، لذلك فإن السبيل الأول لتخفيض الأسعار هو تخفيض الاستيراد، وزيادة الاعتماد على الذات؛ بما يوصلنا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والخدمات الأساسية.
ولا شك أن تغيير أنماط السلوك الاستهلاكي؛ بما يحد من الطلبات الترفية والكمالية والتفاخرية، ويزيد الطلب على السلع والخدمات المحلية والعربية والإسلامية، سوف يؤدي وعلى المدى الطويل إلى تحقيق وفر في العملة الأجنبية، وزيادة التكامل الاقتصادي العربي والإسلامي، مما يؤدي في النهاية إلى خفض مستوى الأسعار.
كيف يمكن تخفيض العجز التجاري الذي يرتفع عاما بعد عام؟
– يمكن تخفيض العجز التجاري من خلال تخفيض الطلب على المستوردات غير الضرورية، وزيادة الاعتماد على الذات، وزيادة التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية، وتفعيل أدوات وأجهزة التكامل كغرف المقاصة واتحاد المدفوعات، وتوحيد وتنسيق السياسات الاقتصادية والنقدية والجمركية بشكل خاص.
ماهي الوسائل الأنجع برأيكم لكبح جماح المديونية الخارجية بل القضاء عليها؟
– محاولة التخلص تدريجيا من وصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تزيد من المديونية دون أن يترتب على الديون تنمية حقيقية، أو بناء اقتصاد قادر على سداد الديون. وفي نفس الإطار ينبغي تفعيل الأجهزة والمنظمات العربية والإسلامية، كالبنك الإسلامي للتنمية والصندوق العربي، للإنماء الاقتصادي، وصندوق النقد العربي، وغرفة المقاصة الإسلامية في باكستان، وغيرها من الأجهزة من أجل إيجاد وتفعيل وسائل دفع إسلامية كالدينار العربي، أو الدينار الإسلامي، والتخفيف ما أمكن من الاعتماد على العملات الدولية كالدولار واليورو .
ما هي نظرتك للاقتصاد الوطني الاردني؟ وبم تنصح صانع القرار؟
– يمتاز الأردن بموقع جغرافي استراتيجي، وموارد طبيعية غنية لم تستثمر بعد، وكذلك موارد بشرية متميزة، هي الأكثر تعليما على مستوى الدول العربية، ومعنى ذلك أن الطاقات الاستثمارية الأردنية لا زالت بكرا، وبحاجة ماسة إلى اكتشاف واستغلال وتحفيز، وتوفير بيئة تشريعية وقانونية تحمي الاستثمار والابداع والابتكار .. من جهة أخرى فإن إصلاح البيئة المحيطة بالعملية الإنتاجية، وتوفير المعادلة الاجتماعية المناسبة، المستمدة من تقاليد وتراث وعقيدة الأمة، سوف يعمل على تسريع عملية النهوض والتقدم والوصول إلى الأهداف المنشودة.
ولذلك، فإن نصيحتي لصانع القرار الاقتصادي، تفعيل كافة السياسات التي تؤدي إلى زيادة الاعتماد على الذات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لا سيما وأن آثار الأزمة المالية العالمية لن تستثني بلدا أو شعبا من الشعوب، فما لم تقم هذه الشعوب بنفسها وتحقق كفايتها من السلع الأساسية على الأقل، فإنه لن ينفعها أحد.
نلحظ كثرة الخطط التي استخدمت عالميا كوسائل لحل الأزمة، ولكنها كانت ضعيفة التأثير في الحل، لماذا برأيكم؟
– لأن هذه الخطط وخاصة خطة الإنقاذ التي نفذت في عهد بوش، لم توضع لمعالجة الداء، وإنما وضعت لمكافأة المفسدين الذين تسببوا في الأزمة من خلال المضاربة بالمشتقات وغيرها، فقد ذهبت معظم الأموال إلى أصحاب الشركات والبنوك المفلسة، ولم توجه إلى أصحاب المساكن أو العقارات الذين عجزوا عن السداد بسبب الأزمة.
وفي الوقت الحاضر وفي عهد أوباما، هناك عمليات مراجعة للخطط التي نفذت، وربما ترفع قضايا ومحاكمات للذين كانوا وراء تلك الخطط.
يرى بعض المسلمين أن هذه الأزمة هي مؤامرة على أموال المسلمين؛ حيث خسروا 2,5 تريليون دولار، كما تشير بعض التقديرات، فما رأيك في هذا التفسير؟
– المؤامرات على المسلمين موجودة مع الأزمة وقبل الأزمة، ولكن هذه الأزمة عامة شاملة، لم يسلم منها أحد. صحيح أن أصحاب البنوك والشركات العملاقة التي لحقت بها الخسائر الكبرى، قامت بتحميل الدول الإسلامية ودول العالم الثالث معظم هذه الخسائر، وصحيح أن حكومات الدول الغربية تطالب الدول الإسلامية والصين وغيرها، بشراء سندات الخزينة الأمريكية للمساعدة في علاج الأزمة، ولكن من جهة أخرى لم تكن الأزمة مفتعلة، وإنما هي خارجة عن السيطرة، ويبدو أنها ستسمر في تفاعلاتها، خاصة إذا ما انفجرت الفقاعات الأخرى التي تحدث عنها توماس فريدمان، والتي اعتبر فيها الاقتصاد الأمريكي مقامر لا مغامر، ولعل من أكثر هذه الفقاعات خطورة سندات الخزينة الأمريكية.
ما هي المنطلقات الاقتصادية التي تقترحها لحل الأزمة الاقتصادية العالمية؟
– لا بد من إصلاح نظام النقد الدولي، والحد من هيمنة الدولار على العالم بإيجاد البديل عنه، وإلا بأن تكون إدارته بيد ممثلي كافة دول العالم.
– إصلاح المنظمات النقدية والمالية العالمية، خاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بأن يكون تمثيل الدول فيها تمثيلا عادلا.
إصلاح البورصات والأسواق المالية العالمية، بإلغاء المضاربات وكافة عقود المقامرات.
– إلغاء ديون الدول النامية والتي تتشكل في معظمها من الفوائد الربوية المضاعفة، إلغاء كافة أشكال الهيمنة والاستغلال الاقتصادي التي تفرض على معظم دول العالم الثالث.
– فرض الرقابة على كافة الأعمال والأنشطة الاقتصادية التي تلحق الدمار بالبيئة والإنسان، مثل أسلحة الدمار الشامل وصناعة الأفلام الإباحية.
أحدث التعليقات