أي من أشكال التعافي الاقتصادى سيتحقق؟ هل بدأنا فعليا الخروج من حالة الكساد؟
كتبها: أحمد النجار*
من الثابت اقتصاديا أن هناك أربع أشكال للتعافى الاقتصادى الذى يعقب مرحلة الركود الاقتصادى , وأول هذه الاشكال هو الشكل الذى ياخذ حرف الـ V والذى يعنى أن هناك ارتداد سريع من قاع الركود الاقتصادى أو من أدنى مستوى لمؤشرات سوق الاسهم .. أما الشكل الثانى فيقترب كثيرا من من الشكل الاول غير أن فترة الارتداد تأخذ وقتا أطول نسبيا ويأخذ هذا الشكل حرف الـ U وهو ما يعنى أن التعافى يحدث بعد فترة من السير فى اتجاه عرضى على مستوى مؤشرات سوق الأسهم وكذلك يحدث عقب فترة من استقرار المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل معدلات البطالة والنمو الاقتصادى ومؤشرات ثقة المستهلكين والمنتجين وغيرها لفترة من الزمن عند الحدود الدنيا , وهو ما يبشر بإنتهاء الجزء الاسوأ فى مرحلة الركود ـ اى قاع الكساد الاقتصادى ـ أما الشكل الثالث فهو ما يأخذ شكل حرف الـ W (double V) حيث ترتد المؤشرات الاقتصادية والمالية لأعلى بسرعة منبأه بالتعافى السريع من الكساد غير أن جزءً كبيراً من التوقعات التى بنى على أساسها الارتفاع ـ خاصة فى سوق الأسهم على إعتبار أنه يسبق الاقتصاد فى العادة ـ لم يتحقق منها جزء كبير على أرض الواقع .. ومن ثم تحدث انتكاسة كبيرة مرة أخرى سواء على مستوى المؤشرات الاقتصادية أوعلى مستوى سوق الاوراق المالية والأسهم وهذه الانتكاسة تبلغ ذروتها بالوصول للقاع الذى وصلته المؤشرات سابقا والذى يحدث ارتداد منه لأعلى بشكل نهائى .. اما الشكل الرابع والأخير من أشكال التعافى الاقتصادى فيأخذ شكل حرف الـ L والذى يعنى أن مرحلة التعافى تأتى بعد فترة زمنية طويلة جدا من ثبات المؤشرات الاقتصادية وكذلك مؤشرات سوق الاسهم ..
ونأتى لنقطة هامة حاليا وهى ترجيح أيا من هذه الأشكال الأقرب للتحقق ..
بداية, سواء على المستوى العالمى أو المحلى تم استبعاد الشكل الأخير من أشكال التعافى وهو حرف الـ L على اعتبار أن هذا الشكل لم يتحقق إلا مرة واحدة عندما حدث الكساد الكبير سنة 1929 والذى لم ينتهى فعليا إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 اى أن الكساد امتد لفترة طويلة جدا تجاوزت الستة عشر عاما بدأ التعافى بعدها مع عمليات الاعمار بعد الحرب فى اوربا .. وأعتقد أن درجة التشابك الاقتصادى العالمى الموجودة حاليا تصعب من استمرار الكساد لفترة طويلة ـ هذا من جانب ـ ومن الجانب الآخر نلاحظ ان الأزمة الحالية كانت فى بدايتها أزمة مالية فى الأساس ثم انتقلت للجانب الاقتصادى ومن المعروف أن الجزء المالى أو النقدى فى الاقتصاد يتعرض بطبيعته لذبذبات عنيفة غير أنه يتميزأيضا بالإستجابة السريعة لأى متغيرات من شأنها إصلاح الخلل الذى سبب الأزمة وذلك على عكس أزمة الكساد الكبير التى كانت من بدايتها فى الجزء الحقيقى والعينى من الاقتصاد والمتعلق بالانتاج والاستهلاك وهذه المتغيرات بطبيعتها تأخذ وقتا كبيرا للتعافى وهو ما يمكن من خلاله استبعاد سيناريو تكرار أزمة الكساد الكبير وانتظار التعافى الذى سيأخذ شكل حرف الـ L ..
أما الشكل الاول ـ الـ V ـ .. فيعبر عن حالة تعافى سريعة جدا وهو ما يحدث مع الأزمات العابرة والتى تنتج من قرارات سيادية مفاجئة مثلا أو من حالة ذعر مفاجىء أصاب المتعاملين بسوق الأوراق المالية ما يلبث أن يتم علاجه سريعا ومن ثم يكون التعافى السريع .. ونتيجة لهذه السرعة فى التعافى من الممكن أن تصاب المؤشرات بنكسة يتحقق معها الشكل الثالث من أشكال التعافى وهو حرف الـ W وهو ما يمكن استبعاد كلاهما على اعتبار أن الأزمة المالية والاقتصادية الحالية اعمق من كونها أزمة عابرة يمكن التعافى منها سريعا..
أما الشكل الثانى ـ الـ U ـ فيعبرعن حالة تعافى أخذت وقتا طويلا نسبيا حتى تتكون, وهو ما يرتبط بحدوث ازمة كبيرة أفقدت جانبى الطلب والعرض توازنهما, وبالتالى يحتاج الأمر لوقت أطول نسبيا للعلاج .. واعتقد أن هناك شواهد كثيره على حدوث احدهما حيث عادت المؤشرات الاقتصادية إلى التحسن التدريجى وبدأت الاعلانات المتتالية من ألمانيا ثم فرنسا وغيرها عن انتهاء الكساد الاقتصادى وزيادة التوقعات ببداية حدوث التعافى الاقتصادى Economic recovery وهو ما تأكد مؤخرا بالإعلانات المتتالية من الولايات المتحدة عن قرب حدوث التعافى .. وبالنظر إلى المدة بين حدوث الأزمة بشكل واضح فى سبتمبر 2008 ـ مع أن بدايتها الفعلية كانت فى ديسمبر 2007 ـ وبين الاعلانات السابقة التى بدأت فى أغسطس من العام الماضى يمكن ترجيح الشكل الثانى من اشكال التعافى أى ترجيح أن شكل التعافى الاقرب للحدوث هو الشكل الثانى الذى يأخذ شكل حرف الـ U كمرحلة أولى للتعافى ..
والجديد فى الامر أنه بالمتابعة الدقيقة لأداء المؤشرات الاقتصادية خاصة الأمريكية منها وكذلك أسواق المال والمعادن والبترول يمكن اكتشاف نموذج وشكل جديد من أشكال التعافى الاقتصادى والمالى والذى يأخذ شكل الجذر التربيعى The square root والذى يعنى الارتداد من قاع الكساد لأعلى غير أنه تحدث بعدها حالة من الثبات والاستقرار على مستوى المؤشرات الاقتصادية والذى يقترب من حالة من التضارب فى المؤشرات فبعضها يكون ايجابى بدرجة كبيرة وبعضها الآخر يكون سلبى بدرجة أيضا كبيرة, وهو ما يصيب أسواق المال وأسواق المعادن والبترول وغيرها بحالة من التذبذب فى اتجاه عرضى لتتحرك بين مستويات سعرية متقاربة لفترة طويلة نسبيا يعقبها الانطلاق لاعلى أو الانتكاسة لأسفل ..
وما أود التاكيد عليه أن هذا الشكل الجديد للتعافى الاقتصادى (شكل الجذر التربيعى) هو الشكل الذى يتأكد حدوثه يوما بعد آخر , والذى يشكل المرحلة الثانية المكملة لشكل الـ U الذى سبقت الاشارة إليه , وأن سيادة الاتجاه العرضى سواء على مستوى المؤشرات الاقتصادية أوعلى مستوى أداء أسواق المال ـ عالميا ومحليا ـ خلال الفترة السابقة هو تأكيد لهذه الرؤية , وحسنا نرى الآن أن أعقب هذه الفترة الطويلة من سيادة الاتجاه العرضى وتضارب المؤشرات الاقتصادية بوادر للأنطلاق إلى أعلى …
* مدير البحوث ـ شركة بريميير لتداول الأوراق المالية
أحدث التعليقات