وجد صندوق النقد الدولي في أعقاب مؤتمر بريتون وودز عام 1944، ليمد يد العون لكافة الدول الأعضاء بما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار النقدي والاقتصادي العالمي؛ ومنذ السبعينات من القرن الماضي تدخلت السعودية وبالتحديد عام 1979 لإنقاذ الصندوق الذي كان يوشك على الإفلاس، وذلك بإقراضه عشرة مليارات دولار..
ومع ازدهار البلدان الإسلامية والتمويل الإسلامي في الثمانينات، فقد أعطى الصندوق اهتماما أكبر لرؤوس الأموال الإسلامية ، وللتمويل الإسلامي بشكل خاص.
وفي وقت متأخر من التسعينات أخذ الصندوق يشير في تقاريره إلى التمويل الإسلامي، ويشيد بمؤشرات الأداء لمؤسسات التمويل الإسلامي.
وقد ركز الصندوق بشكل خاص على عمليات إصدار الصكوك الإسلامية بدلا من السندات من خلال تقديم الخبرات الفنية ودعم التصنيفات الائتمانية، إضافة إلى مشاركته في إنشاء مجلس الخدمات المالية الإسلامية ، وعدد من المؤسسات الداعمة للصيرفة الإسلامية.
وقبل إن نتطلع إلى مستقبل علاقة الصندوق مع التمويل الإسلامي ، وهل سيتبنى التمويل الإسلامي أم سيعمل على عرقلة انتشاره ومحاربته ؟ لا بد من النظر في واقع الصندوق وحجمه في الوقت الحاضر ، خاصة في أعقاب الأزمة المالية العالمية.
فقد اعترف دومينيك ستراوس- كان، المدير الحالي لصندوق النقد الدولي – وأثناء لقائه مجموعة من طلبة الشرق الأوسط – بأن الصندوق قد فشل في مواجهة الأزمة المالية العالمية المعاصرة ، وما ترتب عليها من فوضى اقتصادية على مستوى العالم.
وهذا يشير إلى أن الصندوق يجد نفسه حاليا في وضع حرج، لا يكاد يجد طريقة للخروج منه ؛ وبالتالي فإن الصندوق بحاجة إلى إعادة تسويق نفسه وتحسين صورته وتجميل أدائه على مستوى العالم، ولعل هذا يفسر الجولة الأخيرة التي قام بها المدير الحالي للصندوق والتي يمكن أن تدخل تحت إطار جولات العلاقات العامة، أو الدعاية السياسية، حيث التقي مع طلاب من الشرق الأوسط، وأعلن صراحة وقوفه إلى جانب الطلبة ومستقبلهم وتشغيلهم.
وبالرجوع إلى موضوع التمويل الإسلامي فإن الصندوق يعترف بصراحة ومن خلال مسئوليه بأن مهمته تنحصر في إطفاء الحرائق، يعني معالجة الاختلالات الطارئة، كما أنه يمكن أن يدعم كل ما من شأنه أن يحقق مصالحه، ومصالح الدول التي تمتلك معظم الحصص، فهذه الدول كما يرى ستراوس كان من حقها أن تحافظ على مصالحها، وتحمي أموالها التي يديرها الصندوق.
ومعنى ذلك أن التمويل الإسلامي يخضع لمصالح هذه الدول الكبرى، فإن كان في مصلحتها دعم التمويل الإسلامي والتعامل معه فإن الصندوق سوف يقوم بتبنيه، وربما يدعو حكومات الدول الإسلامية إلى تبنيه، أما إذا كان التمويل الإسلامي ضد مصالح الدول المتقدمة، فلا شك أن الصندوق سوف يحاربه ويقف ضده.
وبما أن التمويل الإسلامي لا يتعارض مع سعي المؤسسات والأفراد لتحقيق مصالحهم، بل هو يحث على القيام بكل ما من شأنه زيادة المصالح ودرء المفاسد، فإنه لا يبدو أن هناك تعارضا ظاهرا بين أهداف الصندوق الظاهرة وأهداف التمويل الإسلامي، وبالتالي فلا يوجد ما يمنع من إشادة الصندوق المتكررة بنظام التمويل الإسلامي، وهذا ما حدث بالفعل في عدد من تقارير الصندوق.
غير أن الصندوق يسعى لتحقيق مصالحه بعيدا عن القيم الإنسانية والاجتماعية، فمن المعروف أنه يدعم الحكومات المطيعة لبرامجه، ولا يتدخل في التفاصيل، وبالتالي فإنه ليس له علاقة بالديمقراطية أو حقوق الإنسان.
ومن جهة أخرى فإن أكثر من ستين عاما من التطبيق تثبت أن الصندوق فشل في القيام بمعظم أهدافه التي أعلنها في اتفاقية إنشائه؛ فقد غرق العالم في تقلبات عنيفة لأسعار صرف العملات ، وعجوزات هيكلية لموازين المدفوعات، ومديونات هائلة، ونقد دولي غير مستقر، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الدول الأعضاء في تسيير وتسوية مدفوعاتها.
إن صندوق النقد الدولي بحاجة إلى إصلاح في آلياته ووظائفه وحصصه وطريقة تصويته وبالتالي فهو بحاجة ماسة إلى الأخذ بآليات نظام التمويل الإسلامي، وفيما لو حصل ذلك فسيكون في ذلك مصلحة لكافة دول العالم بكافة مؤسساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية.
ولكن ذلك يقتضي أن يؤخذ بالتمويل الإسلامي دون تشويه أو تحريف أو تحايل، كما يعني عدم تطعيم أدوات التمويل الإسلامي بالتمويل الربوي، كما يعني المحافظة على القيم والمبادئ الإنسانية والاجتماعية التي يقوم عليها نظام التمويل الإسلامي.
أ.د كمال توفيق حطاب
أستاذ في جامعة اليرموك / اربد / كلية الشريعة والدراسات الإسلامية / قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية
لأي استفسارات وللتواصل مع الكاتب المراسلة عبر البريد الالكتروني:
k_hattab99@hotmail.com
المصدر: http://www.cibafi.org/NewsCenter/Details.aspx?Id=11439&Cat=12&RetId=0
أحدث التعليقات