الأزمة تكشف وهم العلم وتجاهل دروس التاريخ

الأزمة تكشف وهم العلم وتجاهل دروس التاريخ

توني جاكسون
اشتعال القلق في الآونة الأخيرة بشأن بلدان وسط وشرقي أوروبا، والمبالغ الهائلة التي تم إقراضها للمنطقة من جانب البنوك الأوروبية الغربية، من شأنه أن يذكرنا على الأرجح بمشكلة كانت تهدر منذ شهور. لكن في تلك المرحلة من الأزمة، كانت تشير أيضاً إلى بعض الاستنتاجات الأوسع نطاقاً.
الأول، حتى في هذه المرحلة المتأخرة يجب علينا ألا نقلل من شأن قدرة البنوك على استنباط طرق جديدة لخسارة الأموال. والثاني أحدثته أنباء طلب النمسا، الدولة المنكشفة بنوكها بشدة أمام أوروبا الشرقية، إجراء إقليميا لمعالجة الوضع.
قيل في الأسبوع الماضي إن المفوضية الأوروبية اعترضت، وأنها تتعاون مع شركاء مثل البنك الدولي بشأن القضية. لكنها تفضل ما تدعوه “منهج كل دولة على حدة”.
من شأن ذلك أن يذكرنا بأمر ما. في الوقت الذي يجتمع فيه قادة مجموعة الـ 20 في قمة لندن بشأن الأزمة العالمية في نيسان (أبريل)، فربما يفيدهم أن يتذكروا، ولو على نطاق أكبر إلى حد ما، المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي انعقد عام 1933.
قبل فترة وجيزة من انعقاد ذلك المؤتمر، ألقى أحد مساعدي الرئيس روزفلت خطاباً إذاعياً للأمة. وقال إن من الخطأ أن نتصور أنه لمجرد أن الأزمة كانت عالمية، فإن الحلول يجب أن تكون عالمية أيضاً. “إن عدداً كبيراً من الأمراض الاقتصادية لكل بلد هي محلية في الغالب. ويجب أن يكون جانب كبير من العلاج ما تقوم به البلدان ذاتها.” والمرء يشكك إلى حد ما في أن الانهيار اللاحق للمؤتمر جاء مفاجأة كبيرة.
ليس المقصود من ذلك مقارنات أخرى محملة بالكآبة مع الكساد الكبير. بل النقطة هي في الوقت الذي تتكشف فيه الأزمة، فإن بعضاً من تفاؤلنا السابق يبدو نتاج الرضا عن الذات، أو الافتقار إلى الفهم. وعلمنا فعلياً ما الأمر الخاطئ الذي حصل قبلاً. وما نتعلمه الآن – بالطريقة الصعبة – هو لماذا.
قبل عدة أشهر، بدا من الواضح أنه لا يوجد أي سياسي عاقل يؤيد الحمائية، بالنظر إلى مثال ثلاثينيات القرن الماضي. ولن يخطئ أي بلد في تكرار العقد الزمني الضائع لليابان.
مع ذلك، نخاطر بتكرار كليهما. ويعيدني هذا الأمر إلى ما أطلقت عليه سابقاً مصطلح وهم العلم – الاعتقاد بأن الإدارة الاقتصادية هي مهارة يمكن إتقانها، بدلاً من كونها تخضع لعناد الطبيعة البشرية.
بغض النظر عن كون القادة السياسيين واضحين بشأن أخطار الحمائية، فإن مجرد حقيقة الهبوط تقلل من شأن مراكزهم مع الناخبين. وبالنسبة لمعظم الناخبين، يبدو من الواضح بالمثل أنه لا يوجد منطق في إغلاق مصانع السيارات المحلية، بدلاً من المصانع الأجنبية، أو أن تستخدم البنوك أموال الإنقاذ لتقديم قروض خارجية، أو أن يأخذ العمال الأجانب وظائف محلية.
بالمثل، بدا في الماضي واضحاً أن الطريقة لتفادي بنوك اليابان الميتة التي عادت إلى الحياة هو الأنموذج السويدي، الذي يتم وفقه تأميم البنوك الفاشلة ببساطة، ثم تنظيفها، وبيعها مرة أخرى. غير أن المشكلة اليوم أكبر بشكل هائل، وأكثر تعقيداً، وعالمية. والواقع هو أنه لو كان الأسلوب السويدي قابلاً للتطبيق، لتم اللجوء إليه منذ فترة طويلة.
بهذا المعنى، من غير المجدي انتقاد إدارة أوباما لترددها الواضح. لكن الحقيقة هي أنه لو تم النظر إلى الأمر بهذه الطريقة، فربما يجلب أخطاراً خاصة به، كما أوضحت أسعار أسهم البنوك الأمريكية في الأسبوع الماضي عندما وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عاماً.
إنها ليست قضية فقط لحالات المجموعات الأكثر هيمنة مثل سيتي جروب. فالأسعار في فيفث ثيرد بانكورب Fifth Third Bancorp، أحد أكبر المقرضين الإقليميين في الولايات المتحدة، هي الآن أقل بـ 95 في المائة من مستوياتها العالية في 52 أسبوعاً، وتبلغ القيمة السوقية للبنك 850 مليون دولار مقابل إجمالي أصول يبلغ 120 مليار دولار.
إلى جانب ذلك، فإن أحد تأثيرات ذلك كله هو أن أسهم البنوك في البلدان النامية، وفقاً لميريل لنتش، وصلت في الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق نسبة إلى بنوك العالم المتقدم. وربما تعاني بعض تلك الاقتصادات من مشكلة، لكنها على الأقل لديها الرؤية لعدم تقديم قروض رديئة بذاتها – أو إذا فعلت، تبيع البنوك المعنية إلى مشترين غربيين طالما دامت الأوقات المناسبة.
في المقابل، قامت الحكومة في الصين – التي تعتبر بنوكها البارزة الآن أكبر البنوك في العالم من حيث القيمة السوقية – باستخدام حصة الأغلبية لمواصلة عمليات الإقراض في البنوك. وأحد الأسباب، حسب استطلاع مدير صندوق ميريل لنتش، قيام المستثمرين بتركيز آمالهم بشأن التعافي العالمي مرة أخرى، على المحرك الصيني.
بالنظر إلى الانهيار الأخير في أرقام التجارة في الصين، فربما يكون ذلك صعب المنال. ويبدو الأمر كما لو أن نظرية الانفصال القديمة تعود مرة أخرى من أعماق اليأس الشديد.
لكن في العالم النامي، يبدو من الواضح بشكل متزايد أنه بغض النظر عما يوحي به المنطق والتاريخ، فإن الطبيعة البشرية تشير بعناد إلى الطريق المعاكس.
في ثلاثينيات القرن الماضي، كان على الأزمة في نهاية المطاف أن تحل نفسها بنفسها. وبعد مرور 18 شهراً على هذه الأزمة، فربما نواجه الاحتمال ذاته مرة أخرى.
نقلا عن الاقتصادية
30/2/1430