رسالة الإسلام العظيمة مصدرها من عند الله الخالق الرازق الذي اتصف بالكمال والعدل وبناء على هذه الربانية قام المجتمع المسلم فهو مجتمع خال من الظلم وغبن الحقوق يسوده التكافل والتآلف والمحبة والتراحم بين بني الإنسان ، والإنسان مكلف بتطبيق ما أمر به عز وجل في أعمالة ويوميات حياته من عقود ومعاملات وعبادات لأنه خليفة الله في أرضة وحري به التزام ما أمر به خالقه ، ومن ابرز المجالات التي على الإنسان الحرص على تسييرها بالعدل والإنصاف هي قضايا الأموال وما يتصل بها من معاملات وفي الإسلام المال لله والإنسان مستخلف فية علية أن يسخره لخدمته وخدمة إخوانه من المسلمين من خلال أدوات مختلفة وطرائق متعددة أبرزها الصدقة والزكاة والإقراض وغيرها من غير زيادة او نفع مقابل القيام بهذه الأخلاقيات ، فالزيادة على القرض أو الشرط الذي يجر النفع فهو ربا محرم لان الربا باختصار هو بيع النقود بنقود بفائدة ويعتبر الربا في الإسلام كبيرة من أعظم الكبائر لأنه صوره من صور الظلم الاقتصادي والله عز وجل لا يرضى بالظلم فهو القائل في نبينا علية السلام :” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ” وفى الحديث القدسي :” يا عبادي انى حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما” ويعد الربا من أخطر المشكلات التي تواجه العالم، كما يعد من أهم أسباب الأزمات المالية التي تعصف بالعالم بين حين وآخر ، وقد حذر الاقدمون من حضارت غير إسلامية من مخاطر الربا فها هو أرسطو يقول :” إن النقود لا تلد النقود، لان الربا يشكل عبئا كبيرا على الإنتاج والاستهلاك وكل الأنشطة الاقتصادية، وقد أدرك الاقتصاديون المعاصرون في الغرب خطورة الربا حيث قال اقتصادي ألماني في القرن التاسع عشر إن الربا سيؤدي بعد 200 عام إلى تكدس الأموال في يد فئة صغيرة تتحكم في مصير البشر” .وهذا ما تم فعلا ولكن بأقل من 200 عام حيث يملك الآن اقل من 20% من سكان العام نحو 80 -90% من ثروات العالم ، وان هناك أكثر من 2/3 البشر اليوم يعانون من الفقر والقلة والفاقة بل كثير من البشر يموتون بسبب نقص الطعام والدواء والمسكن والبرد في حين ينفق الأغنياء المليارات يوميا على الاستجمام والسياحة ووسائل الرفاهية المختلفة .
وقد أدركت النظم الاقتصادية الوضعية خطورة الربا حيث يقول احد مبادئ الاشتراكية :” إن فائدة راس المال اغتصاب لعرق الفقير ” ، ويقول كينز وهو من كبار الرأسماليين المعاصرين في كتابة “النظرية العامة ” :” إن ارتفاع سعر الفائدة يعوق الإنتاج لأنه يغري صاحب المال بالادخار للحصول على عائد مضمون دون تعريض أمواله للمخاطرة في الاستثمار في مشروعات صناعية وتجارية كما انه من ناحية أخرى لا يساعد رجل الأعمال على التوسع في أعمالة لأنه يرى أن العائد من التوسع يعادل الفائدة التي سيدفعها للمقرض سواء كان الاقتراض عن طريق المصرف او بموجب سندات وعلى ذلك فكل نقص في سعر الفائدة سيؤدي إلى زيادة في الإنتاج وبالتالي في العمالة وإيجاد الفرصة لتشغيل المزيد من الناس ” ، فسبحان الله الذي حرم علينا الربا قبل مئات السنين وقبل أن يدرك هؤلاء القوم من الاقتصاديين مخاطره ومساوئه وهذا يدل على الإعجاز في شريعة الإسلام العظيم ، إن الربا نظام غير أخلاقي يرفضه ويحرمه الإسلام جملة وتفصيلا لأنه يبث الحقد بين أبناء الأمة ويجعل حرصهم على المال سببا في كرههم وحقدهم لبعضهم البعض واستخدام وسائل وأساليب مشروعه وغير مشروعه ليكسب كل واحد منهم أكثر من الآخر ، ومن أساليب الربا المعاصرة التي بات يتعامل بها كثير من الناس هي المضاربة بالبورصات لأنها في جلها بيع ما لا يملكه الإنسان وهو ما حرمة الإسلام لان فيه غرر وغش وتدليس وتنمية غير حقيقية ويكفي النظر في حجم التعاملات اليومية لمعرفة مدى خطورة الوضع على مستوى العالم حيث يقول احد الباحثين بان حجم التعامل اليومي في البورصات والأسواق على مستوى العالم يبلغ نحو 650 ترليونا، بينما يبلغ حجم الإنتاج الحقيقي من هذا المبلغ 5% فقط، وهذا معناه ان يتحمل 5% الـ 95%، لذلك كان لابد من ظهور الأزمات المالية والاقتصادية،لذا فلابد أن يكون هناك قبض وسلعة حقيقية، وإلا سينهار السوق، وهو ما يشدد عليه الإسلام بتحريم بيع ما لا تملك.
نشرت في صحيفة السبيل العدد 1198 تاريخ 9/4/2010
أحدث التعليقات