العمل الخيري وآثاره الاقتصادية من منظور اسلامي (3)
بقلم : أنس سليمان أحمد اغبارية
اخواني واخواتي أرجو أن تنال هذه المقالة منكم عناية وقراءة ، فبعد ان ابحرنا واياكم في مشروعية العمل الخيري وأهميته في الإسلام مع طرح بعض الصور والنماذج المشرقة من هذا العمل في صدر الإسلام ، لا بد لنا كما وعدناكم ان نكون مع حوافز العمل الخيري وشروطه وضوابطه في الإسلام، ومدى الحاجة إليه في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية .
حوافز العمل الخيري
أقول وبالله التوفيق: إن من فضل الله على الإنسان أن أوجد دوافع وحوافز على العمل بشكل عام، والعمل الخيري بشكل خاص، ليُقبل الإنسان على العمل بصورة تلقائية فطرية ، فالإنسان بطبيعته عبارة عن مجموعة من الحاجات الروحية والنفسية والفسيولوجية ، وإن الحوافز سواء كانت مادية أو معنوية خير وسيلة لدفع العامل بشكل عام، وفاعل الخير بشكل خاص، إلى زيادة عمله وإتقانه، مما يوفر لفاعل الخير راحة نفسية وبدنية، بالإضافة إلى أن هذه الحوافز تعمل على تحسين العمل الخيري وتطويره ونجاحه .فلا بد لنا في البدابة من فهم مصطلح الحوافز حيث عرّفها شيخنا الدكتور محمد عقلة بأنها : ” عبارة عن تلك العوامل أو العناصر التي تشبع النقص في حاجات الأفراد، والتي عن طريق إشباعها تتولد الرغبة لدى الفرد في بذل المزيد من الجهد لتحسين مستوى الأداء والإنتاج في مجال عمله “.
وقد ارتأيت أن أقسم حوافز العمل الخيري على قسمين رئيسين هما:
1) حوافز دنيوية. 2) حوافز أخروية.الحوافز الدنيوية:هي التي يلمسها المسلم في حياته العملية في الدنيا، وتنقسم على قسمين: الحافز المادي والحافز المعنوي.الحافز المادي:
هو الحافز ذو الطابع المالي أو الاقتصادي، ويتمثل فيما يحصل عليه العاملون من مزايا وحقوق تحمل هذا الطابع كالرواتب والعلاوات والأجور وغيرها، ويُعّد الحافز المادي من أهم الحوافز في عصرنا الحاضر. ويشتمل الحافز المادي على:أ) المكافآت: المكافأة تُمنح لمن يقوم بأداء العمل بشكل مميز ومتقن، أو لمن يبذل جهوداً غير عادية. فالذي يزيد من جهد فاعل وعامل الخير ويشجعه على الاستمرار في عمل الخير، هو حصوله على المكافأة، وكذا المؤسسة والجمعية الخيرية، ومن هذه المكافآت مثلا: الرحلات الخارجية، وذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم-:«…ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوا به فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ».ب) الأجور: الأجر هو الثواب والمكافأة عوض العمل. ويُعد الأجر ركناً مهماً في أي نظام للحوافز، وذلك لما له من أهمية في إشباع الحاجات ككل، فالمؤسسة والجمعية الخيرية يكون لديها الحوافز الكثيرة ومنها الأجور لموظفيها والعاملين لديها ، حيث أن الأجر يدفع العامل والموظف إلى زيادة انتمائه للمؤسسة أو الجمعية من جهة، ويشجع الآخرين على الإقبال على الأعمال والأنشطة الخيرية من جهة أخرى.أما الحافز المعنوي :فهو الذي يُرضي الحاجات الذاتية والحاجات الاجتماعية، ويزيد من تماسك العاملين وشدهم نحو العمل. ويشمل الحافز المعنوي على:أ) الذكر الحسن: الإنسان حينما يعمل عملاً حسناً، فإنه ينتظر كلمة شكر وثناء ومديح من الناس المهمين في حياته، ليشعر أنهم يقدرون جهده، ويستحسنون عمله، فعامل الخير يقوم بالأعمال والأنشطة الخيرية، لينال الذكر الحسن في الدنيا والآخرة، وليحصل على تقدير بني البشر واحترامهم، وفي ذلك قال تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).ب) الترقيات : كل فرد في مجتمعه، يسعى بكل جدارة إلى التقدم نحو الأفضل والأحسن، ولا يُحب أن يبقى كما هو، والترقية تحقق له طموحه وآماله.والترقية لا توفر لعامل الخير مستوى مادياً أعلى فقط، وإنما تُشبع لديه قدراً كبيراً من الحاجات المعنوية، كالتقدير والاحترام، إذ يشعر عامل الخير عند ترقيته بالقيمة الذاتية لقدراته بالنسبة للآخرين، ويُقبل على الأعمال الخيرية بكل جد ونشاط وهذا يقود إلى حسن الأداء في العمل.ج) لوحات الشرف وشهادات التقدير: وذلك بأن تُعرض أسماء العاملين المتميزين في المؤسسة والجمعية الخيرية على لوحات الشرف وأن يُعطى العاملون المتميزون شهادات تقدير، تقديراً لجهودهم في رفع مستوى الجمعية والمؤسسة في العمل والنشاطات الخيرية ، إذ أن مثل هذه اللوحات والشهادات ينظر إليها ويشاهدها الناس، الأمر الذي يحفز الآخرين بالإقتداء بهم والإقبال على الأعمال والأنشطة الخيرية، وتشجع العاملين في سلك الخير على الاستمرار في العمل الخيري.فكل ما ذكر آنفاً جيد ودافع نحو العمل، بشريطة أن لا يكون هذا هو القصد أو الهدف، بمعنى ان تكون هذه الحوافز غير مقصودة ابتداءً، فإن حصلت، ولا بد من حصولها، بأنها تكون دافعاً نحو الأفضل.الحوافز الأخروية:وهي التي تجعل المسلم يشعر بأنه يؤدي عملاً خدمة لدينه . ومن هذه الحوافز :أ) نيل رضا الله ورضا رسول الله : السعادة الحقيقية للإنسان هي نيله رضا الله سبحانه، ورضا رسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم- وهذه السعادة لا ينالها أي إنسان ولا يحصل عليها إلا بإتباع أوامر الله وأوامر رسوله والابتعاد عما يغضبهما، لقوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، فإذا أطاع المسلم ربه ورسوله الكريم؛ نال محبتهما، ومن ثم ينعكس ذلك عليه في الدنيا والآخرة ففي الدنيا: يُيسر الله أمره، ويبارك الله في عمره، ويُلقي في قلوب الناس محبته، وأما في الآخرة: فإنه سينال الدرجات العُلى في الجنة، ونعيم الخلد في الآخرة، لقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى $ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى $ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ).ب) الأجر والثواب ومغفرة الذنوب: يسعى إلى الأجر والثواب ومغفرة الذنوب كل مسلم في هذه الدنيا، حيث وعد جلَّ جلاله من يقوم بالأعمال والأنشطة الخيرية ويحرص عليها، مخلصاً بفعله وعمله ، الفوز بالجنان ، لقوله تعالى :(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا)، فالآية الكريمة تبشر كل من يقوم بالأعمال الصالحة ومن ضمنها عمل الخير، بالجنان التي تجري من تحتها الأنهار.وتعد مغفرة الذنوب أيضاً من الحوافز التي تُشجع فاعل الخير على القيام بالأعمال والأنشطة الخيرية، إذ أن النفس البشرية تصاب في بعض الأحيان بالغفلة أو الفتور عما أوجبه الله تعالى على عباده، والإنسان بطبيعته كثير الخطأ والزلل، ولهذا فهو بحاجة لإتباع هذا الخطأ بالعمل الصالح الخالص لوجه الله، ومقابلة السيئة بالحسنة، ودليل ذلك ما جاء في الحديث الشريف عن معاذ بن جبل انه قال : يا رسول الله أوصني، قال: « اتق الله حيثما كنت أو أينما كنت »،قال :زدني، قال :« اتبع السيئة الحسنة تمحها … ».شروط العمل الخيري وضوابطه في الإسلامالعمل الخيري رسالة تنطلق من دوافع عقائدية، وإنسانية، وأخرى إنمائية، وللحفاظ على نقاء هذه الرسالة وبقائها وديمومتها، فإن ذلك يحتاج إلى شروط وضوابط، سواءً في العمل الخيري الفردي، أو العمل الخيري المؤسسي، فكلاً منهما يُكمل الآخر، ومن أهم هذه الشروط والضوابط :أن يكون العمل الخيري خالصاً لوجه الله وحده وابتغاء مرضاته، ورجاء ثوابه ولا تشوبه شائبة، ولا ينتظر فاعله عائداً من أحد من الخلق، ولا جزاء مادياً أو معنوياً، ولا شكراً أو ثناء دنيوياً ، قال تعالى :(إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).أن يكون الصلاح والتقوى، هما الضابط الأساسي في عملية الرقابة الذاتية، التي تفضي إلى حسن التدبير، والصدق في أداء المهام المنوطة بعامل الخير.أن يكون صادراً عن نفس سخية، وروح أبية لا يحركها إلى عمل الخير إلا بواعث إيمانية
ومشاعر كريمة، ويكون عملاً مجرداً من هوى النفس، وحب الذات، والطمع في عاجل الأجر والثواب.أن يكون عملاً مجتنباً للرياء والمَن، فمن المأثور في كلام العرب :” المِنة تهدمُ الصنيعةَ “، وقد حثّ القرآن الكريم على تجنب المن والأذى في الصدقات، حيث قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ).الاقتصاد وحسن التسيير وحسن التدبير المادي، هو من تمام المسؤولية والأمانة.العدل في المعاملة، بغض النظر عن أديان وأجناس وألوان المحتاجين والمساكين، وقد جاءت النصوص التي تحض وتأمر بالعدل حتى مع الأعداء والأولياء.مراعاة الأولويات، أي أن يوضع كل شيء في مرتبته عند القيام بالعمل الخيري، فلا يؤخر ما حقه التقديم ولا يُقدم ما حقه التأخير، ولا يُصغر الأمر الكبير، ولا يُكبر الأمر الصغير.هذه أهم الشروط التي يحتاج إليها كل سائر للخير، وكل جمعية ومؤسسة خيرية، وكل عامل وفاعل للخير والعطاء.
يتبع
1)
2)
3)
4)
5)
6)
7)
المصدر :
موقع فلسطينيو 48
http://www.pls48.net/default.asp?ID=37554
أحدث التعليقات