بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: عزيزي القارئ، إن فكرت في اختبار مشروعية معاملاتك المالية، حاول الإجابة على الأسئلة التالية:
(1) هل يتحقق في تلك المعاملات تمام الرضا؟؟
وهل برئت هذه المعاملات من عيوب الإرادة؛ فالمعاملة المشروعة لا إكراه فيها، ولا إلجاء، ولا اضطرار، إذ الرضا ركن العقد الركين، قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض” وقال النبي r : ” إنما البيع عن تراض “.
(2) هل تتحقق في المتعاقدين الأهلية الشرعية للتصرفات المالية ؟؟
وشرط ذلك، استكمال الأهلية المعرفية (الرشد) ويعرف ذلك بالبلوغ أو التمييز والعقل، فلا يعتد بتصرفات القاصر والمجنون والسفيه. كما ينبغي استكمال الأهلية الحقوقية، وهي أن يلي العقد (مالك) المال أو من ينوب عنه شرعاً، مثل الولي والقيم والوكيل، إذ لا يعتد بتصرف الغاصب والفضولي.
(3) هل تتحقق “المالية” في المعقود عليهما ؟؟
فلا بد أن يكون محل العقد مالاً، وكل ما ليس كذلك فلا يجوز التعاقد عليه، مثل الميتات والخمر والخنزير وعموم المسكرات وعموم المخدرات ووسائل اللهو وأدواته، وما كان عقداً على مخاطرة غير معتبرة مثل الميسر والرهان. وكذا الحال في الاجارات، فلا بد أن تطيب الخدمة حتى يحل التعاقد عليها، فلا يحل التعاقد على خدمة الكهانة أو على البغاء، فقد ورد نهيه r عن حلوان الكاهن ومهر البغي.
(4) هل تحققت المعرفة التامة بمحل العقد، وبكل ما له صلة بالعقد ؟؟
إذ لا تحل معاملة فيها غرر – يستوي في ذلك غرر الوجود وغرر الحدود- أو تغرير أو تدليس أو غش أو خلابة، وكل نواقض المعرفة لها هذا الحكم؛ فمن جهل قد يرضى بما لم يكن يرض به لو علم.
(5) هل سلمت المعاملة من الربا بكل صنوفه ؟؟
فقد حرم الشارع ربا النسيئة، وهو الزيادة المشروطة على أصل ما ثبت في الذمة نظير التأجيل. وحرم ربا الصرف، وهو تأجيل قبض أحد البدلين عند بيع النقود بالنقود، فلا يحل الصرف إلا بالتقابض الفوري يداً بيد (دون أي فاصل زمني)، لا خيار فيه ولا أجل.
كما حرم الشارع ربا الفضل، وهو الزيادة في أحد العوضين محل العقد، إذْ يشترط تماثلها قدراً، بل يشترط التيقن من هذا التماثل فلا يباع الربوي بجنسه جزافاً، إذْ الجهل بالمماثلة كالعلم بالمفاضلة.
(6) هل تحققت مشروعية النية أو المقصد أصلاً ؟؟
إذْ البواعث والنيّات هي الأصل عند البت في مشروعية المعاملة: ” إنما الأعمال بالنيات “، وعلى هذا كانت القاعدة الفقهية: “العبرة في العقود للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني”؛ فان تطابقت نية المتعاقد مع مقصد العقد وآثاره، سلمت المعاملة، وإلا … فلا، كما هو الحال في عموم الحيل المحرمة، مثل بيع العينة ونكاح المحلل وهدية المتهرب من الصدقة ووصية المشرف على الموت، فهذه عقود صحيحة المبنى ولكن النية التي استهدفت بها غير صحيحة، لذا لم يلتفت الشرع إلى كمال المبنى، مع غياب الشرط الضروري للمشروعية، ألا هو سلامة النية؛ فنية المتعاقدين في البيع هي تمليك المبيع للمشتري وتمليك الثمن للبائع، أما نية المتعاقدين في بيع العينة فهي إمرار القرض الربوي من مبنى البيع، فبطل البيع لهذه النية الفاسدة.
(7) هل سلمت مئآلات المعاملة ونتائجها العملية ؟؟
لا يكفي أن تكون النية مشروعة، وأن يكون مبنى العقد صحيحا، لتحقق كمال المشروعية ونجوزها، إنما يلزم بعدُ، النظر في مئآلات المعاملة ونتائجها؛ فإن آلت إلى واقع مشروع وانتجت مصلحة مشروعة، تمت مشروعيتها ونجزت، وإن آلت إلى حرام أو مفسدة أو ضرر بيَن، حكم بعدم مشروعيتها، ولو كانت سليمة الباعث وسليمة المبنى، إذْ من القواعد المعتبرة في النظر الشرعي مراعاة المناط الخاص وتقديمه على المناط العام، لذلك يحكم بدفع الضرر ولو لم ينوي المتسبب فعله، ولو كان المبنى سليماً، ويدفع الضرر الأشد بالأخف إذا تعارض الضرران، ويقدم دفع المفاسد على جلب المصالح عند التزاحم، وكل هذا يترك للسياسة الشرعية والقضاء، القول الفصل فيه؛ فتقييد المباح أو منعه، هو المتعين شرعا إذا آل الفعل المباح إلى حرام أو مفسدة أو مضارة .
والخلاصة إذا، أنه لا بد من:
سلامة النية أولا
ثم سلامة المبنى ثانيا
ثم سلامة المئآل والنتائج ثالثا
والآن، إذا تمت لك الإجابة على الأسئلة السبعة المتقدمة، يمكنك أن تبتَّ في مشروعية معاملتك. ولعلك تدرك الآن أنه ينبغي أن تستفتي قلبك للتأكد من سلامة نيتك؛ فأنت اعرف الخلق بها، وأن تستفتي الفقه للتأكد من سلامة المبنى وصحته، وان تقف عند قيود السياسة الشرعية؛ فإذا علمت هذا فألزم، رحمك الله وأطاب مطعمك، فأجاب دعوتك،،، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر: http://faculty.yu.edu.jo/SABHANY/default.aspx?pg=47a37d9d-3c14-4291-829e-bd1c6fb7adb8
أحدث التعليقات