مقال: هل للزمن قيمة مالية في الشريعة الإسلامية – د. مجدي علي غيث

 

الفائدة ثمن عامل إنتاج يسميه بوهم بافرك الزمن- ولكننا نجد أن الاقتصاد التقليدي لا يفرق في اعتبار قيمة الزمن بين بيع أو قرض. أما الاقتصاد الإسلامي فله فلسفة مغايرة؛ فهو يهتم بالزمن ولكنه يتعارض مع الفهم الوضعي لقيمته في البيع والقرض، وتوضيح ذلك من خلال الفرض التالي:

“إن المبالغ المالية التي تقع على شريط الزمن لها قيم مختلفة وإن استوت من حيث الكم والمقدار، فالحاضر خير من المؤجل، والعين خير من الدين”. وأرى أن هذا الفرض يدل على أن للزمن قيمة مالية وقد تظافرت على إثباته أدلة شرعية من الكتاب السنة، بالإضافة للعديد من المؤيدات والشواهد والتطبيقات الفقهية في أبواب الفقه الإسلامي ومن ذلك:

– قوله تعالى: ﴿وأحل الله البيع وحرم الربا﴾ (البقرة:275)، فيه دلالة على أن الزيادة في البيع جائزة سواء أكانت ربحاً في المعجل، أم ربحاً إضافياً للتأجيل في البيع الآجل (التقسيط) -لكن يجب الإشارة إلى أن البائع عند استحقاق الثمن لا يعود له الحق في الزيادة إذا لم يتمكن مدينه من السداد- وهذه الزيادة تبيِّن القيمة المالية للزمن في البيع، ويظهر الفرق في البيع الآجل الذي يسمح فيه بالزيادة في الثمن لقاء التأجيل ولا يسمح بالزيادة في القرض.

 وينبغي ألا يُلتبس الأمر بالزيادة في القرض لقاء الزمن، فيظن أن تحريم الزيادة في القرض تستلزم تحريم الزيادة في البيع خصوصاً البيع الآجل؛ ففي البيع تبادل مختلفين الأمر الذي يفسر جواز الزيادة لقاء الزمن، أما القرض فتبادل مثليين الأمر الذي يمنع الزيادة. “وإن إهدار قيمة الزمن في القرض، لا يعني إلا القيمة الاقتصادية الدنيوية، ولكن المقترض يحصل في كل الأحوال على ثواب الله، بشرط إخلاص العمل لوجه الله تعالى، وقد يتأجل الثواب للآخرة، وقد يعجل الله له بعضه في الدنيا1

– في حديث الأصناف الربوية الست الذي رواه عبادة بن الصامت2 . يلاحظ أن من شروط المبادلة العادلة في البيوع بين المتجانسين الربويين التساوي، وإن اتحاد زمن القبض شرط لتحقق التساوي، ويختل التساوي إذا لم يتحد زمن قبض البدلين المتماثلين واعتبر ذلك من الربا المحرم. وبما أن تأخير قبض أحد البدلين أو التأخير الزمني قد أحدث في أحد البدلين زيادة ناجمة عن الأجل، فإن هذا يدل على أن للزمن قيمة مالية في البيوع، وبالتالي تغيِّر قيمة المبالغ المالية ظهر في اشتراط اتحاد زمن المبادلة؛ كي لا يكون لأحد البدلين فضلٌ على الآخر زمنياً، فعدم التقابض في المجلس مع التساوي يؤثر على التماثل،. واشتراط التقابض يبيِّن دور الزمن؛ “لأنه إذا لم يقبض في المجلس فيتعاقب القبض، وللنقد مزية فتثبت شبهة الربا3

المؤيدات من النقول الفقهية: أشارت النقول الفقهية في أبواب الفقه المالي المختلفة إلى اعتبار أن للزمن تأثيراً واضحاً على المبالغ المالية من حيث تغيير قيمها. فهي تشير أن للزمن قسطاً، أو حصة، أو جزءاً من الثمن. ومن ذلك:

– قال ابن الهمام فيما يعرف بالتورق -وهو أمر موضع خلاف-: “أن يبيع ما يساوي عشرة بخمسة عشر إلى أجل فيشتريه المديون ويبيعه في السوق بعشرة حالة ولا بأس في هذا. فإن الأجل قابله قسط من الثمن، والقرض غير واجب عليه دائماً بل هو مندوب4” .

– من عبارات المالكية في ذلك ما قاله النفراوي في باب أحكام البيوع: “والدليل على اشتراط الأجل المعلوم. قوله صلى الله عليه وسلم: “من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم”. والأمر هنا للوجوب وإنما اشترط الأجل للسلامة من بيع ما ليس عند الإنسان المنهي عنه. واشترط كونه معلوماً ليعلم منه وقت القضاء، والأجل له حصة من الثمن5” .

– وذكر الكاساني فيما يتعلق بالتفضيل الزمني أنه “لا مساواة بين النقد والنسيئة؛ لأن العين خير من الدين والمعجل أكثر قيمة من المؤجل6” .

– جاء فيما يتعلق بالمرابحة في بدائع الصنائع “ولو اشترى شيئاً نسيئة لم يبعه مرابحة حتى يبين؛ لأن للأجل شبهة المبيع، وإن لم يكن مبيعاً حقيقة لأنه مرغوب فيه، ألا ترى أن الثمن قد يزاد لمكان الأجل، فكان له شبهة أن يقابله شيء من الثمن، فيصير كأنه اشترى شيئين ثم باع أحدهما مرابحة على ثمن الكل؛ لأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في هذا الباب فيجب التحرز بالبيان7

تطبيقات فقهية لقيمة الزمن المالية:

– السلم من البيوع المؤجلة وهو دليل على قيمة الزمن المالية؛ إذ يجري تخفيض ثمن السلعة -أي ثمن المبيع- لتأخر قبضها بما يعني تغيُّر قيمة المبالغ المالية، فالعين خير من الدين، والحال خير من المؤجل.

– في بيع التقسيط-موضع خلاف- يلاحظ أنه بيع المشترط فيه أداء الثمن مؤجلاً مقسطاً على أجزاء معلومة، في أوقات معلومة، وبثمن زائد عن الثمن الحال أو الثمن الأصلي؛ لقيمة الزمن المالية.

– في الصرف؛ فاشتراط التقابض يبيِّن دور الزمن؛ “لأنه إذا لم يقبض في المجلس فيتعاقب القبض، وللنقد مزية فتثبت شبهة الربا”

– الحسم الزمني للديون الناجمة عن بيوع -كما في بيع المرابحة للآمر بالشراء- حيث تجري عملية الحسم قبل الاستحقاق بما يتواءم مع مدة التعجيل، وتجري عملية التخفيض بمقدار ما يتكافأ مع المدة التي تفصل تاريخ السداد الفعلي عن تاريخ الاستحقاق، فعملية الحسم لقاء التعجيل تجري للديون التي أصلها بيوع وهذا ما يحقق معنى العدل؛ وإذا زيد في الثمن مقابل الأجل فتجري عملية الحسم أيضاً بما يقابل الزمن. ومن ذلك ما ورد عن ابن عابدين في حاشيته” إذا قضى المديون الدين قبل حلول الأجل أو مات لا يؤخذ من المرابحة إلا بقدر ما مضى من الأيام8

أما إذا كانت العلاقة الدائنية ناجمة عن القرض القائم على الإحسان والتبرع، فلا تتمُّ عملية الحسم ولا تعتبر خاضعة لإجراءات الحسم؛ لأن البدلين متماثلين، ولأن القرض لم يزد فيه للزمن، ولا يليق بالمستقرض أن يشترط الوضع على المقرض ليعجل له الوفاء، بل يليق به حسن القضاء لا أن ينقص، سواءٌ اعتبرنا القرض حالاً أم مؤجلاً.

د.مجدي علي محمد غيث
جامعة الملك سعود- أستاذ مساعد- فسم العلوم الإدارية والإنسانية
http://faculty.ksu.edu.sa/74281/default.aspx
 لأي استفسارات وللتواصل مع الكاتب  المراسلة عبر البريد الالكتروني:
majdi37@yahoo.com


1  سعد الله، رضا، مفهوم الزمن في الاقتصاد الإسلامي، ورقة مناقشة رقم10، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد العالمي للبحوث والتدريب، جدة، ط2، 2000. ص38.
2 البخاري. محمد بن إسماعيل. صحيح البخاري. (باب الصرف وبيع الذهب بالورق، حديث رقم1587). دار ابن كثير، بيروت، ط3، 1987.ج3، ص1212.
3  ابن الهمام، كمال الدين محمد. شرح فتح القدير. دار الفكر، بيروت، ط2، د.ت.ج6، ص507.
4 ابن الهمام. شرح فتح القدير. مرجع سابق ج7، ص213. وانظر الرحيباني، مصطفى السيوطي. مطالب أولي النهى. دمشق: المكتب الإسلامي، ط1، 1961، ج3، ص263.
5  النفراوي، أحمد بن غنيم. الفواكه الدواني. بيروت: دار الفكر، ط1، 1415ﻫ، ج2، ص99.
6  الكاساني، علاء الدين. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. دار الكتاب العربي، بيروت ، ط2، 1982.ج5، ص187.
7  الكاساني. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. مرجع سابق ج5، ص224.
8  ابن عابدين، محمد أمين.  حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار” حاشية ابن عابدين”، دار الفكر للطباعة، بيروت، د.ط، 1421هـ.  ج5، ص160.

المصدر: http://www.cibafi.org/NewsCenter/Details.aspx?Id=11454&Cat=12&RetId=0