العمل الخيري وآثاره الاقتصادية من منظور اسلامي (2)
بقلم : أنس سليمان أحمد اغبارية
بعد ان ابحرنا واياكم في مفهوم العمل الخيري وأشكاله في المجتمع المسلم ، لا بد لنا كما وعدناكم ان نكون مع الألفاظ ذات الصلة بالعمل الخيري ،ومشروعية هذا العمل في الإسلام، وسنكون كذلك مع بعض النماذج والصور المشرقة الناصعة من هذا العمل في صدر الإسلام.
الألفاظ ذات الصلة بالعمل الخيري
أقول وبالله التوفيق : يُعد العمل الخيري موضوعاً مُهماً من موضوعات القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد وردت عدة ألفاظ لها صلة بالعمل الخيري منها: التبرع، والتطوع، والإيثار والإحسان.
أولاً: التبرع
لم أجد كلمة “التبرع” في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإنما هناك بعض الآيات القرآنية والكثير من الأحاديث النبوية التي حثت على فعل الخير وعمله.
من هذه الآيات قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، وقوله تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، فمن خلال هاتين الآيتين الكريمتين نرى أن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بأن يتعاونوا على البرِّ والتقوى مما يجلب محبته، وفي الوقت ذاته ينهاهم عن التعاون على المعاصي التي تجلب سخطه وغضبه ، ويأمرهم سبحانه بالتصدق والصدقة.
لا بد من التنويه ان ، مصطلح التبرعات من المصطلحات الدارجة في فقه المعاملات المالية، تحت مسمى عقود التبرعات.
ويلاحظ أيضاً أن عمل الخير والتبرع متقاربان ومتلازمان في المعنى والفعل، من حيث إنهما بمعنى التفضيل بما لا يجب من غير أن يكون هناك عوض مادي أو معنوي.
ثانيا: التطوع
وقد عُرِّف التطوع في الاصطلاح بأنه: ” الجهد الإداري الذي يقوم به فرد أو جماعة من الناس طواعية واختيار لتقديم خدماتهم للجميع أو الفئات منه، دون توقع لجزاء مادي مقابل جهودهم،سواء كان هذا الجهد مبذولاً بالنفس أو المال “، كما عُرِّف بأنه قيام المسلم بأعمال ونشاطات خيرية مما لا يلزمه، متبرعاً به عن نفسه.
وقد وردت كلمة التطوع في القرآن الكريم في أربع آيات، أما في السنة النبوية فقد وردت كثيراً. من هذه الآيات قوله تعالى:( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ، وفي قوله تعالى :( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ )، وقوله سبحانه:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا).
نلحظ أن لفظة التطوع تشمل كل أنواع البرِّ والمعروف التي تُعدّ من قبيل الأعمال والأفعال الخيرية.
ثالثاً: الإيثار
لقد عُرِّف الإيثار في اصطلاح الفقهاء هو: أن يُقدِّم ويفضل غيره على نفسه في النفع له.
وقد وردت كلمة الإيثار في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
نلحظ من تعريف الإيثار أن العمل الخيري يتضمن نوعاً من الإيثار، وذلك حينما يقوم الفرد بعملٍ أو نشاط ما، دون أن يكون واجباً أو مفروضاً عليه،عندها يكون قد آثر غيره على نفسه.
رابعاً: الإحسان
كلمة الإحسان ذكرت في القرآن الكريم بمعناها اللغوي، وهو الزيادة عن الواجب والتفضل بما ليس واجباً، ومن ذلك قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، وقوله تعالى في آية أخرى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ويُلاحظ من تعريف الإحسان، علاقته الواضحة مع العمل الخيري، حيث أنهما زيادة على الواجب، والعمل بشتى أنواع البرِّ والمعروف غير الواجبة، هو زيادة على الواجب.
في ضوء ذلك, يتبين أن للعمل الخيري ألفاظاً مقاربة له، تحمل في داخلها كل معاني العمل الخيري وكل أنواع البرِّ ،والمعروف، والخير، وتقديم المساعدة للآخرين، والتي تأتي مرتبتها بعد الواجبات، وأن صاحب هذه الأعمال لا ينتظر الجزاء المادي أو الدنيوي وإنما ينتظر الجزاء من رب العالمين وخالق الأرض والسماوات.
مشروعية العمل الخيري
ورد الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تركز على عمل الخير وفعله، حيث جاءت الدلالة على العمل الخيري قي القرآن الكريم والسنة المطهرة بصيغ شتى، بعضها أمر به أو ترغيب فيه، وبعضها مدح لفاعله، وبعضها ثنيٌ على عمل الخير في ذاته، أو على الدعوة إليه، أو التعاون عليه .
فالعمل الخيري إذن خُلق من أخلاق القرآن الكريم وفضيلة من الفضائل التي دعا إليها الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -.
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم
القرآن الكريم يحفل بالكثير من الآيات التي تدل على مشروعية العمل الخيري، والحث عليها وبيان فضلها ، وفيما يلي أهم تلك الأدلة :
1) قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
يقول المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى بدأ بأمر المؤمنين بالركوع والسجود وهما ركنا الصلاة البارزان، ثم يختم الآية بفعل الخير وعمل الخير عامة، بإسداء الخير إلى الناس من بر وصلة وإحسان وسائر مكارم الأخلاق، لكي يحققوا السعادة في الدنيا والآخرة.
2) قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )، وقوله جلّ في علاه : ( وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ).
” فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ” في الآية الأولى: أي بادروا في تسابق فعل الخير والطاعات والإكثار منها، وفي هذه الآية أيضاً حث على المبادرة إلى الأولوية والأفضلية، وكذلك المقصود ” وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ” في الآية الثانية عند المفسرين : أي يرغبون ويبادرون ويسارعون إلى عمل الخير خشية أن يفوتهم ذلك العمل قبل معاجلتهم مناياهم.
3) قوله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (5).
هذه الآية خاصة في بيان علاقة صلاح النية بالعمل الخيري. كما أن في هذه الآية الكريمة “الصدقة ” تشمل الواجبة والمستحبة، و” المعروف ” هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البرِّ والخير، ” أو إصلاح بين الناس ” هو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين ، بما أباح الله الإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة.
فالعمل الخيري لا تخرج أبعاده وأنشطته وبرامجه عن هذه المجالات الثلاثة.
4) قوله جلّ ثناؤه: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ).
يقول المفسرون لهذه الآية الكريمة: إن الله يأمر عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وبما أمر الله به وهو البرّ، وترك المنكرات والظلم وهو التقوى.
ثانياً : الأدلة من السنة النبوية
بيّنت السنة الشريفة ووضّحت مجالات العمل الخيري، وحثت على الأعمال الخيرية والصدقة، ومن هذه الأحاديث:
1) عن سعيد بن أبي بردة, عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : « على كل مسلم صدقة » . قالوا: فإن لم يجد قال:« فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق » قالوا : فإن لم يستطع أو لم يفعل قال :« فيعين ذا الحاجة الملهوف »، قالوا: فإن لم يفعل قال: « فيأمر بالخير » ،أو قال:« بالمعروف »، قالوا: فإن لم يفعل قال :« فيمسك عن الشر، فإنه له صدقة ».
يُلاحظ من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أراد تربية المؤمن على عمل الخير، إذ أن صور الخير عديدة : كالتصدق على المحتاجين، ومساعدة الضعفاء وإغاثة الملهوفين وغيرها من صور عمل الخير.
2) عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال: « من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ».
يتضح من خلال هذا الحديث النبوي الشريف الحث على مجموعة الأمور النافعة للفرد ولمجتمعه، والتي تدخل في مجال العمل الخيري كتقديم المسلم العون والمساعدة لأخيه المسلم ابتغاء وجه الله.
3) عن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : « كل سُلامَى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، يعدل بين الاثنين صدقة ، ويُعين الرجل على دابته ، فيحمل عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة ».
يُحّفز ويُرغّب ويحث هذا الحديث على عمل الخير، ويربي المسلمين على أن يكونوا مميزين في أعمالهم بين الأمم،وذلك يحثِّهم على أفعال خيّرة تخدم المجتمع، وعدم الاستهانة بالعمل القليل حتى الكلمة الطيبة التي تعتبر عملا قليلا،تُعد صدقة وعملا خيريا.
4) عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:« إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة:إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
في هذا الحديث ترغيب في عمل الخير وتأسيس للخير والدعوة إلى الخير، وأن عمل الخير وثوابه دائم غير منقطع لا في الدنيا ولا في الآخرة ، حيث يود الكثير من الناس أن تستمر أعمال الخير التي يقومون بها، حتى بعد مغادرتهم لهذه الدنيا الفانية، ومن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله الصدقة الجارية ،التي تتمثل في الوقف الخيري، والتي حثّ عليها الحديث الشريف ورغّب بها.
من خلال استقرائنا لما سبق من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، والتي هي نموج لآيات وأحاديث كثيرة، نستطيع القول بأن الإسلام حثّ الفرد المسلم على الأعمال الخيرية، وأعطى لمفهوم الخير حيّزاً كبيراً في حياة الفرد، وضرب أمثلة كثيرة على الأعمال والأنشطة الخيرية على أنها من الصدقات التي يتصدّق بها المسلم على نفسه، فتقديم الصدقات إلى المعوزين والمحتاجين، وإماطة الأذى عن الطريق، وإعانة الضعيف وإغاثة المستغيث، وتفريج المكروب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى الكلمة الطيبة والابتسامة في وجه المسلم، كلها من أبواب الخير وأعمال الخير .
أهمية العمل الخيري في الإسلام
جاءت الشريعة الإسلامية الغراء ببيان أهمية العمل الخيري وبيان صوره، حيث أفردَ علماء الإسلام وفقهاؤه الأفذاذ أبواباً في كتب الفقه، تبيّن الأحكام التفصيلية الكثيرة للأعمال الخيرية لأهميتها، فأفردوا باباً في بيان:
أحكام الكفالة، وأحكام الوكالة ، وأحكام الوديعة، وأحكام الهبة، وأحكام الوصية، وغيرها من الأحكام التي أفردوا لها أبواباً في كتبهم وذلك لأهمية هذا العمل في الإسلام .
والمتتبع للتاريخ الإسلامي يلاحظ أهمية العمل الخيري، وذلك من خلال أثر الأعمال والأنشطة الخيرية في الحياة العامة للمجتمع الإسلامي الأول، الذي لم ينهض بدوره الحضاري إلا بفضل الأعمال الخيرية التي كان يبذلها أفراد المجتمع. فمثلاً كان من غير الممكن أن يحرز المجتمع الإسلامي عبر التاريخ ذلكم التقدم المذهل لولا وجود الوقف الخيري، على كافة الأصعدة والمستويات (كالتعليم والصحة والبنيات التحتية ).
وتتعدد أهمية العمل الخيري في حياة كل من الفرد والمجتمع المسلم، في جوانب كثيرة من أهمها الآتي:
1) أنه امتثال لأمر الله تعالى في التعاون على البرِّ والتقوى والسعي إلى إعانة المحتاجين الذي أمر الله به في أكثر من آية وحديث، وأنه ميدان خصب للسعادة في الدنيا والأجور العالية في الآخرة.
2) أنه سبب سعادة المجتمع، واستقرار أركانه، وتكاتف سكانه، ففيه حل للمشكلات والمعضلات التي قد يمر بها بعض أفراد المجتمع، وفيه تقوية الأواصر وتبادل الحب
والدعاء بدل نشر الكراهية والعداء، وفيه التكاتف والتراحم بدل التباعد والتنافر، وفيه أيضاً إتاحة الفرصة للغني حتى يستمر عمله الخيري ولا ينقطع بموته.
3) من آثاره تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي لدى أفراد المجتمع، ويعود على الفقراء بفوائد مالية تتمثل فيما تقدمه المشاريع الخيرية لهم من خدمات ترفع من مستواهم المعيشي،وتساعد في حل مشاكلهم، وتغنيهم عن المسألة، وذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية، مع تجسيد مبدأ التكاتف والتكافل الاجتماعي فيما بينهم .
صور ونماذج من العمل الخيري في صدر الإسلام
لاشك أن العمل الخيري قديم قدم الإنسان نفسه، ولكنه أخذ العديد من الصور والكثير من الأشكال والطرق التي يؤديها، وكان للعرب باع طويل في هذا المجال فرغم الصراعات والحروب الطاحنة،التي كانت سائدة بين القبائل إلا أن الشهامة والشجاعة في إنقاذ المصاب وإغاثة الملهوف والأخذ بيد الضعيف كانت من الصفات النبيلة التي يتمتع بها العرب في ذاك الزمان، حتى جاء الإسلام ليؤكد على هذه المعاني ويعلي من شأنها وغدا التعاون والتكافل سمة تتمتع بها الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان. وإليك بعض النماذج الاسلامية في عمل الخير في صدر الإسلام:
1- عن جابر- رضي الله عنه-: أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، ثم سأله آخر فأعطاه، ثم أتاه آخر فسأله فوعده، ثم أتاه آخر فسأله فوعده، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله سئلت فأعطيت، ثم سئلت فأعطيت، ثم سئلت فوعدت، ثم سئلت فوعدت. فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهها فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال: أنفق يا رسول الله ولا تخف من ذي العرش إقتارا. فقال: « بذلك أمرت» .
2- عن أم بكر بنت المسور قالت:أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة وفي ذوي الحاجة من الناس، وفي أمهات المؤمنين، قالت المسور: فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك. فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف. فقالت: إن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: «لا يحن عليكم بعدي إلا الصابرون» سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
3- عن ابي مسعود – رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس جَهد حتى رأيت الكآبة في وجوه المسلمين، والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق» . فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدقان، فاشترى عثمان أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام، فوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسعة فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما هذا؟». قالوا: أهدى إليك عثمان. قال: فعرف الفرح في وجوه المسلمين والكآبة في وجوه المنافقين، ورأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، يدعو لعثمان دعاء ما سمعته دعا لأحد قبله ولا بعده:«اللهم أعط عثمان اللهم افعل لعثمان.
4- عن ابي هريرة – رضي الله عنه- قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن ابي طالب- رضي الله عنه-، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إنه ليُخرج إلينا العُكّة ليس فيها شيء، فنلعق ما فيها.
5- عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً». قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطولهن يدا، قالت: فكانت أطولهن يداً زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق.
في الحلقة المقبلة من سلسلة مقالاتنا سنكون مع مع حوافز العمل الخيري وشروطه، ومدى الحاجة إليه في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية بإذن الله تعالى. المصدر :
موقع فلسطينيو 48
http://www.pls48.net/default.asp?ID=36701
بقلم : أنس سليمان أحمد اغبارية
بعد ان ابحرنا واياكم في مفهوم العمل الخيري وأشكاله في المجتمع المسلم ، لا بد لنا كما وعدناكم ان نكون مع الألفاظ ذات الصلة بالعمل الخيري ،ومشروعية هذا العمل في الإسلام، وسنكون كذلك مع بعض النماذج والصور المشرقة الناصعة من هذا العمل في صدر الإسلام.
الألفاظ ذات الصلة بالعمل الخيري
أقول وبالله التوفيق : يُعد العمل الخيري موضوعاً مُهماً من موضوعات القرآن الكريم والسنة النبوية، وقد وردت عدة ألفاظ لها صلة بالعمل الخيري منها: التبرع، والتطوع، والإيثار والإحسان.
أولاً: التبرع
لم أجد كلمة “التبرع” في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية، وإنما هناك بعض الآيات القرآنية والكثير من الأحاديث النبوية التي حثت على فعل الخير وعمله.
من هذه الآيات قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )، وقوله تعالى : ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )، فمن خلال هاتين الآيتين الكريمتين نرى أن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بأن يتعاونوا على البرِّ والتقوى مما يجلب محبته، وفي الوقت ذاته ينهاهم عن التعاون على المعاصي التي تجلب سخطه وغضبه ، ويأمرهم سبحانه بالتصدق والصدقة.
لا بد من التنويه ان ، مصطلح التبرعات من المصطلحات الدارجة في فقه المعاملات المالية، تحت مسمى عقود التبرعات.
ويلاحظ أيضاً أن عمل الخير والتبرع متقاربان ومتلازمان في المعنى والفعل، من حيث إنهما بمعنى التفضيل بما لا يجب من غير أن يكون هناك عوض مادي أو معنوي.
ثانيا: التطوع
وقد عُرِّف التطوع في الاصطلاح بأنه: ” الجهد الإداري الذي يقوم به فرد أو جماعة من الناس طواعية واختيار لتقديم خدماتهم للجميع أو الفئات منه، دون توقع لجزاء مادي مقابل جهودهم،سواء كان هذا الجهد مبذولاً بالنفس أو المال “، كما عُرِّف بأنه قيام المسلم بأعمال ونشاطات خيرية مما لا يلزمه، متبرعاً به عن نفسه.
وقد وردت كلمة التطوع في القرآن الكريم في أربع آيات، أما في السنة النبوية فقد وردت كثيراً. من هذه الآيات قوله تعالى:( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) ، وفي قوله تعالى :( قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ )، وقوله سبحانه:( وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا).
نلحظ أن لفظة التطوع تشمل كل أنواع البرِّ والمعروف التي تُعدّ من قبيل الأعمال والأفعال الخيرية.
ثالثاً: الإيثار
لقد عُرِّف الإيثار في اصطلاح الفقهاء هو: أن يُقدِّم ويفضل غيره على نفسه في النفع له.
وقد وردت كلمة الإيثار في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
نلحظ من تعريف الإيثار أن العمل الخيري يتضمن نوعاً من الإيثار، وذلك حينما يقوم الفرد بعملٍ أو نشاط ما، دون أن يكون واجباً أو مفروضاً عليه،عندها يكون قد آثر غيره على نفسه.
رابعاً: الإحسان
كلمة الإحسان ذكرت في القرآن الكريم بمعناها اللغوي، وهو الزيادة عن الواجب والتفضل بما ليس واجباً، ومن ذلك قوله تعالى :( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، وقوله تعالى في آية أخرى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ويُلاحظ من تعريف الإحسان، علاقته الواضحة مع العمل الخيري، حيث أنهما زيادة على الواجب، والعمل بشتى أنواع البرِّ والمعروف غير الواجبة، هو زيادة على الواجب.
في ضوء ذلك, يتبين أن للعمل الخيري ألفاظاً مقاربة له، تحمل في داخلها كل معاني العمل الخيري وكل أنواع البرِّ ،والمعروف، والخير، وتقديم المساعدة للآخرين، والتي تأتي مرتبتها بعد الواجبات، وأن صاحب هذه الأعمال لا ينتظر الجزاء المادي أو الدنيوي وإنما ينتظر الجزاء من رب العالمين وخالق الأرض والسماوات.
مشروعية العمل الخيري
ورد الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تركز على عمل الخير وفعله، حيث جاءت الدلالة على العمل الخيري قي القرآن الكريم والسنة المطهرة بصيغ شتى، بعضها أمر به أو ترغيب فيه، وبعضها مدح لفاعله، وبعضها ثنيٌ على عمل الخير في ذاته، أو على الدعوة إليه، أو التعاون عليه .
فالعمل الخيري إذن خُلق من أخلاق القرآن الكريم وفضيلة من الفضائل التي دعا إليها الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -.
أولاً: الأدلة من القرآن الكريم
القرآن الكريم يحفل بالكثير من الآيات التي تدل على مشروعية العمل الخيري، والحث عليها وبيان فضلها ، وفيما يلي أهم تلك الأدلة :
1) قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
يقول المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة: إن الله تعالى بدأ بأمر المؤمنين بالركوع والسجود وهما ركنا الصلاة البارزان، ثم يختم الآية بفعل الخير وعمل الخير عامة، بإسداء الخير إلى الناس من بر وصلة وإحسان وسائر مكارم الأخلاق، لكي يحققوا السعادة في الدنيا والآخرة.
2) قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )، وقوله جلّ في علاه : ( وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ).
” فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ” في الآية الأولى: أي بادروا في تسابق فعل الخير والطاعات والإكثار منها، وفي هذه الآية أيضاً حث على المبادرة إلى الأولوية والأفضلية، وكذلك المقصود ” وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ” في الآية الثانية عند المفسرين : أي يرغبون ويبادرون ويسارعون إلى عمل الخير خشية أن يفوتهم ذلك العمل قبل معاجلتهم مناياهم.
3) قوله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (5).
هذه الآية خاصة في بيان علاقة صلاح النية بالعمل الخيري. كما أن في هذه الآية الكريمة “الصدقة ” تشمل الواجبة والمستحبة، و” المعروف ” هو كل ما أمر الله به أو ندب إليه من أعمال البرِّ والخير، ” أو إصلاح بين الناس ” هو الإصلاح بين المتباينين أو المختصمين ، بما أباح الله الإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه الألفة واجتماع الكلمة.
فالعمل الخيري لا تخرج أبعاده وأنشطته وبرامجه عن هذه المجالات الثلاثة.
4) قوله جلّ ثناؤه: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ).
يقول المفسرون لهذه الآية الكريمة: إن الله يأمر عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وبما أمر الله به وهو البرّ، وترك المنكرات والظلم وهو التقوى.
ثانياً : الأدلة من السنة النبوية
بيّنت السنة الشريفة ووضّحت مجالات العمل الخيري، وحثت على الأعمال الخيرية والصدقة، ومن هذه الأحاديث:
1) عن سعيد بن أبي بردة, عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : « على كل مسلم صدقة » . قالوا: فإن لم يجد قال:« فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق » قالوا : فإن لم يستطع أو لم يفعل قال :« فيعين ذا الحاجة الملهوف »، قالوا: فإن لم يفعل قال: « فيأمر بالخير » ،أو قال:« بالمعروف »، قالوا: فإن لم يفعل قال :« فيمسك عن الشر، فإنه له صدقة ».
يُلاحظ من هذا الحديث النبوي الشريف أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أراد تربية المؤمن على عمل الخير، إذ أن صور الخير عديدة : كالتصدق على المحتاجين، ومساعدة الضعفاء وإغاثة الملهوفين وغيرها من صور عمل الخير.
2) عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال: « من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ».
يتضح من خلال هذا الحديث النبوي الشريف الحث على مجموعة الأمور النافعة للفرد ولمجتمعه، والتي تدخل في مجال العمل الخيري كتقديم المسلم العون والمساعدة لأخيه المسلم ابتغاء وجه الله.
3) عن أبى هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : « كل سُلامَى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس ، يعدل بين الاثنين صدقة ، ويُعين الرجل على دابته ، فيحمل عليها ، أو يرفع عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة ».
يُحّفز ويُرغّب ويحث هذا الحديث على عمل الخير، ويربي المسلمين على أن يكونوا مميزين في أعمالهم بين الأمم،وذلك يحثِّهم على أفعال خيّرة تخدم المجتمع، وعدم الاستهانة بالعمل القليل حتى الكلمة الطيبة التي تعتبر عملا قليلا،تُعد صدقة وعملا خيريا.
4) عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:« إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة:إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
في هذا الحديث ترغيب في عمل الخير وتأسيس للخير والدعوة إلى الخير، وأن عمل الخير وثوابه دائم غير منقطع لا في الدنيا ولا في الآخرة ، حيث يود الكثير من الناس أن تستمر أعمال الخير التي يقومون بها، حتى بعد مغادرتهم لهذه الدنيا الفانية، ومن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله الصدقة الجارية ،التي تتمثل في الوقف الخيري، والتي حثّ عليها الحديث الشريف ورغّب بها.
من خلال استقرائنا لما سبق من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، والتي هي نموج لآيات وأحاديث كثيرة، نستطيع القول بأن الإسلام حثّ الفرد المسلم على الأعمال الخيرية، وأعطى لمفهوم الخير حيّزاً كبيراً في حياة الفرد، وضرب أمثلة كثيرة على الأعمال والأنشطة الخيرية على أنها من الصدقات التي يتصدّق بها المسلم على نفسه، فتقديم الصدقات إلى المعوزين والمحتاجين، وإماطة الأذى عن الطريق، وإعانة الضعيف وإغاثة المستغيث، وتفريج المكروب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى الكلمة الطيبة والابتسامة في وجه المسلم، كلها من أبواب الخير وأعمال الخير .
أهمية العمل الخيري في الإسلام
جاءت الشريعة الإسلامية الغراء ببيان أهمية العمل الخيري وبيان صوره، حيث أفردَ علماء الإسلام وفقهاؤه الأفذاذ أبواباً في كتب الفقه، تبيّن الأحكام التفصيلية الكثيرة للأعمال الخيرية لأهميتها، فأفردوا باباً في بيان:
أحكام الكفالة، وأحكام الوكالة ، وأحكام الوديعة، وأحكام الهبة، وأحكام الوصية، وغيرها من الأحكام التي أفردوا لها أبواباً في كتبهم وذلك لأهمية هذا العمل في الإسلام .
والمتتبع للتاريخ الإسلامي يلاحظ أهمية العمل الخيري، وذلك من خلال أثر الأعمال والأنشطة الخيرية في الحياة العامة للمجتمع الإسلامي الأول، الذي لم ينهض بدوره الحضاري إلا بفضل الأعمال الخيرية التي كان يبذلها أفراد المجتمع. فمثلاً كان من غير الممكن أن يحرز المجتمع الإسلامي عبر التاريخ ذلكم التقدم المذهل لولا وجود الوقف الخيري، على كافة الأصعدة والمستويات (كالتعليم والصحة والبنيات التحتية ).
وتتعدد أهمية العمل الخيري في حياة كل من الفرد والمجتمع المسلم، في جوانب كثيرة من أهمها الآتي:
1) أنه امتثال لأمر الله تعالى في التعاون على البرِّ والتقوى والسعي إلى إعانة المحتاجين الذي أمر الله به في أكثر من آية وحديث، وأنه ميدان خصب للسعادة في الدنيا والأجور العالية في الآخرة.
2) أنه سبب سعادة المجتمع، واستقرار أركانه، وتكاتف سكانه، ففيه حل للمشكلات والمعضلات التي قد يمر بها بعض أفراد المجتمع، وفيه تقوية الأواصر وتبادل الحب
والدعاء بدل نشر الكراهية والعداء، وفيه التكاتف والتراحم بدل التباعد والتنافر، وفيه أيضاً إتاحة الفرصة للغني حتى يستمر عمله الخيري ولا ينقطع بموته.
3) من آثاره تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي لدى أفراد المجتمع، ويعود على الفقراء بفوائد مالية تتمثل فيما تقدمه المشاريع الخيرية لهم من خدمات ترفع من مستواهم المعيشي،وتساعد في حل مشاكلهم، وتغنيهم عن المسألة، وذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية، مع تجسيد مبدأ التكاتف والتكافل الاجتماعي فيما بينهم .
صور ونماذج من العمل الخيري في صدر الإسلام
لاشك أن العمل الخيري قديم قدم الإنسان نفسه، ولكنه أخذ العديد من الصور والكثير من الأشكال والطرق التي يؤديها، وكان للعرب باع طويل في هذا المجال فرغم الصراعات والحروب الطاحنة،التي كانت سائدة بين القبائل إلا أن الشهامة والشجاعة في إنقاذ المصاب وإغاثة الملهوف والأخذ بيد الضعيف كانت من الصفات النبيلة التي يتمتع بها العرب في ذاك الزمان، حتى جاء الإسلام ليؤكد على هذه المعاني ويعلي من شأنها وغدا التعاون والتكافل سمة تتمتع بها الشعوب العربية والإسلامية في كل مكان. وإليك بعض النماذج الاسلامية في عمل الخير في صدر الإسلام:
1- عن جابر- رضي الله عنه-: أن رجلا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، ثم سأله آخر فأعطاه، ثم أتاه آخر فسأله فوعده، ثم أتاه آخر فسأله فوعده، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله سئلت فأعطيت، ثم سئلت فأعطيت، ثم سئلت فوعدت، ثم سئلت فوعدت. فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهها فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال: أنفق يا رسول الله ولا تخف من ذي العرش إقتارا. فقال: « بذلك أمرت» .
2- عن أم بكر بنت المسور قالت:أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة وفي ذوي الحاجة من الناس، وفي أمهات المؤمنين، قالت المسور: فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك. فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف. فقالت: إن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: «لا يحن عليكم بعدي إلا الصابرون» سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.
3- عن ابي مسعود – رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس جَهد حتى رأيت الكآبة في وجوه المسلمين، والفرح في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق» . فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدقان، فاشترى عثمان أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام، فوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسعة فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما هذا؟». قالوا: أهدى إليك عثمان. قال: فعرف الفرح في وجوه المسلمين والكآبة في وجوه المنافقين، ورأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قد رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، يدعو لعثمان دعاء ما سمعته دعا لأحد قبله ولا بعده:«اللهم أعط عثمان اللهم افعل لعثمان.
4- عن ابي هريرة – رضي الله عنه- قال: كان خير الناس للمساكين جعفر بن ابي طالب- رضي الله عنه-، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إنه ليُخرج إلينا العُكّة ليس فيها شيء، فنلعق ما فيها.
5- عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً». قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطولهن يدا، قالت: فكانت أطولهن يداً زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل بيدها وتصدّق.
في الحلقة المقبلة من سلسلة مقالاتنا سنكون مع مع حوافز العمل الخيري وشروطه، ومدى الحاجة إليه في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية بإذن الله تعالى. المصدر :
موقع فلسطينيو 48
http://www.pls48.net/default.asp?ID=36701
أحدث التعليقات