بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لقد أصبح واضحا أن النظام النقدي الدولاري الذي آلَّ إليه الحال بعد مؤتمر “بريتون وودز”، قد جعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عمليا، بنكاً مركزياً للعالم ومديرا للسيولة الدولية، وأصبح الورق الأخضر الذي يطبعه هذا البنك احتياطياً نقدياً للعملات الوطنية، وعملة قيادية تسعَّر بها المبادلات الدولية، بل وأصبح نقدا ظهيرا للعملات الوطنية المختلفة وإن بدرجات متفاوتة فيما عُرف بظاهرة “الدولرة”.
ونتيجة هذا الواقع صارت الولايات المتحدة تجني، وبلا وجه حق، أرباح عملية الأصدار التي تُملِّكها أصولا حقيقية حول العالم تتناسب وحجم هذه الإصدارات لا لشيء إلا لأن دول العالم قبلت الدولار احتياطيا نقديا وثمنا لصادراتها !!.
وفي تقديري إن هذه المواضعة في العلاقات الدولية تسترت على أكبر عملية قرصنة وأدومها في تاريخ الإجتماع الإنساني، كما وفَّرت للولايات المتحدة آلية كفوءة ترحِّل من خلالها أعباءها التمويلية إلى الآخرين في مفارقة شائنة لتوزيع مغانم الاقتصاد العالمي ومغارمه.
وكان “كينز” قد تقدم إلى بريتون ودوز بمشروع في غاية المنطقية والعملية لنظام نقدي عالمي، يقوم على إيجاد عملة عالمية اسماها “بانكور” توزع أحتياطياتها الابتدائية بعدالة، وتدار دوليا من قبل صندوق النقد الذي كان يُعدُّ لانشائه آنذاك، لكن الولايات المتحدة الأمريكية لم يَرُق لها هذا المشروع فدفعت باتجاه اعتماد مشروع قدّمه ممثلها “وايت” ليصبح بموجبه الدولار اساسا للنظام النقدي العالمي، وفي وقت لاحق إجتهدت في أن تقزّم أداة التسوية الدولية التي استحدثها الصندوق والتي عرفت بـ “حقوق السحب الخاصة S.D.R.“، فلم يسمح لها أن تشكّل نسبة تُذكر في حجم السيولة الدولية.
وهكذا أُحل الدولار نظريا وعمليا محل الذهب في النظام النقدي العالمي، ومن هنا بدأت المأساة المسخرة..!!.
ولا أشك أن النظام النقدي القائم كان أحد الأسباب المهمة للأزمة العالمية المعاصرة، ولا أشك أيضا أن الدعوة الصينية والروسية في التحول التدريجي عن الدولار إلى أي بديل يقترب بنظام النقد العالمي إلى المنطق قد أصابت لُبَّ المشكلة في هذا النظام، لكنها دعوة أفزعت الرئيس الأمريكي لأنه يعلم أن إيجاد عملة دولية واحتياطي بديل يعني حرمان الولايات الأمريكية من أرباح الإصدارات الدولارية الهائلة، ويعني تجريدها من واحدة من أخطر أدوات الهيمنة الأقتصادية التي اتاحها النظام النقدي العالمي منذ اربعينات القرن الماضي حتى اليوم.
ولا أشك في أن العالم يخون مصالحه حين يستكين لهذا الواقع ويضيع فرصة مراجعة النظام النقدي وإصلاحه أو على الأقل تلطيف آثاره خاصة وهو يتلمس آثار تلك الإدارة الأنوية والأنانية التي دفعت العالم إلى جرف الإنهيار الاقتصادي!!.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصدر: http://faculty.yu.edu.jo/SABHANY/default.aspx?pg=5fe508e0-351b-49e5-9031-64a6c2acf785
أحدث التعليقات