د.صلاح بن فهد الشلهوب
اليوم وعلى مدى عدة أيام, يشهد العالم اعتداء ليس له مثيل في الوحشية والظلم وعدم مراعاة جميع الأعراف الدولية والإنسانية, إذ إن قطاع غزة الفلسطيني يشهد اعتداء من الدولة الإسرائيلية التي تعود العالم على أن تكون هذه الدولة دائما خارج المنظومة الدولية من جهة الالتزامات والمسؤوليات, إذ إنها دائما خارج منظومة قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن وكل ما هو إنساني، وهذا ملاحظ في مشاهد من الاعتداء على الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين والمؤسسات المدنية والمدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإغاثية للمرضى والجرحي والمحتاجين، وأصبح أهل غزة في وضع لا يتمناه الإنسان لعدوه فضلا عن صديقه ومن يحب.
وهذا الاعتداء يأتي في وقت يشهد العالم فيه أزمة مالية عالمية تأثر
العالم من دون استثناء بهذه الأزمة وأصبح العالم يشهد جديدا في كل يوم فيما يتعلق بآثار هذه الأزمة العالمية, فبعد أزمة الرهن العقاري ثم أزمة البنوك الاستثمارية والتجارية, نشهد اليوم أزمة في أسعار البترول والمواد الأولية وسوق السلع, ثم الأزمة بدأت تؤثر في السلع الاستهلاكية كأزمة شركات تصنيع السيارات والأزمة التي تشهدها سوق التجزئة.
فما يحدث في العالم اليوم من أزمة عالمية لا شك أن لها آثارا فيما يتعلق بالاعتداء الذي تشهده غزة اليوم، فمن ينظر إلى القضية من وجهة النظر السياسية فقد يقول إن الأزمة المالية التي يشهدها العالم أثرت بشكل كبير في اهتمام الدول بالقضايا العالمية, حيث إن كثيرا منها أصبح منشغلا بالأزمة الاقتصادية عن القضايا العالمية, وبحكم أن القدرة المالية التي لليهود في العالم, فإن لديهم القدرة على التأثير في قرارات كثير من الدول نظرا لأن القيادات السياسية ستخشى من اتخاذ مواقف ضد دولة إسرائيل, وبالتالي سيكون على تلك الدول ضغوط اقتصادية وسياسية تمنعها من المطالبة بوقف المجازر الإسرائلية اليومية في قطاع غزة، كما أن كثيرا من الدول منشغلة بهذه الأزمة بحيث إن مسألة إبداء مواقف معارضة والسعي إلى إصلاح الوضع ووقف إطلاق النار على قطاع غزة يكلف تلك الدول ويشغلها عن إصلاح الوضع الاقتصادي لديها.
كما أن العضو المؤثر في مثل هذه الأزمات هو الولايات المتحدة، التي تشهد اليوم مرحلة انتقالية في السياسات حيث إن هذه الفترة تركز فيها أمريكا على إصلاح الوضع الاقتصادي العام, وهذا الذي يشغل المواطن الأمريكي بشكل دائم, فهو لا يفكر اليوم في شيء آخر, فأي أمر يعطل الحكومة عن الاهتمام بهذه المسألة سيكون سبب انتقاد من قبل المواطن الأمريكي, إذ إنه مع ازدياد حجم البطالة وكون كثيرا من الشركات تخشى احتمالات الإفلاس, فهذا بلا شك سيشكل أزمة كبيرة للمجتمع من نواح عدة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، كما أن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة يمثل رقما صعبا فيما يتعلق بالاقتصاد.
لكن السؤال: كيف سيكون انعكاس هذه القضية على الوضع العام في المنطقة العربية بل الإسلامية والعالمية بشكل عام؟ إذ إن مواقف الأفراد تختلف بشكل كبير عن مواقف السياسيين وأصحاب الرساميل، وهذا الأمر كان ظاهرا في مناح كثيرة, ولعلي أركز على قضية يظهر أنها سيكون لها أثر واضح بسبب تزامن الاعتداء على غزة مع الأزمة المالية العالمية، وذلك في مسألة مقاطعة السلع التي تعتبر لشركات مملوكة في الغالب للأثرياء اليهود أو حتى أن البعض يجعل المقاطعة تعم المنتجات الأمريكية بحكم أن الولايات المتحدة دائما ما تتخذ بشكل صريح مواقف منحازة مع دولة إسرائيل، والمقاطعة كمبدأ اقتصادي لا تعد ظاهرة حديثة, بل هي سلوك اجتماعي حصل كثيرا في التاريخ ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر المقاطعة التي فرضتها قريش على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون في حينها في بدايات دعوته إلى الإسلام والتوحيد رغبة من قريش في أن يتراجع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون عن دينهم الإسلام إلى الوثنية التي كانت تمارسها قريش في حينها, كما أنها تمثل أشبه بدرس وتحذير لكل إنسان يرغب في الالتحاق بدعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن مصيره سيكون المقاطعة.
فالمشاهد اليوم الاهتمام الكبير بهذه القضية – وهي المقاطعة ـ التي كانت ولا تزال انعكاس الغضب وعدم الرضا عن الممارسات الإسرائيلية، وتجد أن البريد الإلكتروني لكثير من المواطنين العرب يستقبل كثيرا من الرسائل التي توصي بمقاطعة البضائع والسلع الإسرائيلية والأمريكية وتفاصيل تذكر تلك الشركات والسلع لتوعية المستهلك العربي كيلا يشتري تلك السلع، بل بعضهم يذكر حتى البدائل لتلك المنتجات حتى لا يكون هناك – في وجهة نظره – عذر لمن يقول بعدم وجود بدائل منسبة لتلك المنتجات. وهذه المواقف ليست خاصة بالمواطن العربي والمسلم, بل إن بعضا من المنظمات العالمية التي تتعاطف مع الحق والعدل وحقوق الإنسان وواقع المواطن الفلسطيني الذي يعاني وضعا لا يطاق لأي إنسان، ولولا إيمانه بقضيته والحق الذي يطالب به لما صبر على الضغوط التي تمارس عليه بشكل يومي.
ولكن الذي يختلف اليوم فيما يتعلق بالمقاطعة عما كان عليه الوضع في السابق، هو أن هذه الدعوات تتزامن مع أزمة اقتصادية عالمية لم تسلم من آثارها – فيما أعلم – معظم الشركات العالمية, والتي ستكون تحديا لها في ظل أنها بين نارين, وهما الضغوط السياسية والاقتصادية التي يمارسها الأثرياء اليهود الذين يدعمون دولة إسرائيل، وبين الضغوط التي يمارسها المستهلك العربي بل حتى في الدول الإسلامية والعالمية بالمقاطعة لتلك السلع والبضائع، ويظهر أن هذه الأزمة ستشهد آثارا ليس في الوضع السياسي فقط, بل سيكون لها أثر واضح فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي العالمي.
أحدث التعليقات