زكاة المدين :نقطة خلاف
بقلم : د. رفيق المصري
1 – يقول القرضاوي : ” إن المدين ، دينًا يستغرق النصاب زكاة المدين :نقطة خلافأو ينقصه ، هو ممن يحلّ له أخذ الزكاة ، لأنه من الفقراء ، ولأنه من الغارمين ، فكيف تجب عليه الزكاة وهو ممن يستحقها ” ؟ ثم يقول : ” إن الصدقة لا تشرع إلا عن ظهر غنى ( … ) ، ولا غنى عند المدين ” ( فقه الزكاة 1/168 ) .
2 – يقول محمود أبو السعود : ” الذي يبدو لنا هو أن الفقهاء القدامى ، وتابعهم فقيهنا القرضاوي ، يرون أن المدين فقير محتاج ( … ) . وهذا التصور قاصر ، لأن غالبية المدينين هم رجال الأعمال في عصرنا ، وهم من الميسورين ، وليسوا من الفقراء والمساكين ” ( فقه الزكاة المعاصر 76 و 77 ) . ويقول أيضًا في موضع آخر : ” ذكر ( ابن رشد ) أن المدين ليس بغني ، وهذا القول صحيح حين ينسب إلى زمان ابن رشد وبيئته التي عاش فيها في القرن السادس الهجري ، حين كان من غير المألوف أن يقترض الغني ( … ) . هذا التصور ( … ) قد تغير تغيرًا ملحوظًا في القرن العشرين الذي نعيش فيه ، إذا لا يقتصر الاستسلاف ( الاقتراض ) على الفقراء والمحتاجين ، بل إن غالبية المقترضين اليوم هم من الأغنياء الذين تتوافر لديهم أصول ضخمة وأعمال رائجة ( … ) ، ومعلوم مشهور أن جزءًا مهمًا من الأموال التي يقترضها هؤلاء الأغنياء يتكون من ودائع الأفراد والهيئات المتواضعة ، وهم ليسوا في غالبيتهم من أهل الثراء ” ( نفسه 64 ) .
3 – ( أ ) لا أظن أن القرضاوي قصد بكلامه المذكور كل مدين ، بل قصد مدينًا محددًا ، وهو المدين بدين يستغرق نصاب ماله ( ثروته صفر ) ، أو ينقصه ( ثروته تحت النصاب ) ، وهذا ينطبق أيضًا ، ومن باب أولى ، على من ثروته سالبة ( مدين صافٍ ) . وهذا لا ينفي أن هناك مدينًا لا يستغرق دينه نصاب ماله ولا ينقصه ، بل يبقى صاحب نصاب ، حتى بعد طرح ( إسقاط ) دينه . والدليل على هذا ما ذكره القرضاوي نفسه في كتابه ( فقه الزكاة 1/168 سادسًا ) .
وقصد القرضاوي من هذا أن يستدل ، بغض النظر عن صحة استدلاله ، لإسقاط الدين من مال الزكاة ، في حدود الدين ، دون أن يعني هذا أن كل مدين بدين ، أيًا كان مقداره ، يعفى من الزكاة ، فقد يعفى وقد لا يعفى ، ولكن الزكاة في الحالتين تنـزل إما إلى الصفر في حالة الإعفاء ، أو إلى مبلغ ( موجب ) أقل في حالة عدم الإعفاء . فالدين هنا يسقط الزكاة كلها أو بعضها ، وهذا يتوقف على مقدار المال الزكوي ومقدار الدين .
(ب) ما قاله أبو السعود ، من أن المدين قد يكون غنيًا ، صحيح . ولكنه صحيح في عصرنا وفي العصور السابقة معًا ، وإن كان عصرنا عصرًا ازدادت فيه الديون ازديادًا كبيرًا . ثم إن المدين يجب ألا يفهم منه المقترض فحسب ، بل قد يكون مدينًا أيضًا نتيجة مشتريات مؤجلة . وقد يتحرج المسلم الغني من القرض لأنه بدون فائدة ، وفيه منّة ، ولكنه لا يتحرج من الشراء بالنسيئة ، لأن للزمن هنا حصة من الثمن ، ومن ثم لا توجد منّة .
والدليل على ذلك قول عثمان رضي الله عنه : ” من كان عليه دين ، فليقضِ دينه ، وليزكِّ بقية ماله ” ( الأم 2/42 ؛ الموطأ / ؛ الأموال 534 ؛ المنتقى 2/112 ؛ مصنف عبد الرزاق 4/92 ) . وكذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما : ” يخرج ما استدان ( … ) ويزكي ما بقي ” ( المغني 2/591 و 636 ) . وكذلك قول ميمون بن مهران : ” اطرح ما كـان عليك من الدين ، ثم زكِّ ما بقي ” ( الأموال 521 و 535 ؛ المحلى 6/104 ) .
فهذا مدين غني ، إذ بعد طرح ما عليه من الدين يبقى لديه مال فوق النصاب ، يزكيه . فالمدين قد يكون فقيرًا ، وقد يكون غنيًا ، في عصرنا وفي سائر العصور . والدين قد يكون قرضًا ، وقد يكون شراءً بالنسيئة .
المصدر :
موقع الدكتور رفيق المصري
أحدث التعليقات