مقال : الإدارة الماليّة للمصلحة (3) – رامي عنابوسي -و- مجدي كتاني

الإدارة الماليّة للمصلحة (3)

بقلم : رامي عنابوسي ومجدي كتاني

معضلة خنق السيولة وسبل الوقاية منها
إنّ ضرورة متابعة حلقات هذه السلسلة نابعة بالأساس من المعطى الخطير الذي تكرّره الإحصائيّات الرسمية ونذكّر به المرّة تلو المرّة وهو أن نسبة المصالح التي تغلق أبوابها خلال فترة 5 سنوات من تأسيسها تصل إلى 70% في البلاد, ونستطيع تأكيد هذه الحقيقة الإحصائيّة من خلال احتكاكنا الميدانيّ بل إن الدلائل تشير إلى أنّ نسبة الفشل في أوساط المصالح العربية هي أعلى من النسبة القطرية.

ورغم أنّنا بدأنا نلمس اهتمام أصحاب المصالح بأساليب الإدارة الحديثة وتطوير قدراتهم الإداريّة بشكل علميّ ومهني, إلا أنّنا وكما أشرنا في مقالنا الأوّل لهذه السلسلة فإن أوّل ما يجب أن نعالجه هو المفاهيم المغلوطة بل الفاسدة التي لا تزال تعشّش في عقول المدراء الذين يصرّون مستكبرين على التمسّك بها من منطلق التقليد الأعمى ومن منطلق تفضيل الدعة والكسل على مواجهة الصعوبات الإداريّة وجهاً لوجه, وما لم يتّخذ المدير قراراً حازماً في التغلّب على ضعفه وتجاوز تخوّفاته فلن تتمكّن مصلحته من كبح تدهورها ومن تغيير وجهتها إلى أعلى.

ولكي نتحوّل من النصوص النظرية إلى التوجيهات العمليّة فتعالوا بنا نطرح بين أيديكم مشكلة المشاكل الإدارية المالية وطرق حلها. السرّ الذي يخفيه صاحب المصلحة ويأبى أن يصارح نفسه به أحياناً ولا يجرؤ أن يبوح به هو معضلة “خنق السيولة”, وهذه آفة مستشرية قد ألمّت بجلّ المصالح وباتت سبباً رئيساً في الانهيارات العصبيّة قبل الانهيارات الماليّة للمصالح.

إنّ معضلة خنق السيولة أساسها المفاهيم الفاسدة آنفة الذكر ذات البريق الخادع والتي تحمل في طيّاتها سمّا قاتلاً وفتّاكاً وتدور بالأساس حول مفهوم القروض وتسويقها الناجح كحلّ سريع وسهل وأكيد بل ووحيد لأيّ مشكلة مالية, ولكي نفصّل أكثر نكرّر على مسمعك هذه الدعايات التي طالما لاحقتك وتلاحقك بشكل أو بآخر:

(1) وراء كلّ مصلحة ناجحة بنك ناجح ! . . . هراء
(2) تحدّد المصلحة مصاريفها وفق احتياجاتها وليس وفق قدراتها المالية وإذا فاقت احتياجاتها قدراتها هناك بنك يدعمها ! . . . هراء
(3) اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب / عندما يحين وقته يحين مقته! . . . هراء
(4) المصلحة الحكيمة يجب أن تستغل كلّ الفرص السانحة والصفقات التي لا تعوّض ! (فإذا كان هنالك عرض سعر مخفّض لبضاعة أو مواد خام بكميات كبيرة تفوق حاجة وقدرة المصلحة بكثير فلا بد للمصلحة من “ربح” هذا التخفيض ولو على حساب قروض بنكية) . . . هراء

ويتّهمنا من رضعوا حليب البنوك والمؤسسات الانتهازيّة ويتصدّرون للذّود عن حما من لا يزال يمتصّ ويبتزّ أموالهم وثمرة جهدهم تحت مسمّى الفائدة, بعدم واقعيّة الطرح بل يعتبرونه ضرباً من خيال حالم وسبب ذلك أنّهم يريدون أن يكون الكلّ في أكل الهواء سواء, وننصح أمثالهم بان لا يضيعوا من أوقاتهم العصيبة أكثر ممّا مضى وأن يكفّوا عن متابعة حلقات هذه السلسلة حتّى يتخلّصوا من تأثير حقن الامتصاص الربويّة ويتخلّصوا من أثر المسّ والتخبّط.

الأدوات العمليّة:

أوّلا وقبل كلّ شيء يجب أن تفحص ما هو مدخولك الشهري العام, من هذا المدخول تختزل الآن (ولا تنتظر حتى يأتي يوم الدفع) جميع المصاريف التي هي أصلا ليست لك وإنما مرّت عن طريق مصلحتك مروراً آنيّاً مؤقّتاً ونقصد:

(1) ضريبة القيمة المضافة.
(2) خدمات ومقاولات خارجية (كأجرة مقاولين ثانويّين أو عمولة عميل مثلاً)

ويجب أنّ يتمّ أيضاً اختزال:

(1) تكلفة المواد الخام المستهلكة فعليّا في إنتاج المدخولات لهذا الشهر لدى المصالح الصناعية
(2) وتكلفة المخزون الذي بيع فعليا في هذا الشهر لدى المصالح التجاريّة.

بعد إقصاء كل هذه المصاريف نتوصّل إلى “الربح الإنتاجي الصافي” الذي يعدّ أساس الخطوات التالية.

ثانياً في حالة أنك توصّلت إلى ربح إنتاجي صافي سالب معنى ذلك أنك تخسر حتى في مرحلة الإنتاج وما لم تسعفك محاولاتك أو الاستعانة بمستشارين متخصّصين في التحوّل من خسارة إنتاجية إلى ربح إنتاجي (سواء من خلال رفع سعر البيع للزبون أو تقليص التكاليف) فلا بدّ من الامتثال الفوريّ لنصيحتنا بإغلاق أبواب المصلحة لأنّ كلّ يوم إضافي يمرّ على تفعيل المصلحة ما هو إلا زيادة في ديونها وفي أعباء وتبعات إغلاقها فيما بعد.

ثالثاً من الربح الإنتاجي الصافي يجب أن تحدّد نسبة تتراوح بين 37% إلى 50% كمصاريف أجور عمال وموظفين وذلك بمصطلحات التكلفة للمصلحة وليس بمصطلحات الدفع الصافي للعمال, أي يجب أن تحوي أيضا المصاريف التي تدفع على المعاشات كرسوم التأمين.

تحديد النسبة المذكورة لم يكن اعتباطيّا وإنما هو مبنيّ على إحصائيات دقيقة لمصالح ناجحة في مجالات مختلفة على المستويين المحلّي والعالمي.

رابعاً إن كان مصروف القوى العاملة عندك يزيد عن 50% – عدا حالات خاصّة جدّاً- فأنت ومصلحتك في حقل ألغام من العسير وربّما من المستحيل الخروج منه إلى برّ الأمان دون تقليص ملحوظ في مصاريف أجور العمال كي تحصر نفسك في مجال النسب المذكورة.

ونذكّر بنقطة هامّة يجب أن لا تغيب عن ذهنك إطلاقا وهو أن تأخذ بالحسبان من ضمن أجارات العمّال أيضاً أجرك أنت كصاحب مصلحة أو صاحب شركة حتى لو لم تتقاضاه فعليا, فإنّ هذه المعادلة وجدت أصلا كي توجِد لك معاشاً ثابتاً في كلّ شهر مقابل جهدك بالإضافة إلى أرباحك السنويّة الإضافية كصاحب مصلحة, وإلا فما الداعي لتفعيل مصلحة أصلاً إن كنت ستتقاضى أجر عامل فيها فقط.

خامساً من الربح الإنتاجي الصافي, يجب أن تحدّد نسبة تتراوح ما بين 29% إلى 16% (بتناسق مع مصروفات أجور العمال بحيث يصل مجموع المصروفين إلى حد أعلاه 66%) كمصاريف مكتبية وإدارية تحوي داخلها كلّ مصاريف إدارة المكتب وضريبة الأرنونا واستئجار المكاتب والمخازن وصيانة الماكنات والسيارات . . .

تذكر النسبة 66% هي الحدّ الأعلى الذي لا يجوز لك تجاوزه بحال من الأحوال لمجموع مصاريف أجور العمال والمصاريف المكتبيّة والإدارية.

سادساً 14% من الربح الإنتاجي الصافي تخصّص كمصروفات تسويقية – وليس دعائية – وسنقف في حلقة لاحقة على الفرق الكبير والبون الشاسع بين الدعاية والتسويق.

سابعاً إذا كانت المصلحة بلا ديون من الماضي وبلا قروض فيتبقى 20% كأرباح صافية –قبل الضريبة- تختزن بشكل شهري حتى يتمّ القرار في نهاية العام بشأن استثمارها بشكل من جديد في المصلحة لتحديث أو اقتناء ماكنات أخرى أو شراء سيارات أو مخازن وغير ذلك, أو استثمارها في مشروع جديد إن لم يكن لها حاجة في المصلحة أو توزيعها كأرباح على أصحاب المصلحة.

ثامناً أما إذا كانت المصلحة تعاني من ديون وقروض بنكية وغيرها من الماضي فيجب أن تحدد سقف أعلاه 15% من الربح الإنتاجي الصافي كسداد لهذه الديون والباقي 5% من الربح المذكور يكون ادّخارا وقائيّاً حتى يتمّ القرار بشأنه في نهاية العام.

إذا كانت ديونك كثيرة وخانقة إلى حدّ لا يطاق فتستطيع أن تغيّر من وتيرتها الشهريّة أو عن طريق التحوّل إلى بنوك أخرى منافسة لتحديد النسبة المذكورة كحدّ أعلى لسداد الديون الشهري.

وإذا لم تستطع أن تدخل مصلحتك للبوتقة الموصوفة أعلاه فستكشف لك الأيام أنّ مصلحتك لن تتحول لمصلحة ربحيّة لأن هذه المعادلة هي المعادلة الوحيدة لضمان الربح في المصالح أو قل هذه هي المعادلة الأمثل المجرّبة على أرض الواقع والتي أثبتت نجاحها, وقد تمّ تجريبها على مصالح عربية محلية تعيش في نفس السوق التي تعيش فيه مصلحتك وفي نفس المناخ الرأسمالي وتحت نفس الضغوطات ومع نفس الأفكار المضللة والموبوءة المذكورة وعلى الرغم من ذلك نجح أصحابها في تحويل مصالحهم لمصالح ربحية مزدهرة بتوفيقه تعالى ومشيئته.

النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !

المصدر :

موقع فلسطينيو 48 www.pls48.net