بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: تقوم الوساطة المالية المصرفية التقليدية على أساس عقد القرض الربوي، فالمصرف يقترض بفائدة من وحدات الفائض ويقرض بفائدة أعلى منها لوحدات العجز، ومن الفرق بين سعريّ الفائدة يشتق المصرف التقليدي دخله.
إن الفكر الاقتصادي جملةً، والفكر المصرفي تحديداً قد رصد لهذه الوساطة والتمويل المقدم من خلالها، جملة آثار سلبية بالغة الخطورة ومن ذلك:
1- ان التمويل الربوي يؤدي الى تركز الثروة؛ فالأموال في ظل هذه العلاقة العقدية، تسير باتجاه الوحدات التي تكسب دائماً: اعني الوحدات التي تقرض بفائدة، وتنحسر في المحصلة عن وحدات العجز التي تلتزم برد القروض مع الفوائد سواء كانت هذه القروض استهلاكية ام انتاجية، وسواء ربحت هي من استغلال هذه الاموال ام خسرت، فالتمويل الربوي يركز قاعدة الملكية على نحو مؤكد.
2- ان التمويل الربوي يحِّمل الإنتاج تكاليف عقدية باهضة، وهذه التكاليف التي يدفعها المنظم للممول بناء على عقد الربا، يعود فيرحّلها الى المستهلكين عبر الاسعار، وإذا عرفنا ان التمويل مُدخل لا تستغني عنه اي عملية انتاجية، فهذا يعني ان الربا مصدر رئيس من مصادر التضخم الذي ينعت بتضخم دفع الكلفة، ولن تستطيع السلطات النقدية الحد من هذا التضخم وإن استخدمت سعر الفائدة كأداة لتحقيق الاستقرار السعري.
3- ان التمويل الربوي يرحّل كل مخاطر النشاط الاقتصادي الى ثلة من المنظمين، بعد ان يحتاط لمخاطرة الإقراض بالضمانات الكافية، ولأجل ذلك فالنشاط الاقتصادي يكون رهين بحالة التفاؤل أو التشاؤم التي تسيطر على المنظمين، وهو أمر تسبب في دورات الاعمال في احيان كثيرة. ولو انضم التمويل والعمل إلى التنظيم في تحمل مخاطرة النشاط الاقتصادي كما في المشاركة والمضاربة، لكان هذا أكثر أمانا وأدعى لتحقق الأجواء الصحية للاستثمار، وهذا ما جعل المدرسة الإلمانية تقول بالتمييز بين رأس المال الخامل (الربوي) ورأس المال النشيط المحمود. إن الكفاءة الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية تستدعي وجود هذا النوع من رأس المال Venture) (Capital الذي يتحمل المخاطرة.
4- ان التمويل الربوي، تمويل مكلف يحد ولا شك من الابتكار والتجديد؛ فالفائدة كما يقرر (Schumpeter) هي جزية ينتزعها الممول من المبتكر، وبالتالي فهي تعيق دخول المبتكرات في عالم الانتاج.
5- إن التمويل الربوي يمثل عقبة بوجه الاستثمار الحقيقي، والمنظم كما يقرر Keynes يقارن بين كلفة التمويل: سعر الفائدة والكفاءة الحدية للاستثمار أو الربح الذي يتوقع المنظم الحصول عليه من العملية الاستثمارية، وحينما لا يكون الفرق بين الكفاءة الحدية للاستثمار وسعر الفائدة كافيا لإقناع المنظم بالشروع بالاستثمار، فإنه لن يقدم عليه، وهذا يعني ان الفائدة اصبحت قيدا مؤسسيا على الاستثمار الحقيقي والطاقة الانتاجية التي ترتهن به.
6- إن التمويل الربوي ينساب باتجاه الوحدات المليئة والتي تستطيع أن تقدم الضمانات المالية الكافية، أما المستثمر العاجز عن تقديم هذه الضمانات فلن يحصل على التمويل المطلوب ولو كان كفوءا، وهذا يعني ان المال أصبح دُولة بين الاغنياء فقط، وهذا يعني ان التمويل الربوي يسيء تخصيص السيولة.
7- إن التمويل الربوي، يميل الى التمويل قصير الأجل، وهذا يعني ان حظوظ الاستثمار الحقيقي طويل الاجل لا تنافس التوظيفات والتمويلات التجارية القصيرة.
8- إن التمويل الربوي يفتقر الى الكفاءة الاقتصادية، لأنه لا ينطوي على دافع ولا على آلية لإعادة توجيه الموارد المالية إلى حيث الاستخدامات الأكثر جدوى اقتصاديا واجتماعيا؛ فالمكافأة العقدية كما يؤكد (Leftwich) تكرس بقاء المورد حيث هو طالما حصل الممول على تلك المكافأة.
9- إن التمويل الربوي يتسبب بالدورات التي تعصف بالنشاط الاقتصادي، فقد اشار (Wicksell) إلى الاختلاف بين معدل الفائدة الطبيعي ومعدل الفائدة النقدي ودوره في إحداث الدورة التجارية، كما أشار (Friedman) الى المتغير النقدي ودور الاضطراب في تدفقه في تفسير الازمات الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تراجع لفرص النمو وتبديد لها.
وقد وعت المصرفية الاسلامية هذه الاثار أو هكذا صرح المنظرون لها، ووعدت بتقديم الخدمة المصرفية على اسس مغايرة، فقد جاءت المصرفية الإسلامية لتقدم وساطة استثمارية لا وساطة مالية، وادعت الارتكان على أساس المشاركة في المخاطر والمغانم بعيداً عن منطق القرض الربوي. وفي حديثنا اللاحق سنعرج على تقويم هذه الطريحة نظريا وعمليا، وسنعرض تصورا بديلا للاعمال المصرفية على ضوء هذا التقويم.
المصدر: http://faculty.yu.edu.jo/SABHANY/default.aspx?pg=7490a7ab-b127-4408-817f-1a8e6dd0b408
أحدث التعليقات