الإدارة الماليّة للمصلحة (5).. “نظرية الفاصولياء”
بقلم : رامي عنابوسي -و- رامي كتاني
وبعدما وقفنا في الحلقة الأخيرة على معنى “التسعير” الناجح وطرق التسعير المتبعة التي تضمن لمصلحتك أن لا تخسر على المنتج أو السلعة أو الخدمة المعروضة ولا بد لنا أن نكمل الصورة في هذه الحلقة مع الجانب الأساسيّ في المعادلة وهو جانب مصاريف وتكاليف الإنتاج والخدمات, إذ نلحظ ولا سيّما في وسطنا العربي نوعاً من العقم أو الفراغ الإداري لدى التعامل مع هذا الجانب الخطير.
ليس من حاجة أن نبيّن أنّ تكاليف الإنتاج والخدمات تنطوي على المصاريف المباشرة مثل المواد الخام وساعات العمل الإنتاجيّة والتسويقية ومصاريف تشغيل الماكنات وما إلى ذلك, علاوةً على المصاريف غير المباشرة كتكلفة استئجار المكاتب وضريبة الأرنونا والكهرباء والاتصالات والمواصلات وغيرها كثير, إذ أن أصحاب المصالح والشركات يدركون ذلك وقد وقفنا على هذا المفهوم في حلقات سابقة.
إلا أنّ هنالك مصاريف نلمس حيالها – من خلال تجربتنا – نوعاً من الفراغ والجهل الإداريين بسبب عدم استيعاب المفهوم الحقيقي للمصاريف وإدراك واعي للمصاريف الحقيقيّة التي يجب أن ندخلها في جداول حساباتنا وللمصاريف الوهميّة الزائدة التي لا بدّ للمصلحة الناجحة والطامحة للريادة من إلغاءها وإزالتها بشكل مطلق من جداول حساباتها؟
أنت متفق معنا أن المال هو “الواسطة ” التي بمساعدتها تستطيع:
– أن تشتري وقت وقدرات وجهد العمال والموظفين الذين يعملون لديك,
– أن تشتري المواد الخام والمواد المساعدة لإنتاج المنتج المعروض للبيع,
– أن تشتري البضائع المعروضة للبيع,
– أن تشتري خدمات مسوقين وظيفتهم زيادة مبيعاتك.
باختصار المال يعطيني الإمكانية في أن أربح!
ومن هنا نحدّد القاعدة: “أي مصروف لا يؤدي إلى زيادة المدخولات هو “تبذير” لا بد من التخلّص منه”
ففي قوانين الإدارة الحديثة لا نعترف بالمصطلح “مصروف” بل هنالك مصطلح وحيد هو “استثمار”, فأيّ مصروف لا يؤدي إلى زيادة مدخول على المدى القريب أو البعيد وفق حسابات وخطط مدروسة وواضحة لا يعدّ استثمارا وإنما يعدّ تبذيراً, وفي المقابل فالمصروف الذي يؤدي إلى زيادة المدخول لا يسمّى مصروفاً ولكن يسمّى استثمارا.
هاك بعض الأمثلة من حياتك العمليّة كي ترى بأم عينك البعد بين إدارة مصلحتك الحالية وبين قوانين الإدارة الحديثة التي أثبتت نجاحها في المصالح والشركات المطبقة لها محليّاً وعالميّاً:
1- مصاريف العامل الذي لا يجلب مدخولاً يعادل 5 إلى 10 أضعاف تكلفة تشغيله (متعلق بنوع المصلحة) تعتبر تبذيراً لا استثماراً, بكلمات أبسط: وجود هذا العامل في المصلحة يشكّل عائقاً وبكلمات أكثر دقّة وأكثر جلاءً وصراحة, يعتبر استمرار وجوده في الوضعية المذكورة مسّرعاً في عرقلة تقدّم المصلحة وانهيارها.
أولاً وقبل كل شيء فنحن لا ننصحك أن تبدأ مباشرة بطباعة بلاغ فصل للعامل المذكور, فالوصف المذكور قد ينطبق على كلّ عمالك وموظفيك وقد يؤدّي تسرعك إلى إبقائك وحيداً في المصلحة, ثمّ إذا كان عاملك كالمذكور فالمشكلة في 99% من الحالات ليست في العامل بل العيب فيك وعندك أنت كصاحب مصلحة كما سنبيّن ونفصل ذلك في الحلقة القادمة بإذنه تعالى.
2- إذا كان أحد المنتجات في خط إنتاجك لا يؤدّي إلى زيادة مدخولك “الصافي” فإن هذا المنتج هو منتج زائد وكل شيقل تصرفه على إنتاجه وتسويقه هو “تبذير” يبعدك أكثر عن هدفك في أن تكون مصلحتك ناجحة ومربحة. نقصد في المدخول “الصافي” أي المدخول الناتج (وليس المدخول المباشر) عن تسويق المنتج بعد اختزال جميع مصاريف إنتاجه وتسويقه.
طبعا هناك حالات خاصّة لا بد فيها لصاحب المصلحة من الاستمرار في إنتاج وتسويق منتج ما رغم أنّه لا يزيد في المدخول الصافي المباشر للمصلحة بل ربّما كان يسبب خسارة مباشرة, ولكن هذه الحالات أيضا لا تشذّ عن القاعدة المذكورة.
وكيف ذلك؟
صحيح أن المصلحة تخسر على المنتج نفسه, ولكن إذا تمّت إزالته من قائمة منتجات المصلحة فقد تتضرّر مبيعات المنتجات الأخرى التي تربح المصلحة من بيعها وفي هذه الحالة لا بدّ للمصلحة من إبقاء هذا المنتج الخاسر كي تحافظ على مستوى مبيعاتها في المنتجات الأخرى, ولكن بعد التأكّد من أن استمرار تسويقه يجلب فائدةً (ربحاً صافياً) أكبر للمصلحة مقارنة مع قرار إيقافه, فكما أنّ هنالك مدخولات مباشرة من بيع منتج ما يوجد كذلك مدخولات غير مباشرة لا تقلّ أهمّيّة !
وعليه, فالإدارة الناجحة لا بدّ لها أن تتعامل مع المدخول الصافي السالب للمنتج المذكور على أنّه جزء من تكاليف الإنتاج والتسويق للمنتجات الرابحة (ذات الدخل الصافي الموجب) ويدخل في معادلة التسعير, ولا يصل المطاف بحال إلى وضعية تزيد فيها الخسارة من المنتج المذكور على الربح من سائر المنتجات, فالسطر الأخير هو الأهمّ وليس البيع هو الهدف, ومن كان هدفه البيع فقط فليتجهّزن للأسوأ !
مثل الحالة المذكورة نلمسها في مصالح كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
مصانع المخللات والمكابيس وهي كثيرة في وسطنا العربي.
مصانع المخللات لا تربح في الغالب على مخللات الخيار وتبيعه مراراً بأسعار التكلفة وفي حالات أخرى تبيعه بخسارة معينة لأنها تعلم أنّه من دون أن يكون في قائمة منتجاتها هذا الصنف فلن تستطيع أن تبيع منتجاتها الأخرى لكونه منتج أساسي في عالم المخللات على الرغم من أن ربحه الصافي المباشر يقترب من الصفر إيجاباً وسلباً, ولأن المنتجين على علم بأنّ تجّار الجملة وأصحاب السوبرماركتات والبقالات لن يكونوا من زبائنها إذا ما خلت قوائمها من هذا المنتج الرئيس.
وعلى الرغم من ذلك فإن قوانين الإدارة الحديثة تعرض حلولاً إداريّة عبقريّة لمثل هذه الحالات تضمن تقليل الخسائر المباشرة من هذه المنتجات بل قد تؤدي إلى الربح على الرغم من المنافسة الشديدة في السوق وسنقف على ذلك في وقت لاحق إن شاء تعالى.
هذه النظرية الإدارية تسمى في عالم الإدارة بنظرية “الفاصولياء”
يجب عليك صاحب المصلحة الطامح للنجاح أن تفكّر في المصروف بمصطلحات “الاستثمار”, ويجب أن “تستثمر” مالك في مصاريف تؤدّي بك إلى زيادة المدخول وليس في مصاريف لا تضيف مدخولاً إضافيّاً.
حالك تحت ظلّ هذه النظريّة كحال المزارع الذي يملك طنّاً واحداً من الفاصولياء وعنده 20 دونماً من الأرض الزراعيّة ويعلم أن هذا الطنّ يمكن زراعته في 5 دونمات فقط.
فإذا اتّبع النظرية التي تعلمتها أنت وطبقها كما طبقتها أنت فإنه سيختار ال- 5 دونمات الأكثر خصوبة والأكثر عطاءً بشكل علميّ مدروس وبذلك يصل إلى محصول نهائي 100 طن مع مصاريف أقلّ من ذلك المزارع الذي استغلّ الأرض كلّها وخرج بمحصول أقلّ بكثير وبمصاريف أكثر.
هل مفهوم النظرية واضح لديك؟
كل عامل, كل منتج, كل مصروف, كل ماكنة, كل دعاية, كلّ برنامج تسويقي, كلّ مسوّق, كلّ فعّاليّة, كلّ تفوّق في مجال من مجالات العمل, كلّ شهادة جديدة, كلّ خبرة جديدة وكلّ سوق جديد, كلّ مجال عمل جديد . . . افحصه وفق هذه النظرية, فإذا كان يؤدي لزيادة المدخول فهو عامل إيجابي لتقدّم المصلحة وإذا كان لا يؤدّي إلى زيادة المدخول الصافي فهو عامل مسرّع في فشلك وانهيارك.
النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !
المصدر :
موقع فلسطينيو48 www.pls48.net
أحدث التعليقات