الفساد لماذا لا نحاربه؟ د. رفيق يونس المصري

الفساد
لماذا لا نحاربه؟

د. رفيق يونس المصري
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدة

مقدمة الكتاب

بسم الله والحمد لله القائل في كتابه : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ) الروم 41. ( ليذيقهم بعض الذي عملوا )! ماذا لو أذاقهم كل الذي عملوا؟! ( لعلهم يرجعون ) عن فسادهم لكي تنصلح أحوالهم وتتقدم بلدانهم. لقد ابتلاهم الله بأزمة اقتصادية من أشد الأزمات في التاريخ، وابتلاهم بكوارث كثيرة، نسمع عنها في كل يوم، تحل في ديارهم أو بالقرب منها. هذه الأزمة وغيرها ناشئة عن الفساد الذي طبّق الآفاق والشركات والبلدان، حتى أفلس بعضها وكاد البعض الآخر أن يفلس، وكنا نقول في السابق إن البدان لا تفلس! تكاد الأزمة تعم الجميع، وتنقلب حتى على المتسبين فيها، تكاد تعم الجميع لأن بعضهم من الظلمة، والبعض الآخر قصروا في محاربتهم ومواجهة ظلمهم وفسادهم.

منذ فترة طويلة ونفسي تحدثني بالكتابة في موضوع الفساد، لاسيما وأننا نحن المسلمين والباحثين في الاقتصاد الإسلامي أولى الناس بالحديث عن الفساد. ولكن كالعادة كان علينا أن ننتظر الغرب حتى نندفع وراءه، كما فعلنا في محاربة التدخين، إذ لم نحرمه تحريمًا قاطعًا إلا بعد أن تكرم الغرب بتحريمه.

كنت أرى أن الكتابة في الفساد أصبحت  ضرورية لاسيما بعد أن كتبت كتابي : ( الاقتصاد والأخلاق ). فهذا الكتاب عن الفساد مكمل إذن لكتاب الاقتصاد والأخلاق. ولكني أعتقد أن الاعتماد على الأخلاق وحدها لا يكفي لمحاربة الفساد، كما يشيع الآن  الغربيون وأتباعهم. فلعل حديثهم عن الأخلاق من باب ذر الرماد في العيون. فلا بد من دعم الأخلاق بالدساتير والتشريعات والقوانين واللوائح المتعلقة بالمساءلة والمحاسبة والثواب والعقاب.

وإذا قصرت الحكومات في مواجهة الفساد، كان لابد من تقوية مؤسسات المجتمع المدني لكي تتصدى لهذه المهمة الملحة، ولكي تجبر الحكومات على التزام طريق الإصلاح. فالشعوب إذا ماتت ترهلت حكوماتها وفسدت واستشرى فيها الفساد.

من المفيد في هذا الباب الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى التي لم تيأس من محاربة الفساد، بل حاربته بقوة وقضت عليه، أو على أكثره، في مدة لا تزيد على سنتين.

من أراد من الحكام أن يتصدى للفساد فليتخذ من سيرة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز قدوة ونبراسًا. ولا شك أن تعب الشعوب والحكام من أجل الإصلاح أولى من تعبهم في أجواء الفساد. ومن نوى وعقد العزم فلعل الله أن يساعده ويسدده.

لم يعد من الممكن التغاضي عن الفساد السياسي والاقتصادي والإداري والديني والأخلاقي، لأن الفساد يلتهم التنمية، وبدلاً من التنمية شهدنا فساد التنمية وتنمية الفساد. إن البلدان المتخلفة أولى بمحاربة الفساد من غيرها من البلدان، لأن محاربة الفساد يحمي ثرواتها وإيراداتها وخيراتها من أن تقع في أيدي الفاسدين المفسدين.

قائمة المحتويات

http://wailah.110mb.com/index.php?option=com_content&view=article&id=765:2010-09-07-10-13-13&catid=16:2008-09-18-20-01-44&Itemid=34