مستقبل الاقتصاد الاسلامي
بقلم : أ.د. كمال توفيق حطاب
عندما بدأت دراسة هذا التخصص منذ أكثر من ربع قرن، كانت لدي قناعة وإيمان قوي بأن المستقبل للاقتصاد الإسلامي، رغم أن المؤسسات المالية الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن تتعدى أصابع اليد الواحدة. . كان إيماني منبثقا من اعتقادي بأن المستقبل لهذا الدين بكافة أنظمته وتشريعاته، ومنها الاقتصاد الإسلامي، وهذه حقيقة عقدية أخبر بها الله سبحانه في العديد من الآيات القرآنية، كما أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها «. وفي حديث آخر «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار. .«أقول هذا الكلام في الوقت الحاضر وقد أصبحت المؤسسات المالية الإسلامية تتجاوز 400 مؤسسة ومصرف إسلامي، وأقسام وبرامج الاقتصاد الإسلامي في الجامعات لا تكاد تحصى، ومراكز الاقتصاد الإسلامي والتمويل الإسلامي منتشرة في معظم دول العالم الإسلامي والغربي، ولم يعد في وسع العديد من المؤسسات المصرفية التقليدية إلا أن تتقبل الصيرفة الإسلامية بأن تفتح فرعا إسلاميا أو نافذة للمعاملات الإسلامية أو صناديق استثمارية إسلامية..
كما وجد في عدد من الدول الإسلامية أسواق رأس مال إسلامية، فوجدت في البحرين السوق المالية الإسلامية العالمية، وفي ماليزيا سوق المشتقات المالية الإسلامية، ووجدت مؤشرات مالية إسلامية كداو-جونز الإسلامي، وكذلك ازدهرت في الوقت الحاضر الصكوك المالية الإسلامية والتي انتشرت بشكل مذهل مع مطلع الألفية الثالثة. .
إن التطور في حقل الصيرفة الإسلامية والمنتجات المالية الإسلامية لا يقف عند حد، حيث يعتبر هذا المجال من أكثر المجالات خصوبة. إن هذا التطور المذهل يستلزم من المتخصصين في هذا المجال أن يكونوا على قدر المسئولية من المحافظة على كفاءة المنتجات وسلامتها الشرعية. كما يستلزم من المسئولين في الدول الإسلامية أن يعملوا لما فيه مصلحة شعوبهم من خلال الأخذ بآليات وأدوات الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية.
لقد آن الآوان لأن تأخذ حكومات الدول الإسلامية على عاتقها تطبيق الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية بأدواتها وصيغها الجديدة، ولكن هذا الأمر لا يزال يتطلب عدة أمور هامة منها:
توفر النوايا الصادقة لدى المسئولين، والحرص الأكيد على مصلحة الشعوب، ومكافحة الفساد والفقر والبطالة.
تطور المؤسسات المالية الإسلامية بما يتفق ومعايير الكفاءة المالية والاقتصادية والسلامة الشرعية.
اتجاه المفكرين والباحثين في الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية إلى الحلول العملية الواقعية بعيدا عن الترف الفكري.
إن تبني حكومات الدول الإسلامية للاقتصاد الإسلامي أصبح أمرا هاما لا يمكن الاستغناء عنه، وذلك إذا ما أرادت هذه الحكومات التخلص من مصيدة القروض والفوائد الدولية، وإذا ما أرادت حقيقة التخلص من مشكلات الفقر والبطالة والتخلف بكافة أشكاله.
إن انتشار العمل المصرفي الإسلامي والمؤسسات الاستثمارية الإسلامية والصكوك الاستثمارية الإسلامية والأسواق المالية الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية والمؤسسات الوقفية الإسلامية وصناديق ولجان الزكاة. … ، يستلزم وجود جهات حكومية منوطة بهذه الشئون تعمل على الرقابة والمتابعة والتنسيق، من أجل أن تكون جميع فعاليات الاقتصاد القومي متضافرة متكاملة مع بعضها البعض.
إن انتشار مؤسسات الشفافية ومكافحة الفساد وقوانين إشهار الذمة المالية تعتبر مؤشرات قوية على ضرورة تحول الحكومات للاقتصاد الإسلامي من أجل تفعيل عمل هذه المؤسسات والقوانين.
إن انتشار الصحوة الإسلامية لدى الجماهير، وعودتها لإحياء مؤسسات العمل التطوعي الإسلامي من أوقاف وصدقات وتكايا وجمعيات ولجان خيرية وغيرها تستلزم ضرورة تلبية حاجاتهم للعيش في ظلال الاقتصاد الإسلامي.
وفي رأيي أن هناك تأييدا من قبل المنظمات الاقتصادية الدولية لآليات الاقتصاد الإسلامي والصيرفة الإسلامية، كما أن هناك إشادة من قبل الخبراء والعلماء الاقتصاديين الدوليين بالاقتصاد الإسلامي، ولذلك فإن تبني حكومات الدول الإسلامية للاقتصاد الإسلامي لن يكون أمرا غريبا أو مصادما للاقتصاد الدولي بل سيكون داعما ومؤيدا لكل ما فيه زيادة الخير والصلاح والكفاءة والعدالة والتنمية والتقدم للبشرية جمعاء.
وفي اعتقادي أن مسألة تبني حكومات الدول الإسلامية للاقتصاد الإسلامي هي مسألة وقت، فهي قضية عقدية حتمية لا بد منها عاجلا أم آجلا، فالمستقبل للإسلام بكافة أنظمته ومنها النظام الاقتصادي الإسلامي.
* خبير الاقتصاد والمصارف الإسلامية
المصدر :
موقع فلسطينيو 48 http://www.pls48.net/default.asp?ID=37823
أحدث التعليقات