آفاق الاقتصاد الدولي….هل هي بوادر انفراج أم نذر أزمة
بقلم : هايل عبد المولى طشطوش
لا يكاد الاقتصاد العالمي يصحو من الم الضربة التي حلت به حتى يكبو مرة أخرى وهذا هو حال الاقتصاد الرأسمالي … أزماته كثيرة وعديدة وستستمر إن بقي مستمرا على استخدام أدواته الحالية القائمة على بيع الديون والمقامرة والمغامرات غير المحسوبة والمراهنات في الأسواق المالية لأنها عبارة عن فقاعات ليس لها عاقبة سوى الأزمات والانهيارات ، فعندما بدأت تلوح بوادر الانفراج في الاقتصاد العالمي بدأت تظهر بوادر الأزمة من جديد….. والاقتصاد العالمي اليوم يترنح بين أقوال فريقين من الخبراء والمحللين الاقتصاديين : الفريق الأول اعتبر أن عام 2009 سيكون العام الأخير للأزمة الاقتصادية وسيبدأ الاقتصاد العالمي بالتعافي في عام 2010 وستعود معدلات النمو إلى مسيرتها الايجابية ولهم بذلك حججهم التي ساقوها على اعتبارا أنها مؤشرات تحسن ، والتي من أبرزها : تعافي بعض الشركات الاميركية الكبرى –باعتبار أن الاقتصاد الاميركي يمثل ربع الاقتصاد العالمي – وخاصة شركات السيارات وتحقيقها لمعدلات نمو جيدة ، إضافة إلى تحسن مستويات الأداء في اقتصاديات منطقة اليورو وخاصة الاقتصاد الألماني حيث سجل في الربع الثاني من عام 2009 نمواً ايجابياً بلغ 0.3٪ للمرة الأولى منذ عام كامل أي منذ اندلاع الأزمة العالمية، إضافة إلى تراجع حدة الافلاسات لا سيما على مستوى المؤسسات المالية التي كانت مركز انطلاق الأزمة التي عصفت بالاقتصاد العالمي، والنتائج التي حققتها بعض الشركات الصناعية بعد إعادة النظر بهيكلتها .
ومن مؤشرات تحسن الاقتصاد العالمي هو معدلات النمو التي لا تزال مرتفعة في دول ما يسمى بالأسواق الناشئة مثل الصين والهند، حيث أكدت الإحصاءات بأن معدلات النمو في هذه الدول الهامة في حركة الاقتصاد العالمي ستظل فوق معدل 7٪ حيث يرى خبراء ومحللون بان الصين والهند ستثمل عصب الاقتصاد العالمي في المستقبل القريب وستكون المنقذ الأول له من الأزمة.
ولكن على الجانب الآخر هناك حذر شديد لدى الخبراء والاقتصاديين بان الاقتصاد العالمي لازال يتأرجح بين الكساد والتعافي ولديهم الكثير من المؤشرات يسوقونها للدلالة على ذلك حيث يرون أن معدلات البطالة العالية في الدول الصناعية وتزايدها يوما بعد يوم هي مؤشر خطير على استمرار الأزمة المالية ومن الصعب عندها الحديث عن تعافي أو خروج من الأزمة لان البطالة مؤشر على أن المؤسسات الاقتصادية لم تستعد حيويتها كما أن البطالة تضعف الطلب وتسهم في تعميق ألازمة. فقد وصل معدل البطالة في الولايات المتحدة تبعاً لآخر الإحصائيات إلى حوالي 10٪ ، يضاف لذلك عشرات البنوك والمؤسسات المالية التي ما زالت تعلن إفلاسها في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الصناعية الكبرى حيث تجاوز عدد البنوك التي أعلنت إفلاسها منذ بداية الأزمة حتى منتصف 2010 المائة وخمسين بنكا ، ويرى مثل هؤلاء المحللين بان ألازمة تنتقل من مرحلة إلى أخرى لتتعمق أكثر فأكثر ، ومن مؤشرات ذلك أيضا هو الإفلاس الذي بدأ يهدد الدول وينتقل من الشركات إلى الحكومات حيث واجهت بعض الدول التي كانت مستقرة اقتصاديا أزمات ديون وعجوزات كبيرة في اقتصادياتها وأصبحت اقتصادياتها قائمة على الديون التي تتراكم يوما بعد يوم ونظرا لانتشار العولمة وعولمة التمويل تحديدا فقد أصابت العدوى دول العالم كلها سواء نامية أو مزدهرة فأسبانيا اليوم مثلا تعاني من أزمة اقتصادية وكذلك اليونان والمكسيك وغيرها على الرغم من أن مثل هذه الدول كانت معروفه باستقرارها اقتصاديا ،بالأمس القريب يقول رئيس البنك المركزي البريطاني:” أن تعافي الاقتصاد العالمي بطيء ” ، لاشك أن العالم اليوم ليس كما كان علية في عام 1929 في أزمة الكساد الكبير فالعالم اليوم نظمه المالية والنقدية مترابطة والعولمة المالية وعولمة التمويل هي سمة بارزة من سمات اقتصاده لذا فان وقع الأزمة سيكون قويا وتعافيه منها سيكون بطيئا لأنها كالداء المنتشر الذي يصعب محاصرته .
لن يفلح العالم اليوم بحل أزمته الاقتصادية والتعافي منها تماما إلا إذا تخلص من بعض السلبيات التي يمارسها والتي تمثل عصبة الرئيس وهي كما يلي :
– الاهتمام باستثمارات ونشاطات استثمارية كان كثير منها نشاطات اقتصادية غير منتجة وإنما هي مجرد مضاربات تعود بأرباح سريعة وبعضها الآخر نشاطات استثمارية فيها نسب مخاطرة عالية جدا.
– تخلي كثير من البنوك والمؤسسات المالية والنقدية عن الأعراف المصرفية المعروفة سعيا وراء الأرباح السريعة ولكن هذا الاندفاع هو الذي جعلها تصبح ضحية للاحتيالات والاستثمارات الوهمية.
– الإقراض غير المحسوب العواقب الغير قائم على أصول حقيقية أوقع المؤسسات المالية في فخ تعثر السداد وبالتالي العجز والإفلاس .
إن هذه الممارسات السيئة اقتصاديا هي من المحرمات في اقتصاد إسلامي وقد نهى عنها الإسلام لأنها تؤدي إلى الغش والتدليس والأوهام والجهل والغرر والفساد وضياع الحقوق وهذا ما حصل في أزمة الرهن العقاري التي كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير ، فلو عدنا إلى أساسيات الاقتصاد الإسلامي لوجدنا أنها قائمة على الوضوح في البيع والشراء فلا جهل ولا غرر ولا غش ولا بيع للدين ولا تدليس ولا مراهنات ولا مغامرات وهمية ولا صفقات على سلع غير موجودة وهذه كلها ممارسات المؤسسات المالية العالمية أضف إلى ذلك ابتعاد الدولة عن النشاط الاقتصادي العالمي وتركها الحرية الغير محدودة للأفراد ولكن الطمع والجشع وحب المال ليس له نتيجة سوى الوقوع في براثن المشكلات والأزمات ….. ينتظر العالم اليوم ما ستؤول إلية الأمور فهل ستكون بداية النهاية للازمة الاقتصادية العالمية أم ستنذر بأزمة أخرى اكبر من أختها ؟؟؟؟.
أحدث التعليقات