الإدارة الماليّة للمصلحة (1)
بقلم : رامي عنابوسي ومجدي كتاني
سنحاول من خلال سلاسل متتابعة أن نفيد القارئ الكريم سواءً كان صاحب مصلحة أو شخصاً مهتمّاً بفنون الإدارة والأعمال والتسويق, بمعلومات أساسيّة وضروريّة عن كلّ جانب منها للحاجة الماسّة إليها في إدارة شؤون المصلحة المالية والإدارية والتسويقيّة بشكل ناجح وسليم.
لقد شرّف الله الإنسان وميّزه بالعلم والمعرفة, فمكمن قوّة الإنسان في العلم الذي به يعمر الأرض ويعمر مصلحته ويعمر شؤون حياته كلّها, ولهذا كان لا بدّ للإنسان من التسلّح بسلاح العلم والمعرفة ومن مواكبة التطوّرات من حوله كي لا يكون متخلّفاً, ومن هذا المنطلق فلا أقلّ من متابعة حلقات هذه السلسلة لمن يريد أن يكون لمصلحته ثبات في الحاضر وازدهار في المستقبل.
بدايةً ولكي تنجح في الإدارة الماليّة للمصلحة ينبغي أن تتخلّص من أسر تلك القناعات والسلوكيّات التي أورثتها واعتاد الناس من حولك عليها حتّى أضحت مسلّمات لا يجرؤ على مخالفتها أحد, وقد أشير إلى ذلك في حديث روي عن رسول الله, حيث يأتي زمان يصبح فيه المنكر معروفاً والمعروف منكراً, لأنّ الناس إذا اعتادوا شيئاً ألفوه وعرفوه, ومن بين القناعات والسلوكيّات التي سوّق لها المنتفعون:
1. لا بمكن العيش بدون إطار سالب في البنك.
2. الشراء بالدين والأقساط فرصة سانحة بل حقّ طبيعيّ.
3. إقامة مصلحة بدون قرض كإقامة دار بدون أرض.
4. عبارات: “نحن مضطرّون” / “السوق يتطلّب” / “الجميع هكذا”
وقد ساهمت البنوك وشركات الائتمان التابعة لها في تغذية وتشجيع المستهلك على الاقتراض والتقسيط والشراء فوق ما يستطيع وفتحت الإطارات السالبة أمام المستهلك, وأصبح البائع والمشتري أسيرين للبنك مرتبطين به ارتباطاً وثيقاً, يشتري المستهلك ولا يدفع ويبيع البائع ولا يقبض وفي الحقيقة يشتري المشتري ويبيع البائع بأموال البنوك.
الغريب في هذه المعادلة أنّ البائع والمشتري يعيشان في دين ويموتان في دين وكلاهما يظلّ خاسراً وإن ربحا على الورق, أمّا الرابح في هذا العالم فهو صاحب المال الذي لا يزال ماله يلد المال, وقد لعن الله هذه المعادلة وشركائها بل أعلن الحرب عليها لما فيها من إفساد للمجتمع وتدمير لمقوّمات الحياة التجارية والاستهلاكيّة الراشدة والسليمة.
القوانين في الإدارة المالية صارمة وحازمة ولا تحتمل مداهنة ولا تعرف ضغوطاً ولا تعترف بقوانين السوق ومتطلّباته مهما قويت شوكتها وزادت حدّتها, وبالتالي صاحب المال هو صاحب القرار ومن يصرّ على مجاراة السوق وضغوطاته سيجد نفسه مضطرّاً لعقد صفقات خاسرة وحملات فاشلة في سبيل إرضاء السوق والمستهلك.
وبعد أن أصبحت مهيّئاً لنبذ هذه المسلّمات ندعوك لمرافقتنا نحو “النجاح” في عالم المال والعمال.
(1) “المعرفة = قوّة”
هذا القانون هو الأساس في الإدارة الماليّة, ومنه يتمّ الانطلاق بعيداً وعالياً, فبدون معرفة دقيقة لوضعك الماليّ الحاليّ والمستقبلي أنت لا تقف على ارض صلبة.
قد تقرّر فتح المصلحة أو الاستثمار في مشروع جديد, ولكن هل لديك المعلومات الكافية بشأن هذه الخطوة وتكاليفها, هل لديك المعلومات الكافية عن وضعك المالي في هذه اللحظة !
ومن هنا انبثق قانون آخر: “المعرفة = سيطرة”
إذا عرفت وضعك بدقّة كنت مسيطراً وأكيداً من خطواتك, أمّا التخمين فلن يعطيك الثقة ولن تكون أكيداً في تحرّكاتك. والخطوة الأولى نحو نجاح الإدارة الماليّة أن تعرف وضعك المالي الحاليّ في كبسة زر, لأنّ الإدارة الماليّة هي في نهاية المطاف تخطيط ورؤية للمستقبل ويتوجّب أن يظلّ الحاضر مكشوفاً ومتابَعاً ليظلّ المستقبل مستمدّاً من أرض صلبة.
فكلّ مشكلة في الحاضر لها حلّ في المستقبل, وكلّ حلّ في المستقبل يجب أن يسبقه تخطيط وكلّ تخطيط تسبقه معرفة.
ومن هنا انبثق قانون ثالث: “لا تقدّم الأمل على العمل”
هنالك من يتأمّل أن يتحسّن الحال في المستقبل وان تحدث إيجابيّات تخرجه من مأزقه الماليّ فتراه يضع رأسه في التراب ويتوجّه مباشرة نحو الاقتراض, من دون دراسة ولا تخطيط معتمداً على الوهم والأمل الذي سيسلبه ماله ويتركه غنيمة للمقرضين ووليمة للشامتين ! ووقت الضيق ينكشف العدو من الصديق.
(2) الخطّة الماليّة
إنّ التخطيط المالي الأمثل هو التخطيط الذي يعتمد على ما هو أكيد ولا يعتمد على ما هو متوقّع, ولذلك فإن التخطيط للمستقبل ينبغي أن يعتمد على الدخل الحاضر المؤكّد ومنه تٌشتقّ المصروفات المستقبليّة وليس العكس, أما الاعتماد على المصروفات لتحديد المدخولات المستقبليّة ففيه مجازفة خطيرة.
القانون: “حدّد المصروفات وفق المدخولات وليس حسب المتطلّبات”
ليس في عالم المال مصطلحات أنا ملزم ومضطرّ ومستحيل, يجب أن تنسى هذه المصطلحات وتلغيها من قاموسك إذا أردت أن تدير مصلحة تريحك بدل أن تشغل بالك وتنهك أعصابك.
القانون : “ادفع حالاً ولا تؤجّل”
هذا القانون يغيب كثيراً عن الأذهان ويخلق بلبلة في الإدارة, فإن كان المصروف لا بدّ منه وتملك الثمن فبادر بدفعه من دون تأجيل ولا تقسيط, أمّا ما دام الثمن غير موجود فلا حاجة لهذا المصروف. فبمجرّد التسويف في الدفع ستجد نفسك في اندفاع نحو مصروف آخر وآخر من دون تغطية ولا ضمان.
هذه القوانين يجب تطبيقها على المصلحة منذ بداية إنشائها, أمّا المصالح القائمة والتي انجرّت مع المنجرّين فلن يكون الانتقال نحو تطبيق هذه القوانين سهلاً ولكنّه غير مستحيل, وليكن لك فيمن انهارت مصالحهم عبرة وعظة !
القانون: “حدّد خمس أرباحك كوسادة ضمان”
لا يعقل أن تدير مصلحة منذ عشرات السنين من دون وسادة أمان تقيك, ولا بدّ أن تحدّد ما نسبته 20% من أرباحك كفائض أمان, وبالنسبة لمصلحة تقليديّة ترتّبت عليها ديون قديمة فالديون القديمة تدفع من هذا الفائض فقط وبنسبة لا تتعدّى 15% بحيث تبقى وسادة ضمان بنسبة 5% من الأرباح.
إذا لم تتبقّ هذه النسبة فلا بدّ أن لديك خللاً في المصاريف العامّة أو التسعير أو التخفيضات أو المعاشات.
(3) القانون: “تقاضى أجر عملك”
من الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند حساب أرباح المصلحة ومصاريفها هو معاش صاحب المصلحة إذا كان يسدّ وظيفة ما في المصلحة عدا إدارة المصلحة, فالأصل أن يكون دور صاحب المصلحة هو إدارتها ومراقبتها وتخطيط مستقبلها وليس أيّ شيء آخر, فإذا قام صاحب المصلحة بسدّ وظيفة أخرى في المصلحة فيجب اقتطاع معاش له على هذه الوظيفة ليكون التخطيط المالي وافياً لأنّه إن لم يفعل ذلك فسيظلّ عاملاً في هذه الوظيفة ولن يتمكّن مستقبلاً أن يستأجر من يسدّ مكانه ليتفرّغ لوظيفته الطبيعيّة كمدير.
وهذا هو أحد الأسباب التي لا يستطيع فيها صاحب المصلحة أن يغيب عن مصلحته أو يقضي فترة نقاهة أو إجازة لأنّه في حقيقة الواقع خطّط المصلحة وبناها ليكون فيها عاملاً تستعبده.
هذا الأمر ضروري لأنّك لن تجد في العالم الحاضر مغفّل آخر يقبل أن يعمل لديك من دون مقابل غير زوجتك ولا حتّى أولادك !
النقاط التي تمّ عرضها خلال السلسلة هي نقاط تمّت دراستها وتطبيقها على مصالح محلّيّة وعالميّة وقد لا تنطبق على مصلحة بعينها ولذلك تجدر الاستشارة قبل الإقدام على تطبيق أيّ خطوة عمليّة !
المصدر :
موقع فلسطينيو 48 www.pls48,net
أحدث التعليقات