الرؤية الإسلامية لمفهوم الأمن الإنساني – هايل طشطوش
لقد كان الإنسان وسيبقى هو محور الكون لأنه هو المكلف من قبل الخالق عز وجل بعمارة الكون وتوفير كافة أسباب استمرار الحياة الإنسانية على هذه البسيطة من خلال حثه وأمره من قبل الله عز وجل على العمل وتعبئة الموارد كافة من طبيعية وبشرية ومادية …الخ التي أودعها الله عز وجل في الطبيعة وسخرها لخدمة الإنسان وجعلها طوع بنانه شريطة مراعاة الضوابط والتزام القواعد التي شرطها علية الشارع الحكيم ، وبذلك يكون الإنسان قد وفى بواجبة وقام به حق القيام لأنه يكون قد ضمن أمنه المعاشي على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وقد شكل امن الإنسان بكافة مستوياته الأولوية الأولى لاستمرار الحياة وديمومتها ويتضح ذلك من خلال الآيات الكريمة حيث يقول تعالى :” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ” ، لان الإنسان عندما يشعر بالأمن والطمأنينة فانه يصنع المعجزات ويجتاز كل العقبات .
يقوم مفهوم الإنساني على حماية وصون كرامة الإنسان وتلبية احتياجاته المادية والمعنوية وتحريره من الخوف وهو ما يتفق مع الرؤية الإسلامية لمفهوم الأمن ، والأمن الإنساني هو من المفاهيم التي أفرزتها التحولات الكبيرة والمتسارعه التي حدثت في المشهد الدولي في العقود الأخيرة حيث لم يعد المنظور التقليدي للأمن يجدي نفعا فلم يعد مصدر التهديد للإنسان هو الحرب فقط بل تنوعت مصادر التهديد واختلفت أشكالها فتراوحت بين انتشار الجريمة والإرهاب والمخدرات والأمراض والأوبئة والتلوث البيئي والفقر والظلم والصراعات الداخلية …. الخ ومما فاقم المشكلة هو بروز العولمة وانفتاح الحدود وتحول العالم إلى قرية صغيرة حتى أصبحت كل هذه القضايا عابرة للحدود دون قيود أو شروط وتوصف بأنها معولمة ، حيث تشير الأرقام إلى أن الفقر يحصد كل دقيقة 24 شخصا ، وان العالم شهد خلال عقد التسعينات من القرن الماضي ما مجموعه 58 صراعا داخليا من اصل 61 صراعا أي ما نسبته 95% من مجموع الصراعات في العالم وكانت الضحية في كل ذلك هي الإنسان حيث تشير الأرقام إلى أن 95 % من الضحايا هم المدنيين الأطفال والنساء .
أما الرؤية الإسلامية لتوفير وتحقيق الأمن الإنساني فهي تتجلى في مبادئ الشرع الحنيف حيث إن الإسلام يعتبر الأمن نعمة وفضلاً، لأنه عامل من أهم عوامل الراحة والسعادة لبني الإنسان في الحياة،يحتمون به من الفوضى والشرور، وينعمون في ظله بلذة الهدوء والاستقرار والاطمئنان، وقد أشار القرآن الكريم إلى دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق مكة الأمن والامان وذلك بان يجعلها مهوى افئدة الخلائق ا، يستقر بها القرار فوق أرضها وينتشر الأمن والطمأنينة بين أرجائها، فقال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً وارزق أهله من الثمرات ) ، وتتجلى هذه الرؤية في قواعده الداعية إلى بناء السلم والسعي إليه حيث قال تعالى :” يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين” البقرة:208 ، وقال تعالى: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ” يونس:25· وقد قامت دعوة الإسلام على الأمن والسلام منذ اللحظة الأولى لإعلانها إضافة إلى أن الإسلام رفض العنف والتطرف والإرهاب ودعا إلى حماية الإنسان من القتل أو التعذيب أو حتى الإهانة فهو المخلوق المكرم المعظم عند الله حيث يقول تعالى :” ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البحر ورزقناهم من الطيبات لعلهم يشكرون ” وكذلك فقد جعل الله عز وجل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا وإحيائها كمن يحيي الناس جميعا .
لقد جاءت مبادئ الإسلام تحمل في طياتها بذور الأمن والسلام لبني الإنسان، وقد أصبحت البشرية اليوم بأمس الحاجة إلى سقي هذه البذور لكي تنمو وتكبر وتترعرع ليعم الأمن على البشر كافة في أرجاء المعمورة في زمن سادت فيه الحروب والمجاعات والإرهاب والقتل والتعذيب ….ولم يعد للأمن مكانا في هذا العالم المضطرب إلا من خلال العودة إلى قيم الإسلام ومبادئه في هذا الخصوص !!!! .
نشرت سابقا في جريدة الراي الاردنية
أحدث التعليقات