تواجه المصارف الإسلامية في حيز التطبيق عدداً من التحديات التي تعيق عملها وتحد من إمكانيات تطويرها، ومن هذه التحديات مشكلة السيولة في المصارف الإسلامية و غياب الاستثمار طويل الأجل.
ويمكن للأدوات المالية الإسلامية أن تساهم في مواجهة هذه التحديات والتخفيف من آثارها على نحو سنبيِّنه في السطور القليلة القادمة.
دور الأدوات الاستثمارية الإسلامية في حل مشكلة السيولة في المصارف الإسلامية
من أبرز التحديات التي تواجهها المصارف الإسلامية مشكلة السيولة بشقيها، إدارة فائض السيولة، ونقص السيولة.
فالمصارف التقليدية تستطيع أن توظف فائض السيولة لديها وذلك من خلال تقديم القروض البينية لليلة واحدة أو أكثر، أو من خلال الأسواق النقدية التي تتوفر فيها أدوات نقدية تلائم طبيعة عمل تلك المصارف.
أما في حالة المصارف الإسلامية فإن الأمر يختلف تماماً فكما هو معلوم، فإن القروض بفوائد لا تجوز لا أخذاً ولا عطاءاً، لذلك لا تستطيع هذه المصارف توظيف الفوائض لديها بهذه الطريقة، كما أنها لا تستطيع توظيفها في الأسواق النقدية وذلك لأن الأدوات في هذه الأسواق تعتمد على الفائدة المحرمة شرعاً.
من هنا تبرز الحاجة إلى أدوات مالية إسلامية تستطيع المصارف الإسلامية من خلالها أن توظف الفائض لديها وفي نفس الوقت تبقي إمكانية تسييلها قائمة وبأقل تكلفة، لذلك فإن الأدوات الاستثمارية الإسلامية تقدم البديل المناسب لهذه المصارف، وحتى تستطيع هذه الأدوات من القيام بدورها لابد من وجود سوق ثانوية للأوراق المالية الإسلامية، فكما هو معروف يزدهر العمل المصرفي بوجود أسواق مالية ثانوية ليتم من خلالها الاستثمار في أصول مالية قصيرة الأجل جداً، والتي تستطيع أن تحوّلها إلى نقد سائل بسرعة كبيرة،
وبتكلفة تحويلية ضئيلة. كما أن هذه الأدوات المالية الإسلامية ستشكل الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه سوق نقدية إسلامية.
أما بالنسبة لمشكلة نقص السيولة فإن المصارف الإسلامية تتعرض لها بسبب اختلاف طبيعة عمل المصارف الإسلامية عن نظيرتها التقليدية، فتنشأ أزمة السيولة من أن المصرف لا يستطيع في إطار المشاركة في الربح والخسارة أن يسترد تمويله ما لم يصل المشروع إلى مرحلة الإثمار الناجح. وذلك أمر بديهي لأن الاستثمار يكون على شكل أصول عينية يصعب تسييلها بسرعة، ولكن في حال تصكيك هذه الاستثمارات فإنه يمكن بيع هذه الأدوات في السوق الثانوية والحصول على السيولة اللازمة.
دور الأدوات الاستثمارية الإسلامية في تفعيل الاستثمار طويل الأجل في المصارف الإسلامية
أن المصارف الإسلامية وإن كانت قد حققت نجاحاً في إيجاد البديل المصرفي الإسلامي، إلاَّ أنها في مجال استخدام هذه الأموال قد ركزت على التمويل قصير الأجل الذي برز من خلال ارتفاع نسبة المرابحات التي تجريها المصارف الإسلامية، والتي انصرفت غالباً إلى قطاع التجارة وذلك على حساب الصيغ التمويلية الأخرى كالمشاركات والمضاربات. ولا يحتاج الأمر إلى بصيرة ثاقبة حتى ندرك أن هذا الدور الذي تؤديه المصارف الإسلامية بهذا الوصف لا يختلف من ناحية اقتصادية عما تقوم به المصارف التقليدية من حيث التركيز على التمويل قصير الأجل، وإهمال التمويل المتوسط وطويل الأجل الذي يسهم فعلاً في تمويل مشاريع اقتصادية تنموية، والتي تفتقر إليها البلدان الإسلامية.
وأشكال التمويل التي تقدمها البنوك الإسلامية هي في معظمها أشكال العوائد الثابتة مثل المرابحة والإجارة والتي هي أيضاً ذات مستوى مخاطرة أقل، بالرغم من أن ذلك يشير إلى مرونة وتكيّف العمل المصرفي لمتغيرات البيئة التي يعمل فيها، إلاَّ أنه يعد انحرافاً في مسيرة العمل المصرفي عما كان متوقعاً له. ولمعالجة هذا الخلل وإعادة التوازن إلى نشاطات البنوك الإسلامية لابد من إحداث تغيير في أساليب التمويل التي يمكن أن تستخدمها هذه البنوك.
ويمكن للأدوات الاستثمارية الإسلامية أن تقدم تمويلاً طويلاً ومتوسط الأجل، حيث يمكن للمصارف الإسلامية أن تعيد التوازن لاستثماراتها من خلال توظيف الأموال المودعة لديها في صكوك استثمارية طويلة الأجل، فليس من الضروري أن تقوم المصارف بعمليات الاستثمار المباشر لهذه الأموال، فوجود الأدوات الاستثمارية الإسلامية ووجود مؤسسات متخصصة في استثمارها سوف يخفف عن المصارف الإسلامية تكاليف دراسات الجدوى والترتيبات الأولية للمشروعات، كما يمكن لهذه الصكوك أن تخفف عبء متابعة المشروع وإدارته طالما أن هناك جهة تتولى توظيف هذه الأموال وإدارتها ومتابعتها.
كما يمكن للمصارف الإسلامية أن تعيد التوازن لنشاطاتها التمويلية وذلك من خلال المساهمة في آلية عمل الصناديق الاستثمارية الإسلامية سواء بطرح فكرة المشروع، أو تقديم دراسة الجدوى لهذه المشاريع، أو تكوين الصندوق وإدارته والمشاركة فيه.
من هنا يمكننا القول أن الأدوات الاستثمارية الإسلامية تشكل ضرورة لدعم وتطوير العمل المصرفي الإسلامي، إن لم تكن جزءا لا يتجزأ منه.
أحدث التعليقات