مقال : الــتـــايـم شــيــر بين المنظور الإسلامي والتطبيق المعاصر – عبد الحافظ الصاوي

الــتـــايـم شــيــر بين المنظور الإسلامي والتطبيق المعاصر

بقلم: الخبير الاقتصادي : عبدالحافظ الصاوي – مصر

يشهد المجتمع الإنساني تطوراً ملحوظاً في مختلف جوانب الحياة، فتتجدد وسائل التعاملات بين أفراده، ولكن هذه التعاملات ليست على إطلاقها، فمنها المقبول والمعتبر، ومنها المذموم والمهدر، وذلك وفق مرجعية المجتمع وعقيدته. وفي إطار التطوير الذى يعم مختلف هذه المعاملات في الأنشطة المختلفة، عرف قطاع السياحة والسفر هذا النوع من التعامل والذي أطلق عليه اسم timeshare التايم شير.
وهناك تسميات أخرى متعددة لهذا النظام مثل اقتسام الوقت،أو المشاركة الزمنية، أو المشاركة في الوقت.

ونظراً لدخول هذه الخدمة إلى العديد من البلدان الإسلامية ووجود تعاقدات وتعاملات من قبل المسلمين، سواء كانوا منتفعين أو مؤجرين أو شركات تسويق، فإن الأمر يتطلب النظر لهذه المعاملة في ضوء مدى ملاءمتها للاعتبارات الشرعية، خاصة وأنها لم تعد مجرد خدمة يقدمها الآخر، ولكنها أصبحت واقعا معاشا، بل وينظر إليها على أنها أحد الروافد الهامة لنشاط السياحة سواء على الصعيد الداخلي أو العالمي. وتشير بعض الدراسات إلى أن هذا النشاط يمثل قرابة 70 % من نسبة نفقات السائح. وقد خصص مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بالقاهرة مؤخراً ندوة لتناول هذا الموضوع.
وفيما يلي نستعرض أهم ما جاء بهذه الندوة.

المفهوم والتطور
تعرف منظمة السياحة العالمية مفهوم المشاركة بالوقت على أنه حق الجمهور في تملك عطلة والتمتع بفترة من الوقت كل عام في أي وسيلة إقامة سياحية مجهزة بعدد من الخدمات والتسهيلات.
ويوضح الدكتور عبدالفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر طبيعة العقد المنظم للعمل وفق «التايم شير»، بأنه عقد يتم به شراء منفعه لمدة محددة في عين مفرزة أو مشاعة في عقار محدد، يقبل المبادلة بعقار آخر، وقد أطلق على هذا العقد صك الانتفاع، الذى يقوم على أساس الإجارة أو بيع المنفعة، حيث يقوم البائع وهو في هذه الحالة الشركة المسوقة، والمرخص لها ببيع حق انتفاع وحدة عقارية محددة لمدة معلومة إلى المستفيد، كما أن مجموع المستأجرين الذين اشتروا منفعة العين يشتركون في ملكية الانتفاع بكامل منافع الوحدة العقارية، ويبقى دور البائع الإشراف وإدارة هذه الوحدة.
وبينت ورقة الدكتورة وصال أبو علم، الأستاذة بكلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان، أن هذا الأسلوب من حيث تكلفة الشراء يعد حالة وسطية بين أسلوب قضاء العطلات بأسلوب الرحلات الشاملة وبين تملك الوحدة بالكامل. وقد بدأ هذا النظام في سويسرا عام 1963 ثم فرنسا عام 1967 ثم الولايات المتحدة الأمريكية 1969 ثم بريطانيا عام 1975، وبعد ذلك انتشر في باقي دول العالم وفي عام 1986 دخل هذا النشاط مصر، وبعدها وفي ظل سيادة النظام الاقتصادي للعولمة انتشر في باقي الدول العربية.
وتشير البيانات المنشورة إلى أن المنتجعات السياحية في العالم قد وصلت إلى نحو 5425 منتجعا، كما توجد مشروعات «التايم شير» في 115 دولة لملاك يقيمون في 90 دولة، ويوجد 80 % من منتجعات العالم في 20 دولة، وتحظى هذه الدول ذات النسبة الكبيرة من المنتجعات بنحو 85 % من ملاك المنتجعات في العالم، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة خدمة «التايم شير» حيث يوجد بها 1670 منتجع سياحي، تمثل ما نسبته 32 % من حجم المنتجعات المتاحة على مستوى العالم، وتمثل أمريكا وأوروبا نسبة 60 % منها، كما يستحوذ الطرفان أيضاً على ما نسبته 61 % من ملاك المنتجعات في العالم.
وتتنوع أنشطة منتجعات «التايم شير» بين الترفيهية والثلجية والجبلية والجولف والشاطئية، ومنها أيضاً المنتجعات الشاطئية والصحراوية ومنتجعات القمار.

المزايا والعيوب
وحول المزايا والعيوب لنظام «التايم شير» فقد أشار الأستاذ محمد الغزالي، الباحث بمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، إلى أن هناك العديد من المزايا التي يحققها هذا النظام من حيث توفير مبالغ كبيرة كان من الممكن أن تتجه للبدائل الأخرى له مثل الإقامة في الفنادق أو شراء وحدات خاصة، كما يمكن هذا النظام الفرد بأن يستثمر حقه في الانتفاع للمدة المتاحة له للغير مثل الإيجار إذا كانت ظروف عمله أو إقامته لا تسمح له بالاستفادة بالمدة المحددة له بموجب العقد، ومن ضمن هذه المزايا أيضاً أن بعض العقود تسمح بتبادل الأماكن لدى المنتفعين بمعرفة الشركة المنظمة من قبيل تغيير الأماكن حتى لا يكون هناك نوع من الملل بالنزول في مكان واحد طوال فترة العقد، فضلاً عن أن هذا النظام يوفر نفقات التجهيز للوحدات والصيانة، وغيره، فهو يدفع ثمن هذه الخدمة على أقساط فقط دون الدخول في تفاصيل بناء الوحدة أو تجهيزها أو صيانتها.
وإن كانت بعض العقود تحمل المنتفع برسوم للصيانة من قبيل الإحساس بالمحافظة على الوحدة وعدم الإسراف في استهلاكها والتعامل مع مرافقها بنوع من المحافظة.
ومن مزايا هذا النظام أنه لم يجعل السياحة الترفيهية وقضاء الإجازات قاصراً على الأغنياء ولكنه أتاح هذا الأمر للطبقة المتوسطة في كافة بلدان العالم لتتمكن من ممارسة الترفيه والتنزه في أماكن فاخرة مقابل أقساط تسمح لهم دخولهم بتحملها.
أما عن عيوب هذا النظام فبين الغزالي أن العيوب التي رصدت من خلال تطبيق هذا النظام سواء في البلدان المتقدمة أو النامية، كان أهمها نظام التسويق، حيث احتل نظام التسويق رأس قائمة هذه المساوئ بسبب إيهام الشركات المسوقة بوجود بعض المزايا أو الحقوق للمنتفعين، وهم عادة لا يحسنون قراءة عقود الخدمة، مما يجعلهم عند الممارسة الحقيقية يشعرون بأنهم تعرضوا لعملية نصب، خاصة وأن أسلوب التسويق فيه صورة من الالحاح الذي قد يتبرم منه الكثير من الناس.
حيث تتم مقابل العملاء في الأسواق التجارية، والنوادي، والشوارع العامة، ووعدهم بهدايا لحضور حفلات التسويق، ووجود الحاح ممل من قبل المسوقين على العملاء.

الموقف والضوابط الشرعية
أما الدكتورة سهير عبدالعزيز أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، فقد أشارت إلى أن الكتابات الشرعية تجاه هذا النظام أتت منطلقة من تأييدها له من قبيل حث الإسلام على حسن الجوار، على اعتبار أن المنتفعين بالوحدات المتاحة وفق هذا النظام هم شركاء فيها أو جيران، سواء كانت هذه الجيرة عبر التوافد الزمني المتتابع على الوحدة الواحدة أو التصاحب بين أكثر من منتفع لأكثر من وحدة في فترة زمنية واحدة، كما ترى هذه النظرة أن ذلك يعد صورة من صور التعاون.
وأوضحت القراءة الفقهية لهذا النظام، والتي تضمنتها ورقة الدكتور عبدالفتاح إدريس، تحت عنوان: «المشاركة في الوقت في ميزان الإسلام» أنه نوع من أنواع إجارة المنافع، والتي يشترط فيها:أن تكون المنفعة مباحة شرعاً، فلا تصح إجارة منفعة محرمة، أن تكون المنفعة معلومة بما ينفي الجهالة، أن تكون المنفعة مقدورة التسليم.
ألا يكون بالعين ما يمنع استيفاء المنفعة منها، أن تكون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذون له فيها بالتصرف.
وقد تم حصر صور التعاقد بنظام «التايم شير» في أربعة صور هي:
1
­ الشركة في ملك المنافع فقط أو ملك الأعيان فقط أو ملك الأعيان والمنافع معاً، وكل هذا تجيزه الشريعة ويعبر الفقهاء عن ملك المنافع دون العين أو العكس بالملك الناقص، وعن ملك المنافع والعين معاً بالملك التام.
وهذه الصورة جائزة شرعاً، لتوافر شروط صحة الإجارة فيها.
2 ­
بيع حصة منفعة محددة المدة، إلا أنها غير محددة التاريخ، وإن كانت العين التي يستوفي منها المنفعة محددة، فمالك الحصة يملك أسبوعاً مثلاً مشاعاً في وحدة معينة من عقار بعينه، والتي يكون فيها بيع لمشاع غير محدد زمن استيفائه.
وإن كان المبيع منفعة مقدرة الوقت، إلا أن استيفاءها غير محدد، أمر تجيزه الشريعة الإسلامية فقد قال الحق سبحانه وتعالى على لسان شعيب، حين قال لموسى عليهما السلام {إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك}(سورة القصص الآية 27).
3 ­
الصورة الثالثة لعقود هذا النظام، تتمثل في بيع حصة محددة، إلا أن استيفاءها غير محدد الزمان وكذلك غير محدد المكان، والبائع في بعض الأحيان شركة لها فروع في بعض مدن العالم، كأن يكون لها مثلاً منتج في أمريكا، وآخر في فرنسا، وثالث في أسبانيا، المشتري اشترى أسبوعاً صفته محددة، ومضبوطة بضوابط معينة، كأن يشتري منفعة جناح في أحد الفنادق الموجودة بهذه المنتجعات، والتي تعتمد مواصفات ليست محددة بمكان معين.
وحكم هذه الصورة فيما يتعلق بعد تحديد الزمن الذي تستوفي فيه المنفعة تجيزه الشريعة وفق الدليل الذى ذكر في الصورة السابقة، أما كون عدم تحديد العين التي تستوفى منها المنفعة فإنه لا يحول دون مشروعية هذه الصورة كذلك، إذا كانت تنضبط بالصفة، ووصفت بما ينفي الجهالة عنها، وذلك لاتفاق جمهور الفقهاء على مشروعية إجارة العين الموصوفة.
4 ­
تتمثل الصورة الرابعة لعقد هذا النظام في بيع حصة محددة كاسبوع مثلاً في زمان بعينه، كأول الشهر، إلا أن العين التي تستوفي منها المنفعة غير محددة.
وهذه الصورة من صور التعاقد لا تمنعها الشريعة الإسلامية كذلك، لأن المنفعة المبتاعة محددة ومعلومة، وزمان استيفائها محدد معلوم كذلك، وأما العين التي تستوفى منها المنفعة فإن كانت موصوفة بما تنضبط به أياً كان موضعها من الأرض، كانت معلومة بذلك ولا جهالة فيها ولا ينشأ بسببها نزاع بين المتعاقد على منفعتها والجهة المسوقة، وأما إذا خالفت هذه الشروط فإنه يكتنفها الجهالة والغرر بما لا يصح العقد على استئيفاء المنفعة.

الشريعة تشجع ولكن.. ؟
تناولت الأوراق التي قدمت للندوة وكذلك المناقشات التي دارت فيها هذا النظام بكافة تفاصيله، وذهب الجميع إلى أن الإسلام يشجع هذا النظام باعتبار أنه جزء من نشاط السياحة، ولكن لابد وأن تكون هناك مراعاة لضوابط الشريعة لأي نشاط اقتصادي، حيث يجب أن يبتعد عن ممارسة أي شكل من أشكال الأنشطة المحرمة أو العلاقة غير الجائزة، وتوصلت الندوة إلى مجموعة من التوصيات كان أهمها الآتي:

1 ­ بيان اهتمام الإسلام بالسياحة كنشاط إنساني يقوم على الاستفادة من الحضارات وحتمية التعارف بين الناس، وكذلك تصحيح الخطأ الشائع حول أن الإسلام يعادي السياحة.
2 ­
أهمية التوصل إلى تشريع قانوني كامل ينظم هذا النشاط، حيث لوحظ أن معظم الجوانب القانونية تأتي في إطار قرارات وزارية لا تعالج الجوانب المطلوبة لانضباط سوق هذا النشاط، خاصة فيما يتعلق بحقوق المنتفعين.
3 ­
لابد من وضع ضوابط لجهات التسويق وحملاتها التي تستهدف المنتفعين، حيث يتعرض الكثير منهم للغش والخداع، والعمل على إيجاد آلية لتوقيع عقوبات على من يمارس الغش والخداع في عمليات التسويق.
أن يحظى هذا النظام باهتمام جمعيات حقوق المستهلك، وتقوم بتوعية المنتفعين بحقوقهم وما يجب أن يأخذه من احتياطات عن التعامل مع هذا النظام.
وكذلك قيام هذه الجمعيات بمراقبة الشركات العاملة في مجال التسويق والبيع ورصد أدائها من حيث الانضباط واتخاذ الخطوات القانونية ضد المخالفين.
——————–
* المصدر: مجلة الوعي الإسلامي