إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها
بقلم : د. رفيق المصري
هل في القرآن ما يدل على اهتمام الإسلام
بدراسات الجدوى الاقتصادية ؟
قال تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم ، وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل سورة التوبة 60 .
يلاحظ في هذه الآية أن مصارف الزكاة ثمانية مصارف ، سبعة منها تمثل الإيرادات ( الزكوية ) ، وواحد منها يمثل النفقات ( الزكوية ) ، وهو مصرف العاملين عليها . والمصارف السبعة تأخذ من الزكاة على سبيل المواساة ( لأجل الحاجة ) ، ومصرف العاملين يأخذ من الزكاة على سـبيل المعاوضة ( أجر العمل ) . وبعد تنـزيل نفقات العاملين من إيرادات الزكاة نحصل على الإيرادات الصافية التي توزع على المصارف السبع . المصارف السبع هي الهدف ، ومصرف العاملين هو الوسيلة . ومع أن الفقهاء يقدمون الصرف على العاملين على سائر المصارف الأخرى ، إلا أن القرآن قدم مصرف الفقراء والمساكين على مصرف العاملين ، وجعل لها الأولوية الأولى ، ربما للإشارة إلى أن مصرف العاملين يجب أن يبقي للمصارف الأخرى ما يسد حاجتها ، ويحقق الهدف من الزكاة . ومع هذا فإن مصرف العاملين قد أتى ذكره مباشرة في الأولوية الثانية بعد مصرف الفقراء والمساكين ، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى أراد ، والله أعلم ، الإنفاق على جباية الزكاة وتوزيعها من حصيلة الزكاة نفسها . وكان من الممكن السكوت عن العاملين عليها ، للصرف عليهم كغيرهم من العاملين من إيرادات أخرى غير إيرادات الزكاة ، أي من بيت مال المصالح ( الميزانية العامة ) . واختلف الفقهاء في مصارف الزكاة : هل يجب فيها الاستيعاب والتسوية أم لا يجب ؟ هل لكل منها الثُّمُن 1/8 ، بحيث لا يمكن تجاوزه ؟ أم يمكن المفاضلة والتفاوت بين هذه المصارف ، والمناقلة بينها ، حسب الأحوال والظروف ؟ الجمهور على جواز ذلك .
أجاز بعض العلماء الصرف على العاملين على الزكاة من المصارف الزكوية الأخرى ، أو من الميزانية العامة ، لكي يحصلوا على أجر الِمثْل ( أجر السوق ) ، بل ربما رأى بعضهم جواز إعطاء العاملين الآخرين في غير الزكاة من هذا المصرف . الشق الثاني فيه بعد ، لأن الله تعالى قال : العاملين عليها ، ولم يقل : ” العاملين ” ، والشق الأول فيه نظر ، لاسيما في حال تعدي الإنفاق على الزكاة إلى الميزانية العامة . ورأى بعضهم ألا يزاد العاملون على الزكاة على الثُّمُن 1/8 ، ورأى آخرون ألا يزادوا على النصف . وقد يبدو أن لهذا التحديد الأخير ما يبرره إذا كانت الحصيلة ضعيفة ، والجهد كبيرًا .
المهم هنا : هل يتم الإنفاق على الزكاة منها أم من غيرها ؟ ظاهر الآية أن الإنفاق يجب أن يكون منها ، وإلا فقد يؤدي الأمر إلى أن تزيد نفقات الزكاة على إيراداتها ، وتنفلت الرقابة الإدارية والمالية . وقد يقال هنا : إن جمع الزكاة وصرفها من قبل الدولة ، أو الجمعية ، غير اقتصادي ، لأن النفقات تأكل الإيرادات أو تكاد . وعندئذ قد يحسن إيكال الزكاة إلى الأفراد ، لكي يؤدوها بأنفسهم بدلاً من الدولة ، توفيرًا لإيراداتها وتجنبًا لنفقاتها .
في بعض البلدان ، أو الهيئات ، ربما تقوم الدولة ( أو الجمعية ) بجمع الزكاة ، بغض النظر عن نفقاتها ، لأمر ديني ( تعبدي ) أو سياسي محض . فلو أخذت هذه النفقات بعين الاعتبار لربما وجدنا أنها تزيد على الإيرادات ، أو تساويها ، أو تكاد . وعندئذ فقد يقال : ما جدوى تطبيق الزكاة من الناحية الاقتصادية ؟
القرآن يعلمنا أن ندرس الجدوى الاقتصادية للزكاة ، لأنه أدخل مصرف العامـلين عليها بين المصارف وجعله واحدًا منها . ويجب أن نراعي هذه الجدوى ، بحيث تكفي حصيلة الزكاة للصرف على الفقراء والمساكين وغيرهم من المصارف ، كما تكفي أيضًا لتغطية مصاريفها الإدارية . ويجب أن تكون إيراداتها أعلى من مصـاريفها بمقدار جوهري ، وإلا فإن الإنفاق على إدارة الزكاة ، تحصيلاً وصرفًا ، قد يأكل حصيلتها . فليس الغرض الأول من فرض الزكاة هو الإنفاق ( الإداري ) على موظفيها ، بل الإنفاق ( الخيري ) على المصارف الأخرى . فالإنفاق على هذه المصارف هدف ، والإنفاق على الموظفين وسيلة . ويمكن تطبيق سقف الثُّمُن 1/8 على مصرف العاملين عليها ، حتى ولو لم يطبق مبدأ الاستيعاب والتسوية بين المصارف .
فالزكاة عبادة ، ولكن الجدوى الاقتصادية مطلوبة فيها بنص القرآن . وهذا درس في الاقتصاد والجدوى الاقتصـادية ، ويمكن أن يستفاد من هذا الدرس ، لا في الزكاة فحسـب ، بل في سائر المشروعات أيضًا . فإذا أردنا استدامة المشروعات وبقاءها وتطورها ، كان لابد أن تكون رابحة اقتصاديًا ، وإلا فإنها ستوصم بعدم الكفاءة ، وستمنى بالفشل ، وستؤول إلى التضاؤل والتآكل والتلاشي والزوال ، لاسيما تحت وطأة المنافسة التي قد تعجل بفشلها .
المصدر :
موقع الدكتور رفيق المصري
أحدث التعليقات