مقال: محمد رشيد رضا في الربا – رفيق يونس المصري

مقــــــــــــــــــــــــــــــــال

محمد رشيد رضا في الربا

أ.د رفيق يونس المصري

المصدر: الموقع الشخصي للكاتب
الرابط المباشر للمقال: انقر هنــــــــــــــــــــــــــا

محمد رشيد رضا ( 1865-1935م )، ولد في لبنان، وتتلمذ على الشيخ محمد عبده ( 1849-1905م )، واتصل به خلال إقامته في لبنان، وخلال إقامة محمد رشيد في مصر. أسس مجلة المنار ( 1898-1935م )، على غرار مجلة العروة الوثقى التي أسسها محمد عبده. وتقع مجلة المنار في 34 مجلدًا، من 160 ألف صفحة، وأصبحت هذه المجلة هي المجلة الأولى في العالم الإسلامي، وكان يحرّر معظم موادّها بنفسه. من كتبه :
  • تفسير المنار ( مع شيخه ).
  • تاريخ الأستاذ الإمام ( محمد عبده ).
  • الوحي المحمدي.
  • يسر الإسلام وأصول التشريع العام.
  • الخلافة.
  • محاورات المصلح والمقلد، طبع ضمن الكتاب التالي.
  • الوحدة الإسلامية، ويتضمن محاورات المصلح والمقلد، كما يتضمن رسالته في اختلاف الأمة وسيرة الأئمة.
  • نداء للجنس اللطيف.
  • حقيقة الربا، طبع ضمن كتابه ” الربا والمعاملات في الإسلام “.
كتابه : “ الربا والمعاملات في الإسلام “، تقديم محمد بهجة البيطار، نشر دار ابن زيدون في بيروت، ومكتبة الكليات الأزهرية في القاهرة، ط 1، 1406هـ= 1986م، 174 صفحة.
محمد بهجة البيطار ( 1894-1976م ): كان مدرسًا للتربية الإسلامية في ثانوية الميدان ( دمشق ) التي تعلمت فيها المرحلة المتوسطة، وكانت له في كل أسبوع موعظة دينية يلقيها على طلاب المدرسة يوم الأحد بعد الفرصة الأولى قبل دخول الطلبة إلى الصفوف ( الفصول الدراسية ) ، وكان ابنه عاصم البيطار ( – 2005م )  رحمه الله أستاذ العربية في الثانوية نفسها، درّسنا اللغة العربية في المرحلة المتوسطة، وكان أستاذًا قديرًا درّس فيما بعد في جامعة دمشق، وكان قويًا في اللغة والنحو والإعراب، وصاحب خط جميل أشبه بخط الخطاطين، ولكنه كان شحيحًا في الدرجات ولاسيما في مادة الإنشاء ( التعبير )، فكانت أعلى درجة يحصل عليها الطلاب 50 أو 55 من 100 ! وكان للشيخ بهجة ابن آخر هو د. يسار البيطار الذي شغل منصب حاكم البنك المركزي في دمشق أو نائب حاكم.
مشكلة الكتاب : بعد قراءة الكتاب كاملاً اتضح لي أن محمد بهجة البيطار هو صاحب التقديم، وهو صاحب الخاتمة، التي دعا فيها إلى إنشاء مجلة عصرية للأحكام الشرعية، ولم أجد أن لها علاقة بموضوع الكتاب. ولست أعلم هل الهوامش التي في الكتاب هي من صنع محمد رشيد أم من صنع محمد بهجة ؟ ثم إن محمد بهجة كتب في تقديمه : ” لما كانت هذه الرسالة محتاجة إلى مقدمة وتكملة وخاتمة، كتب إليّ الناشر الفاضل واقترح عليّ كتابة المطالب الثلاثة “. أقول : نعم لقد كتب محمد بهجة المقدمة ( التقديم ) والخاتمة، ولكن أين التكملة ؟
صعوبة الكتاب : أصعب ما في الكتاب هو رسالة المفتي الهندي الحنفي الذي لم يذكر اسمه في الكتاب. وهذه الرسالة طويلة وشاقة، طويلة 54 صفحة بدون أي عناوين فرعية. وفيها من التكرار وغير التكرار ما تتصدع له رؤوس العلماء، فكيف بالعامة ؟!
محتويات الكتاب : يتألف الكتاب من :
  • تقديم لمحمد بهجة البيطار، مؤرخ في 1379هـ = 1959م. أثنى فيه على إمام العصر، ودافع عنه، إذ اتُّهم هو وشيخه محمد عبده بأنه أباح الربا. ولكن البيطار لم ينبه إلى المسألة المهمة في رسالة الشيخ رشيد، وهي إباحته لربا القرض عند إبرامه، ولم يناقشها، بل إن القارئ لا يكاد يشعر عند قراءة التقديم بأكثر من أن الشيخ رشيد أخذ برأي ابن القيم والسلام ! لكن ابن القيم لا يبيح ما أباحه محمد رشيد، بل إن الشيخ بهجة يقول في تقديمه : ” من الناس من يظن أن إباحة الربا ركن من أركان المدنية لا تقوم بدونه. وهذا باطل في نفسه “. وكأن الشيخ رشيد لم يبح شيئًا، بل أكّد التحريم، بل كأن تعليق الشيخ بهجة لم يكن تعليقًا على الشيخ رشيد، بل كأنه كان تعليقًا على الشيخ محمد عبد الله دراز، أو الشيخ محمد أبو زهرة ! غير أن الشيخ محمد بهجة قال في تقديمه : ” من العجيب الغريب أن يُتهم السيد صاحب المنار رحمه الله تعالى بتحليل ما حرم الله من الربا ! وما أثرناه عنه من مفاسد الربا ومضارّه، هو قليل من كثير مما كتبه في تفسيره ومناره، وآخره ما جاء في المجلد 34 من المنار وهو ختامها. فقد سئل عن أخذ الربا من البنوك لإنفاقه على الفقراء فقال : من المعلوم بالدين من الضرورة أن الربا القطعي لا يجوز أخذه للتصدق به ولا لغيره، لأن التقرب إلى الله لا يكون بما حرّمه الله، فإن هذا تناقض بدهي البطلان. ولكن لاستغلال المال في الشركات المالية من المصارف وغيرها أعمالاً ليست من الحرام القطعي “. المهم في هذا الكلام الطويل أن الفائدة المصرفية وما شابهها ليست من الربا القطعي عند الشيخ رشيد !
  • مقدمة لمحمد رشيد رضا.
  • رسالة الاستفتاء الهندية : 54 صفحة جلطة واحدة ! ولعل هذه الرسالة أخطر من رسالة رشيد رضا، الذي لعله أراد أن يظهر الباطل على لسان غيره، على الرغم من أنه كان ينتقد الرسالة في بعض الأحيان ! وبعبارة أخرى فإن الشيخ رشيد تكلم بلسان الهندي في الكتاب أكثر مما تكلم بلسان نفسه ! إني لا أدري هل الكتاب لمحمد رشيد رضا أم للمفتي الهندي المغفل الاسم، والذي احتضنه رشيد في كتابه على مدى 54 صفحة بلا انقطاع ولا توقف ولا عنوان ! يقول محمد رشيد : ” أشهد أن رسالة الاستفتاء في مسألة الربا رسالة نفيسة، وأن كاتبها المستفتي المفتي قد حقق الموضوع أحسن تحقيق في مذهب الحنفية، فهو حقيق بأن يعدّ بها مجتهدًا أو مرجّحًا في المذهب، لا في الكتاب والسنّة، على سعة اطلاعه في التفسير والحديث “. ووصفه بأنه ” أخونا العلامة الهندي الفقيه الحنفي ” و ” المفتي الهندي الفاضل “. ربما أخشى أن يكون هذا الهندي هو رشيد رضا الذي كتب رسالة الاستفتاء على لسانه.
  • حقيقة الربا القطعي المحرم لذاته والربا الظني المنهي عنه لسدّ الذريعة.
  • أقوال المفسرين والمحدّثين والفقهاء.
  • الحيل.
  • حكمة النهي عن ربا البيوع، نقلها الشيخ رشيد عن ابن القيم في 14 صفحة.
  • خاتمة لمحمد بهجة البيطار : اقتراح إصدار مجلة.
خلاصة الكتاب : الزيادة المشروطة في القرض عند إبرامه ليست من الربا المحرم، وليس هناك دليل على حرمتها. أقول : هذا صحيح في البيع الآجل، وغير صحيح في القرض. ففي البيع الآجل هناك زيادة مشروطة جائزة عند العقد، وغير جائزة بعد ذلك عند حلول الأجل. والعرب المرابون لم يفهموا الفرق بين الربا في أول البيع والربا عند محل ( استحقاق ) المال. ( قالوا إنما البيع مثل الربا ) سورة البقرة 275.
فحوى رسالة المفتي الهندي الحنفي :
  • ابن كثير : الربا من أشكل الأبواب على أكثر أهل العلم.
  • القرآن حرّم ربا الجاهلية، ولكن صورة ربا الجاهلية لم تثبت !
  • للنقد مزية على النسيئة، أي المعجل خير من المؤجل. أقول : هذا صحيح في البيع، ولكن أرجح أن المفتي الهندي أراد ذلك في القرض أيضًا !
  • الزيادة في القرض ليست ربًا. أقول : إن الزيادة في القرض إذا كانت مشروطة فهي ربًا حرام. وإذا كانت غير مشروطة فهي ربًا، ولكنه حلال.
  • الزيادة بلا شرط في القرض ربًا. يريد من وراء ذلك التمهيد لكي تكون الزيادة في القرض جائزة، سواء كانت مشروطة أو غير مشروطة !
  • الزيادة المشروطة في القرض، أو المنفعة المشروطة فيه، ليست من الربا المنصوص، أو ليست ربًا نصيًا.
  • كل قرض جرّ منفعة فهو ربًا ” : هذا حديث باطل لا أصل له. أقول : ولكن معناه صحيح، مع افتراض أن فيه اختصارًا وحذفًا تقديره أن المنفعة مشروطة للمقرض.
  • العيني صاحب عمدة القاري شرح صحيح البخاري يظهر من كلامه أنه لم يظفر بحديث صحيح في هذا الباب، بعد تجشمه وتفحصه، مع سعة نظره وكثرة اطلاعه على الحديث وطرقه. وقد شرح الهداية حين بلغ من عمره تسعين سنة، واعترف في شرحه بأنه لم يثبت في هذا الباب حديث !
  • نقل عن بعض العلماء أن القرض معاوضة ( مبادلة ) انتهاءً، ونقل عن آخرين أنه تبرع ابتداءً. أقول : هو تبرع ابتداءً معاوضة انتهاءً. فهو تبرع لأن المقرض لا يأخذ زيادة كما يأخذها البائع بالأجل، وهو معاوضة لأن القرض يستردّ أصله.
  • تُوهم عبارة البعض بأن القرض بيع. أقول : إن القرض إذا كان بلا ربا فهو ليس بيعًا، أما إذا كان ربويًا فلا فرق عندئذ أن يوصف بأنه قرض ربوي أو بيع ربوي. ذلك لأن الذهب بالذهب مع التفاضل والنَّساء يحرم، سواء سميت  المعاملة قرضًا ربويًا أو بيعًا ربويًا. وهذا هو سرّ أحاديث ربا البيوع التي جاءت دعمًا لربا القروض، وسدًا لأي ذريعة يمكن أن تفضي إليه.
  • ذكر بعض العلماء أن القرض فيه معنى العارية ( الإعارة ). أقول : هذا صحيح من حيث إن كلاً منهما مجاني بلا مقابل، ومن حيث إن الأجل فيهما لا يلزم. وغير صحيح لأن أموال الإعارة يمكن أن تنقلب أموال إجارة، أما أموال القرض فلا يمكنها ذلك. فالربا حرام، والأجرة ( في إجارة الأموال ) جائزة.
  • نقل عن بعض العلماء أن القرض أسرع جوازًا من البيع. أقول : لعل ذلك من حيث إن القرض مستحب، والبيع مباح.
  • نقل أن القرض ولو شرطت فيه الزيادة لا يصير بيعًا. أقول : هو بيع ربوي محرّم. ولا فائدة ترتجى من كلام طويل مرهق لا حاصل له.
  • يصف المفتي الهندي : الكاسانيَّ صاحب بدائع الصنائع في مواضع كثيرة بأنه ملك العلماء ! لم لا ؟ كل متمذهب معجب بمذهبه وأئمته ! أقول هذا على الرغم من محبتي للكاساني وكتابه.
  • كثيرًا ما ينقل المفتي الهندي عن شاه ولي الله الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة، والكتاب وصاحبه محبب للجميع، ولكن الحب عند الهنود يصل إلى درجة التعصب !
مزايا الكتاب :
  • اختيار الشيخ رشيد رأي ابن القيم في أن ربا البيوع محرم سدًا للذريعة الموصلة إلى ربا القرض. ففي الحديث : ” لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الربا “، أي : ربا النسيئة، أو ربا القروض.
  • قوله : ” ليس في الشريعة الإسلامية مسألة مدنية وقع فيها الخلاف والاضطراب منذ العصر الأول، ثم ما زالت تزداد إشكالاً وتعقيدًا بكثرة بحث العلماء إلا مسألة الربا، فهي تشبه مسألة القدر في العقائد “.
  • نقله عن ابن حجر في الزواجر : ” ربا النسيئة هو الذي كان مشهورًا في الجاهلية (…)، وهذا النوع مشهور الآن بين الناس وواقع كثيرًا “.
  • إنما الربا في النسيئة ” حديث صحيح، لكن تأويله : الربا الكامل، كقول ابن مسعود : إنما العالم الذي يخشى الله. أقول : هو كامل لأنه مؤلف من ربوين : ربا الفضل + ربا النَّساء.
  • الحيل : يقول رشيد : ” أول من أدخل الحيل في الشرع أبو حنيفة وأصحابه، وأول من ألّف فيها صاحباه القاضي أبو يوسف، ألّف كتابًا مستقلاً سمّاه كتاب الحيل، ثم محمد بن الحسن، وتبعهما فقهاء مذهبهم، فهم يذكرون في كتب فقههم أبوابًا للحيل التي يصفونها بالشرعية، ووافقهم الشافعية في أصل جواز الحيل، وقال بحظرها فقهاء المالكية والحنابلة “. ويقول أيضًا : ” الحيل عند العلماء على أقسام بحسب الحامل عليها : فإنْ توصل بها بطريق مباح إلى إبطال حق أو إثبات باطل فهي حرام، أو إلى إثبات حق أو دفع باطل فهي واجبة أو مستحبة. وإنْ توصل بها بطريق مباح إلى سلامة من وقوع في مكروه فهي مستحبة أو مباحة، أو إلى ترك مندوب فهي مكروهة “.
  • ثناؤه على الشاطبي في كتابيه “ الموافقات ” و “ الاعتصام ” : ” هما الكتابان اللذان لم يسبقه بمثلهما سابق، ولم يلحق غباره فيهما لاحق “.
ما قد يؤخذ على الكتاب :
  • تطويل الطريق للوصول إلى هذه النتيجة : لا ربا في الأجل الأول.
  • يذكر الشيخ رشيد بعد أن أنهك القارئ هذه الأسطر : ” نعيد القول ونكرره بأن الربا الحرام هو ما يؤخذ من المال لأجل تأخير الدين المستحق في الذمة إلى أجل آخر، مهما يكن أصل ذلك الدين من بيع أو قرض أو غيرهما. فلا يدخل في مفهوم الربا المحرم ما يزاد على أصل الدين عند عقده على ما يعطى للمدين ربحًا له، وإنما هو ما يعطى لأجل تأخير الدين المستحق (…). وهذا النوع هو الذي كان يتضاعف بعجز المدين عن القضاء مرة بعد أخرى، حتى يصير أضعافًا مضاعفة، ويستهلك جميع ما يملكه المدين في كثير من الأحيان “.
  • نقله عن ابن مسعود : أنه سئل عمّن له جار يأكل الربا علانية، لا يتحرج من مال خبيث يأخذه، يدعوه إلى طعام ؟ قال : أجيبوه، فإنما الهناء لكم والوزر عليه ! أقول : لا أتفق مع ابن مسعود والشيخ رشيد على ذلك، فهؤلاء الذين يقبلون مثل هذه الدعوة ويترخصون فيها نقول عنهم في الشام : مشايخ السلتة !
  • قول عمر رضي الله عنه : ” لقد خفت أن نكون قد زدنا في الربا عشرة أضعافه بمخافته “. أقول : هذا في عصره، أما في عصرنا فقد حدث العكس : نقصنا في الربا حتى لم يعد هناك ربًا محرم ! ربما يرمي الشيخ رشيد من وراء هذا الحديث التمهيد لرأيه في الإباحة والتخفف من التشديد.
  • قاعدة “ الجهل بالمماثلة كالعلم بالمفاضلة ” انتقدها الشيخ رشيد، ولا أوافقه لأن الشرع إذا أمر بالمماثلة فلا بد من تحقق العلم بها، ولا يقبل القول بأننا نجهلها !