مقال :الإدارة التسويقية (5) التقنيّة النفّاثة الخطيرة! – رامي عنابوسي -و- مجدي كتاني

الإدارة التسويقية (5) التقنيّة النفّاثة الخطيرة!

بقلم : رامي عنابوسي ومجدي كتاني

وقبل مباشرة عرض أنجع الوسائل التسويقية نتوجّه بطلب شخصي يخدم مجتمعنا العربي ككل ويشكّل لبنةً في الصرح الاقتصادي الشامخ الذي تطمح جمعية إعمار إلى تأسيسه في وسطنا العربي, أن ترسل إلينا تعليقاتك أو مقتراحاتك أو تساؤلاتك حول المواضيع المطروحة وحيال موضوع التسويق خاصّة كي تتكلّل مساعينا في تحويل النظريات العالميّة فيأساليب الإدارة الحديثة” إلى تطبيقات تلائم بشكل مثاليّ خصوصيّة واقع وسطنا العربي المعقّد, وذلك عبر التواصل مع الجمعيّة من خلال بريدها الالكتروني info@eamaar.org أو موقعها على الشبكة.

إن أنجع وأقوى الوسائل التسويقية التي يتفق عليها جميع الخبراء والاقتصاديين والمحللين في مجال التسويق هي “التسويق من الفم إلى الأذن”, وهي الوسيلة التي تتبنّاها كبريات الشركات العالميّة خاصّة في عصر الفيسبوك الجديد وسنكشف لك معطيات مذهلة عن نتائج هذه التقنيّة النفاثّة التي تنفث سحرها وتنشره بلا حدود !
هذه التقنيّة خطيرة للغاية وأيّ خطأ في استخدامها سيكون له أثر سلبي نفّاث قد لا يتوقّف حتّى بعد توقّف نبض المصلحة ودمارها الشامل وقد تلاحق لعنتها أصحاب المصلحة في أيّ مشروع جديد, ولكي تنجح في استخدام هذه التقنيّة وقطف ثمارها “يجب” أن تكون سلعتك أو منتجك أو خدمتك بمستوى منافس ومقبول (ولا يشترط الأفضل). فإن كانت سلعتك أو منتجك أو خدمتك بمستوى متدنٍ ولست تسعى أن ترقي بها في سلّم الإتقان فلعلمك قد بدأ سمّ التقنيّة ينفث وينخر في أساسات المصلحة ولن يتوقّف ما لم تغيّر وتبدّل.
فالإتقان هو عماد أساسيّ في الاقتصاد الإسلامي تبيّنه الوصايا النبوية من خلال الحثّ على الإتقان والإحسان “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” وَ “إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء”, وعبر الوعيد الشديد من الغشّ “من غشنا فليس منا”, فأي غشّ أو غبن أو عدم التزام بالمواعيد أو عدم وفاء بالعهود والعقود سيجعل من محاولة تطوير مصلحتك عمليّة غير مجدية ولا مربحة وإن بدا لك الأمر لوهلة غير ذلك !
أما إذا كنت متقنا في عملك غير غاش لزبائنك فلتتعلم معنا بنود تقنيّة التسويق “من الفم إلى الأذن“:
(1)
القاعدة الأولى: هدف هذه التقنيّة أن يتمّ إعلان وجود مصلحتك ونشر ميزات منتجك وإتقان خدمتك وأفضلية سلعتك على مستوى العالم أو القطر أو الدولة أو الوسط العربي أو البلد وحتّى على مستوى زبائنك الحاليّين, حيث أنّ نشر مثل هذه الأمور بين أوساط زبائنك من شأنها أن تؤدي إلى زيادة فورية في مبيعاتك وأرباحك.
(2)
القاعدة الثانية: بخلاف التسويق الاعتيادي الذي هو كرّ وفرّ وينتهي أثره مع وصول رسالتك إلى الزبون فإن تقنيّة التسويق من الفم إلى الأذن له أثر نفّاث وسريع ويتدحرج ككرة الثلج المتعاظمة لا يقف عند زبون ولا يعترف بحدود ويشبه انتقاله فعل “الدومينو” في اكتساحه, والسبب في ذلك أن الرسالة التسويقية تصل وتنتقل من معرفة إلى معرفة ومن ثقة إلى ثقة وليس من صاحب المنتج المنتفع ! فتجد الزبون أكثر قناعة وأكثر ثقة ونقله للمعلومة أكثر مباشرة وأكثر موضوعيّة !
(3)
القاعدة الثالثة: تقنيّة التسويق من الفم إلى الأذن مهمّة وناجعة لدى جميع أنواع المصالح ذات المنتج المنافس والخدمة المتقنة وأهميته تتضاعف لدى المصالح الحاضرة على الشبكة العنكبوتيّة (الانترنت) إذ أنّ نقل المعلومات والرسائل عبر الشبكة يكون سريعاً وواسعاً ويمكن استغلاله لتقدّم مصلحتك بخطوات أسرع ممّا تحلم وتتوقّع, مع ذلك فالتسويق الانترنتي ليس موضوع مقالتنا وسنتطرق إليه في مقالة خاصة.
(4)
القاعدة الرابعة: تقنيّة التسويق من الفم إلى الأذن هو كالفيروس الذي ينتشر في الجسم بحيث لا يسهل وقف انتشاره من جهة وكلما مرّ وقت أكثر كلما تمكّن وتشعّب أكثر فأكثر, وبما أن الشخص الذي وصلته مواصفات منتجك وميزات سلعتك وجودة خدمتك وتلبيتها لاحتياجات ورغبات من يثق بهم وبالشكل الذي أرضاهم, فأنت لم تقم فقط بنشر وتسويق سلعتك وخدمتك ومنتجك بل قمت من حيث لا تشعر بتتويجها ملكة تتربّع عرش السلع والمنتجات والخدمات المتفوّقة في سوقك, فبضربة واحدة حقّقت تسويقاً مثاليّاً لمصلحتك وقطعت من الجهة الأخرى طريق التسويق على منافسك.
(5)
القاعدة الخامسة: تذكّر مرّة أخرى أنّ هذه التقنية هي سلاح ذو حدّين ! وبالقدر الذي تنتشر فيه السمعة الجيّدة فالسمعة السيّئة أسرع انتشاراً وأشدّ فتكاً, ولو راجعت حساباتك لربّما وجدت مصلحتك بالفعل تعاني ذلك !
(6)
القاعدة السادسة: قاعدة يغفل عنها كثير من رجال الأعمال وأصحاب المصالح رغم أهميتها ومركزيتها في الخطط التسويقيّة بل ويغفل عنها كثير من الاستشاريين في مجال مرافقة وتطوير المصالح والشركات, وهي:
الزبائن لا يشترون المنتج الأفضل (ولو صرّحوا بأنهم يفعلون ذلك) ولا يدفعون أكثر مقابل المنتج الأفضل (ولو أكّدوا أنهم إنّما يقومون بذلك) وإنما يشترون ويدفعون مقابل المنتج الذي يعتقدون أنه هو الأفضل
وتشير جميع الدراسات والأبحاث المحلية والعالمية أنّ الاعتقاد بأفضلية المنتج مبنية في الأساس على معتقد الآخرين والمعلومات التي وصلت إليهم عبر أناس جرّبوا المنتج وأعربوا عن رضاهم نحوه وقدّموا توصياتهم الحارّة بشأنه.
هذه القاعدة مهمّة جدّاً لنا في الوسط العربي مع ما نواجهه من ضغوطات وتعقيدات وتأثيرات خارجيّة وداخليّة لا يسع المقام لعرضها, ولكن بسببها تجد رجل الأعمال وصاحب المصلحة العربيّة محبط أساساً ويائس من مجرّد محاولة منافسة المنتج اليهودي أو الأجنبي مثلاً وتراه يدرج منتجه في مؤخّرة سلم الأفضليّة ويحاول قدر الإمكان أن يقضم حصّة مصغّرة من السوق مكتفياً بهذا الإنجاز كغاية ! لأنّه غير مؤمن ولا واثق بقدراته وإمكاناته وطاقاته الكامنة !
ونعرض بين يديك مثالاً يؤكد لك ما تدّعيه الأبحاث:
ففي تجارب تذوّق علمية ومراقبة برعاية جامعات ومعاهد عالمية وبدول مختلفة تمت المقارنة بين طعم كوكاكولا وطعم بيبسي, طبعاً دون كشف هويّة العيّنة للطاعمين الممتحنين, وتفاجئك النتائج في كلّ (ونؤكد كلّ) الدراسات المذكورة حيث كان طعم بيبسي هو الأفضل من طعم كوكاكولا, أفضلية ساحقة في بعض الدول ونسبيّة في بعضها الآخر !
وماذا تقول لو علمت أن هذا الفحص أجري أيضاً في البلاد والنتيجة كانت أفضلية واضحة لبيبسي, ولكن لم تترجم هذه الأفضليّة على أرض الواقع ! فكوكاكولا تسيطر اليوم على 70% من سوق المشروبات الغازيّة وبيبسي على 7% فقط وآرسي 20% وباقي الماركات تشكّل 3%.
وهل تعلم أن مشروب “بريجات” يحتل اليوم المرتبة الأولى في المشروبات الغير غازية لا لطعمه ولا لجودته ولكن بسبب التسويق الذهبي النفّاث المذكور الذي تقوم به الشركة المسوقة التي هي نفسها شركة كوكاكولا والتي تبنّت تسويق “بريجات” بنفس الأسس التسويقية التي تتقنها.
وعلى الرغم من عدم أفضلية منتج كوكاكولا على غيره فإنه يباع بسعر أعلى من غيره وأرباح الشركة أكبر ومسوقيها يجنون القليل رغماً عنهم لأنّ الزبون قرّر أنّ يشتريه لأنّه يعتقده الأفضل ! ولا شكّ أنك التقيت بعض الناس ممّن يتعفّفون عن شرب مشروب آخر غير كوكاكولا الأفضل برأيهم !
فما سبب هذا الإقبال وهذا النجاح الكاسح؟
من المؤكّد أنك تحدث نفسك الآن بأنّ السبب هو الدعاية المتواصلة التي تمارسها شركة كوكاكولا وليس تقنيّة التسويق من الفم إلى الأذن. لكنّ شركة كوكاكولا بنفسها تعترف وتقرّ أن تسويقها الأساسي يعتمد التسويق من الفم إلى الأذن وأن جلّ أموالها التسويقية موجّهة إلى هذا الجانب من خلال المجموعات الانترنية والفورطالات الاجتماعيّة, تقوم عن طريقها ببثّ شهادات استمتاع أناس حقيقيين ووهميين بطعم الكوكاكولا الذي لا يقاوم.
ولنؤكّد لك ذلك أكثر فإن بيبسي التي تحتل 7% فقط من سوق المشروبات الغازية في البلاد عامّة, فإنّها تكاد تكون معدومة الوجود مثلاً في منطقة المثلث أمّا لدى عرب الشمال الأقصى فإنها تعتبر المنتج الأول بلا منازع, ونخمّن من خلال اطّلاعنا – دون دراسة إحصائيّة دقيقة- أنهّا تسيطر هناك على ما لا يقلّ عن 70% من سوق المشروبات الغازية, ليس بسبب التسويق والدعاية التلفزيونيّة أو اللافتات أو الصحف وغيرها بل لانتشار رسائل تفضّلها على غيرها بين أهل تلك المنطقة بتخطيط من بيبسي أو بدون علم بيبسي أصلاً.
فالذي يبيع أكثر هو ليس الأفضل بل هو من يظنّ الناس أنه الأفضل, ولكي تسيطر على ظنون الناس لا بدّ لك من اعتماد القاعدة الذهبية النفاثة في التسويق وهي التسويق من الفم إلى الأذن.
ومن هنا عجبنا وألمنا الشديدان حيال منتجات عربية متقنة ومنافسة ومربحة تشرع شركات عربية بتسويقها لأمد بسيط ولكن سرعان ما تفقد من الأسواق فجأة, لا لسبب إلا لأن صاحب المصلحة وللأسف لا زال يوجّه مصلحته بطرق تقليديّة ولّت بعد أن أكل عليها الدهر وشرب. فالسنين الأخيرة شهدت منتجات عربية كثيرة لا يسع المقام لذكرها من أطعمة ومشروبات وأجهزة ومستحضرات, اندثرت كأنْ لم تكن لأنّ صاحب المنتج لم يؤمن بتفوّقه وفي الغالب لأنّه لم يكرّس هذا التفوّق بحكمة من خلال التسويق الذكي الذهبيّ النفّاث!

المصدر :

فلسطينيو 48 –  www.pls48.net