يُتابعُ الْمَعنيُّون بالصناعةِ المالية الإسلامية هذه الأيامَ ما تضجُّ به أروقةُ كثيرٍ من المصارف المركزية بالكلام عن توحيد المرجعية الشرعية للمصارف الإسلامية عبرَ هيئةٍ واحدةٍ تكونُ تابعةً للمصرفِ المركزي في كل دولة، ولكنَّ الأصواتَ المعترضة مازالت تقول: إنَّ من شأن خطوةٍ كهذهِ أن تنعكس سلباً على المصارفِ الإسلاميةِ من جهاتٍ عدَّةٍ.
وبين مؤيدٍ للخطوة ومعارضٍ لها تتسعُ دائرة النقاش حول الموضوع؛ فالمصارف المركزية باتت تنظرُ بعين القلق إلى انشغال الأعضاء التنفيذيين في الهيئات الشرعية عن القيام بواحدة من أهم وظائفها وهي المراجعة الشرعية الخارجية، أو التدقيق الشرعي الخارجي، الذي يهدف إلى تكوين رأيٍ مستقلٍّ لهيئةِ الرقابة الشرعية بشأن التزام المؤسسة بتطبيقَ أحكام الشريعة الإسلامية وفقاً لما تقرره هذه الهيئة الشرعية، وتقديمَ تقريرٍ بذلك للجمعية العامة للمساهمين.في الأمسِ كنتُ أسمعُ أحدَ أفراد الرقابة الشرعية الداخلية في واحد من المصارف الإسلامية وهو يشتكي أننا لا نرى العضو التنفيذي إلا وقت اجتماع الهيئة فقط، مع شدة حاجتنا إليه في كثير من الأمور المهمة.ولعل كثرة المشاغل والارتباطات للعلماء الأفاضل القائمين على الهيئات الشرعية – أعانهم الله – هي ما يحول بينهم وبين إتمام بعضهم لعمله من جهة المراجعة الشرعية الخارجية كارتباط بعضهم بالتدريس في الجامعات وحضور المؤتمرات المتتالية وغير ذلك مما لا يسع المجال لذكره.ولا بد لكل واحد منا ـ أياً كان رأيُه ـ ألاَّ ينسى أن أعضاءَ الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية يمتلكون من الخبرات العلمية، ودقة النظر في هذه المسائل ما هوَ جدير بكل تقدير واحترام.وفي ضوء كل ذلك فإنه يظهر لي: إن الحلَّ الأفضلَ لهذه المسألة يكمنُ في الفصل بين وظائف الهيئة؛ أقصد بذلك أن يفصل بين وظيفة الفتوى، والمراجعة الشرعية الخارجية، فنبقي للهيئة الشرعية وظيفة الفتوى، وأما مسألة المراجعة الشرعية الخارجية التي أصبحت أكثر الهيئات الشرعية في مؤسساتنا المالية الإسلامية تعجز ـ لضيق وقتها ـ عن القيام بأعبائها، فيترك أمرها للجمعية العمومية التي تُوكِّلُ جهةً مَعْنِيَّةً بالتدقيق الشرعي الخارجي. والتدقيق الشرعي الخارجي هو الوضع القانوني المتوقع أن تؤول إليه عملية التطور المتسارع التي تتعرض لها تجارب الرقابة والتدقيق الشرعي.
وبهذه الصورة تكون مسألة المراجعة الشرعية الخارجية قد أصبحت كالمراجعة الخارجية المالية (محاسب قانوني) من ناحية التعيين، والفصل، والمكافأة، والمسائلة، والتقرير، ولا بد أن يتناغم ذلك مع تغيرٍ في القوانين والتعليمات.
لقد آن الأوان لنفرغ أعضاء الهيئات الشرعية للفتوى، ونزيحَ عن كاهلهم أمرَ التدقيق الشرعي الخارجي؛ وخاصةً بعد تنامي أعمال المؤسسات المالية الإسلامية بشكل كبير في الآونة الأخيرة مما يزيد ضغوط العمل على الهيئات الشرعية في تلك المؤسسات.وبهذا نضمن سيرَ العمل في المؤسسات المالية الإسلامية بأفضل صورة ممكنة تكون مقبولةً لدى الجهات الرسمية خاصة، وجمهور عملاء هذه المؤسسات المالية الإسلامية عامة.
مهند الدكاش
المدير التنفيذي لفرع سورية
رقابة للاستشارات المالية الإسلامية
– بريطانيا-
المصدر: http://www.alwatannews.net/index.php?m=columnDetail§ion=44&columnID=7228
أحدث التعليقات