بقلم : رامي عنابوسي و مجدي كتاني
الإدارة الماليّة للمصلحة (6):
بعدما بيّنّا في الحلقة الأخيرة بتفصيل وإسهاب ما المقصود من “نظرية الفاصولياء” وكيف أنّه لا بدّ لك كصاحب مصلحة يطمح إلى التطور والنجاح من أن تهتم بأن تكون مصاريفك كلّها استثمارات وأنّ كلّ مصروف لا يؤدّي إلى زيادة في المدخول الصافي فهو تبذير وهو عامل في تقهقر سريع للمصلحة, وأنّ تصحيح مسار المصلحة حسب مفاهيم النظرية المذكورة لا يحصّن مصلحتك من الانهيار فقط بل ويسرّع في نجاحها وتفوقها وتقدمها بمشيئته سبحانه.
وهنا لا بدّ لنا من الوقوف على تساؤل يرد كثيراً من أصحاب مصالح يطمحون إلى تطبيق قوانين الإدارة المالية التي نطرحها في هذه السلسلة وهو: اقتنعنا بنجاعة نظرية الفاصولياء واقتنعا أنّه لا بدّ لكلّ مصلحة تطمح للبقاء وتطمح أن لا يدرج اسمها في قائمة المصالح المنهارة بل وتطمح للتطور وللربح من أن تطبق هذه النظرية ولكن, كيف لنا أن نفحص وبشكل علمي ومدروس تكاليف تشغيل كلّ واحد من العمال والموظفين في المصلحة ومعرفة فيما إذا كان كلّ عامل يؤدّي تشغيله في نهاية المطاف إلى مدخول صاف موجب أو إلى خسارة سالبة أصلاً؟
بدايةً لا بدّ لنا أن نقول أنّك إذا توصلت إلى أنّ تسأل مثل هذا السؤال فهذا بحدّ ذاته إيجابي إذ أنك تتعامل مع القوانين المطروحة بجدية وتحاول تطبيقها وتسعى للرقيّ بمصلحتك إلى منصّة الناجحين وإلا فاعلم أنك من أولئك الذين يستمتعون بقراءة مقالاتنا ولكنّهم لا ينتقلون من مرحلة التمتّع إلى عناء التطبيق – وهم كثر- وحالهم لن يكون أقلّ سوءاً من حال أولئك الذين لا يزالون يديرون مصالحهم بالطرق التقليدية البدائية, إذ لا يعقل أن تتفوّق وتسبق غيرك وتنجح أو حتّى أن يستمرّ بقاء مصلحتك أصلاً وأنت لا تزال تدير مصلحتك حسب القوانين الإدارية التي استخدمها أجدادك في عالم غير عالمهم وأناس غير الأناس ومستهلكين مختلفين.
وللإجابة على السؤال لا بدّ لنا من أن نجزّئ الإجابة إلى أجزاء كي تلاءم جميع -أو غالبية- أنواع المصالح:
1- بالنسبة للمصالح التي يمكنها حسب بنيتها وحسب طرق إنتاجها أو طرق بيعها أو طرق عرضها لخدماتها أن توجد معادلة يمكن فيها ربط جهد العامل بنتيجة عمله, ففي هذه المصالح – وهي كثيرة – فالمسألة محلولة إذ أنّ العامل الذي يؤدّي إلى مدخول صاف موجب هو استثمار والعامل الذي يؤدي إلى مدخول صاف سالب فتشغيله تبذير.
على سبيل المثال – عامل أو موظف وظيفته زيادة المبيعات مثل المسوّق لدى تاجر الجملة أو المسوّق لمصنع ما أو العامل المسئول عن البيع في معرض أو دكان ما أو ما شابه, ففي التعامل مع مثل هذا العامل يجب أن نفحص قيمة ما ينتج من خلال قيمة تكلفة تشغيله حتّى نقرّر هل نصنفه مع الاستثمارات أو مع التبذيرات.
الهدف: أن نزيله من قائمة التبذيرات إن كان تشغيله تبذيراً, ولكي نزيد من المدخول الصافي المترتب عليه (إذا كان من قائمة الاستثمارات). وعليه, يجب أن نغيّر معادلة حساب أجرته الشهرية.
والطريقة المطروحة هي أن تأخذ أجرته الشهريّة الفعليّة في ال-12 الشهر الأخير وتقارن بينه وبين قيمة الإنتاج أو قيمة المدخول الشهري الذي أنتجه, فإذا أدخل شهريّاً مدخولاً صافياً بقيمة 60 ألف شيقل من إنتاج 60 وحدة إنتاج وكان دخله الشهريّ 6 آلاف شيقل, فبإنتاج كلّ وحدة يتقاضى أجراً بقيمة 100 شيقل (في المعدل).
يكفي أن تدعوه إليك وتخبره أنّ المعادلة تغيّرت منذ اليوم من أجر شهريّ قدره 6 آلاف شيقل إلى أجر بقيمة 100 شيقل عن كلّ وحدة فستفاجأ أنه سيتقاضى 10 آلاف شيقل في الشهر القريب, أيّ أنّه في المحصلة أنتج لك 100 وحدة إنتاج ورفع دخلك الصافي إلى 100 ألف شيقل – فأنت تربح وهو يربح.
أمّا إذا قلت له بأنه سيتقاضى 100 شيقل عن كلّ وحدة إنتاج في أوّل 100 وحدة و 110 شيقل عن كل وحدة فوق ال 100 فستفاجأ أن هذا العامل قد ينتج لك 150 وحدة في شهر واحد مع نفس ساعات العمل التي كان يستغرقها لإنتاج 60 منتجاً.
2- أما بالنسبة لمصالح لا يمكنها ربط جهد العامل مع المنتج النهائي أو الخدمة النهائية, مثاله عامل على خطّ إنتاج طويل وهو يشكل حلقة واحدة منه ولا يمكن حساب جهده في المنتج النهائي, فعندئذ نبسطّ المعادلة ونطبقها على المنتج المرحليّ (وليس النهائي), فنعتبر أنّ العامل في وضعه الحاليّ كان ينتج 60 وحدة إنتاج “مرحليّة” ثمّ نغيّر معادلة أجره المتقاضى وفق المذكور أعلاه كي يتسنى لنا وله أن نربح من مضاعفة جهده كما فصّلنا.
3- وبالنسبة لعامل لا يمكن ربطه في أي صورة من الصور مع المنتج النهائي أو السلعة المعروضة أو الخدمة المعروضة فكيف يمكن أن نحوله من عامل أو موظف يتقاضى أجره حسب ساعات العمل إلى عامل أو موظف يتقاضى أجره حسب وحدة الإنتاج؟
هنا تبرز القدرات الفذّة لأصحاب المصالح الناجحة في تطبيق القاعدة المذكورة على عمالهم وموظفيهم حسب ابتكارات ذكيّة وعبقرية تؤدي إلى زيادة مدخول العامل وصاحب العمل.
– تاجر عنده مدير مشتريات: يستطيع أن يزيد من ربح المصلحة إذا عرض على الموظف المذكور زيادة “رمزية” في حال توصّل إلى مزودين أسعارهم أقلّ أو شروط دفع أسهل أو منتجات بجودة أعلى وما شابه. صاحب المصلحة يعلم أنّ المنتج النهائي للموظف المذكور هو شراء بضاعة ربحها عليها أكبر, ويمكنه أن يؤدي إلى نتائج أفضل بكثير للموظف مقابل زيادة شهرية في معاشه وتكون هذه الزيادة حسب النجاح في المهمّة التي أنيطت بالعامل.
– صاحبة روضة أطفال عندها 4 معلمات: تستطيع أن تؤدّي إلى منتج ذي قيمة أكبر من المنتج الحالي, فمنتجها هو تعليم وتربية واهتمام أكبر بالأطفال وبمستوى أعلى من المنافسين, وهذا المنتج الجديد سيجلب أطفالاً أكثر في العام القادم, فعليها إذاَ أن تثير اهتمام المعلمات عندها في زيادة “رمزية” لكلّ معلمة حسب عدد الإطراءات الشهريّة على عملها أو النجاحات الشهرية لفعاليّات مميّزة قامت بها …
تذكر هذه القواعد:
(1) أنت كصاحب مصلحة أدرى الناس بمصلحتك وبمصلحة مصلحتك, و تستطيع – إذا أردت وعزمت – أن تجد المعادلات الملائمة كي يكون ناتج عمالك مع نفس ساعات العمل الحاليّة أكبر بكثير من الموجود حاليّاً.
(2) عامل لا يؤدّي في نهاية المطاف إلى إنتاج مدخول حدّه الأدنى 5-10 أضعاف تكاليفه يعدّ تشغيله تبذيراً وليس استثماراً.
(3) تحويل معادلة أجر العامل من معادلة مبنيّة فقط على ساعات العمل إلى معادلة مبنيّة على الجهد وعلى ساعات العمل, بإمكانه أن يجعلك تقفز بمصلحتك قفزة نوعيّة دون زيادة كادر العمال والموظفين.
(4) العامل المتوسط رُبّي على ما يسمّى “بالرأس الصغير” أو “الرأس المربع”, فهو لا يبادر ولا يُقدِم على أخذ مسؤولية واسعة, ولابدّ لك من تنشيطه وإعادة ترتيب أولويّاته كي تكشف عن قدراته الحقيقيّة التي يمكن أن تعود بربح وفير لك وله.
(5) قانون لا يختلف عليه اثنان:
– إذا كافأت عمالاً أصحاب قدرات إنتاجية متدنية- فسيعطونك إنتاجاً متدنّياً.
– إذا لم تكافئ عمّالاً أصحاب قدرات إنتاجية متفوّقة – فسيعطونك إنتاجاً متدنّياً كذلك.
– إذا كافأت عمّالاً أصحاب قدرات إنتاجية متفوّقة – فسيعطونك إنتاجاً متفوّقاً.
(6) إذا لم تتمكن من تحويل معادلة أجر العامل بشكل كامل من معادلة حسب ساعات العمل إلى معادلة حسب الجهد والإنتاج, فحوّلها ولو بشكل جزئيّ بحيث يكون للعامل أجر ثابت شهريّ بالإضافة إلى زيادة متعلّقة بالإنتاج كما فصّلنا.
(7) أجر ثابت مربوط بساعات العمل سيحوّل عمّالك إلى محدودي القدرات ومحدودي الإنتاج ويعرضك لخطورة فقدانهم وهروبهم منك, وربط معادلة الأجر بالإنتاج سيحولهم إلى متطوري القدرات ومتطوري الإنتاج ويشعرهم أنهم شركاء في المصلحة – ولو بنسب محدودة ورمزية جداً- مما يضمن لك عدم هروبهم منك وتخلّيهم عنك.
ونصيحة في الختام, لا تقلق ولا تتذمّر من عامل يأتيك ليطلب علاوة في أجره, قل له: “أنا أريد حقّاً أن أعطيك زيادة, أنا على استعداد لذلك, تعال نجلس سويّاً لنرى ما يمكنك أنت أن تعطي كي تربح المصلحة أكثر وعندها أستطيع أن أعطيك الزيادة التي ترضيك”.
النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !
المصدر :
موقع فلسطينيو48 www.pls48.net
أحدث التعليقات