بسم الله الرحمن الرحيم
الفقر العالمي في عالم غني- هايل عبد المولى طشطوش
لقد كان هاجس الإنسان وما زال ومنذ اللحظة الأولى التي وطئت قدماة فيها سطح هذه البسيطة أن يوفر لنفسه ولمن يعول لقمه العيش الكريمة وذلك استمرارا لبقائه ولكي تمكنه من العيش والاستمرار والقيام بأعباء الخلافة التي أوكلها له الله عز وجل خير قيام ،وكذلك لكي يستمر الجنس البشري ويتناسل ويتكاثر ويعمر الكون بقدرة الله عز وجل .
لم تكن هذة المهمة سهله على ابن ادم فبذل من اجلها روحه ونفسه التي بين جنبيه وحدثت من اجلها الصراعات بينه وبين أخيه الإنسان وبين من نافسه إياها من المخلوقات الأخرى وذلك في إطار صراع البقاء ،فثبت الإنسان ونجح في مهمته وهيئ لنفسه وسائل العيش الكريم من خلال ما جادت به الطبيعة من خيرات وثروات … ولكن الجشع والطمع وحب الهيمنة والسيطرة والاستحواذ دفع بأخيه الإنسان (الآخر) أن يعتدي عليه طمعا بما عندة وإشباعا لجشعه ونهمه الذي ليس له حدود ،فوجد عند ذلك الإنسان الذي يملك والإنسان الذي لا يملك وبدا التباين بين بني الإنسان ودب الاختلاف والخلاف بين من يملكون وبين من لا يملكون منذ اللحظات الأولى لولادة الحياة واستمر النزاع إلى اليوم وسيستمر إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .
رغم كل ما احتوته الطبيعة من خيرات وثروات – لا تكاد حسابات المرء تحصيها أو يستطيع عقله المحدود أن يحتويها – ورغم كل مراحل التطور التي مرت بها الانسانيه وصولا إلى الثورات الصناعية والتكنولوجية وأخيرا العولمة ،ورغم توفر الخيرات والأموال إلا انه ما زال هناك جيوب عالميه من الفقر لا يكاد المرء يصدق أنها موجودة على وجه البسيطة في هذا الوقت من عمر الانسانيه تحديدا ،إنها علامات فارقه وإشارات مخزيه وفضائح مروعه بل إنها وصمه عار في جبين الانسانيه أن يكون فيها مليارات الأطنان من المواد الغذائية الصالحة للاستهلاك البشري تلقى يوميا في حاويات القمامة وملايين البشر يتضورون جوعا بل يموتون من سؤ التغذية !!! انه الطمع والجشع قبل أي شيء ، يقولون انه غياب للعدالة الاجتماعية وسؤ توزيع للثروات والمقدرات واستغلال خيرات الشعوب الفقيرة وتسخيرها لافواه وجيوب الأغنياء…الخ ، نعم ، كل ذلك صحيح ولكنه يدخل كله في إطار الجشع والطمع الإنساني والرغبة في الاستحواذ والهيمنة وحب التملك والسيطرة ،انه فقر عالمي في ظل غنى الطبيعة وخيراتها الفائضة .
لقد بدأت مشكله الفقر تؤرق العالم اليوم وتؤثر على مجرى العلاقات الدولية فيه لدرجه إنها أصبحت سبب الكثير من الحروب والخلافات بين الدول مما استدعى وضعها على بساط البحث وتداولها على أعلى المستويات الدولية وخاصة بعد أن أصبحت الأرقام مخيفه ومرعبه لا يستطيع عاقل أن يتصورها في القرن الحادي والعشرين وفي ظل ثورات العلم والتكنولوجيا ! وخاصة بعد ان بدأت الأمم الفقيرة تدرك أن حاله الفقر التي تحياها هي حاله مقصودة ولها غايات وأهداف وأولها هو الإقصاء والتهميش وهدر كرامه الإنسان فيها ليبقى هو العبد المنتج لسيدة ومولاة .
ان أسباب الفقر كثيرة ومتنوعة وكما أسلفنا أولها :طمع الآخرين ورغبتهم في السيطرة وتبلور ذلك بموجات الاستعمار التي اجتاحت العالم في قرون خلت ،وما خلفه من دمار وخراب في البنية التحتيه الاساسيه لنمو الاقتصاد ونهوضه فتركه في حاله يصعب عليه ان ينهض منها ولو بعد مئات السنين !!
لقد فرح الفقراء –عن جهل – بتباشير العولمة واعتقدوا أنها ستجلب لهم الخبز والحليب ولكن هيهات هيهات !! لم تجلب العولمة معها إلا زيادة في الغنى للغني وزيادة في الفقر للفقير ، ولم تحقق العدالة الاقتصادية الموعودة والمنشودة بل أنها فاقمت الفروقات الاجتماعية لدرجه لا يمكن تصورها ، ولندع الأرقام هي التي تتكلم ، فمنذ بداية التسعينات حيث أخذ نسق العولمة في التسارع، تقلص الناتج الداخلي العالمي، واتسعت الهوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وتزايد عدد الفقراء في العالم حتى فاق نصف عدد سكان الأرض ، وقد تزايد عددهم حتى في أغنى البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة سوء التوزيع فقد ارتفع عدد الفقراء سنة 2001 من 32.9 مليون فقير إلى 34.6 أي بزيادة 1.7 مليون فقير في سنة واحدة، بالاضافه إلى وجود ما يتراوح من ( 800 مليون- مليار) إنسان يعانون من سؤ التغذية،وأكثر من مليار في حاله أميه ونصف مليار لا تصلهم مياه الشرب ومليارين لم تصلهم الكهرباء ، لقد بلغ الظلم مداة وخاصة إذا ما علمنا أن 20% من دول العالم تستحوذ على85% من الناتج العالمي ، وعلى 84% من التجارة العالمية ، ويسيطر سكانها على 85%- من المدخرات العالمية ،وان 358 ملياردير يمتلكون ثروة تعادل ما يمتلكه 2.5 مليار نسمة ، وان الشركات العابرة للقومية تهيمن على ثلثي التجارة العالمية وان (بيل جيتس) صاحب شركة مايكروسوفت تتجاوز ثروته 60 مليار دولار . أضف إلى هذا وذاك انعدام الديموقراطية وتزايد عدد اللاجئين وزيادة أحجام الديون المتراكمة على الدول نتيجة آليات السوق الحرة المفتوحة وسيادة المنافسة بالاضافه إلى الدمار الواسع للبيئة وانتشار الأمراض والاوبئه في بقاع كثيرة من الأرض ….الخ من العيوب ووصمات العار التي تلطخ جبين الانسانيه في ظل ثورة العلوم والتقنيات وثورة الاتصالات والمواصلات التي قربت العالم وحولته إلى قرية صغيرة !!!!
إن المتأثر الوحيد من جراء ذلك كله هو الإنسان لذا فقد بدأت عمليه ربط الفقر بحقوق الإنسان من اجل استنهاض الهمم لنبذه والعمل على القضاء عليه ، وقد بدأ هذا الربط تدريجيا منذ الثمانينات بصدور إعلان الحق في التنمية سنة 1986 الذي يستمد جذوره من المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) التي تنص على أن “لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشتة في حالات البطالة والمرض والعجز والترمّل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته”، وقد تعاقبت النصوص والقرارات بعد ذلك بنسق متسارع يدل على أنّ قضية الفقر في العالم أصبحت هاجسا من هواجس البشرية، لذلك تم إدراجها ضمن برنامج عمل مؤتمر فيينا (1993) والقمة العالمية للتنمية الاجتماعية (1995) وإعلان الألفية، والعشرية الأممية للقضاء على الفقر (1997 – 2006) واعتبار ذلك واجبا أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
وقد تمّ الربط بوضوح بين الفقر وحقوق الإنسان والحق في التنمية والحكم الصالح الديمقراطي في الوثيقة العملية الصادرة في أواسط 2003 عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية. وفي هذا الربط دليل على تزايد الاقتناع بترابط هذه العناصر وبأن الفقر ليس ظاهرة شاذة أو معزولة وإنما هو مسؤولية جماعية. لأجل ذلك تم تبني هذه القضية من قبل لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
هذه هي المدنية المعاصرة التي تتغنى بحقوق الإنسان وهي عندما تفعل ذلك إنما تنادي بحقوق 1/10 أفراد العالم فقط( وهم الأغنياء والمترفون ) أما البقية الباقية فليذهبوا إلى الجحيم لأنهم أنصاف بشر لا يستحقون الحياة …!!!! حقا انه فقر عالمي في عالم غني !!.
نشرت في موقع رابطة أدباء الشام
أحدث التعليقات