مقـــــــــــــال:
سيـــــد قطـــب في آيـــــــــــــات الربــــــــــــــــــا
أ. د رفيق يونس المصري
المصدر: الموقع الشخصي للكاتب
الرابط المباشر للمقال : أنقر : هنــــــــــــــا
سيّد قطب ( 1906-1966م )، حصل على البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم، وعمل مدرّسًا لمدة 6 سنوات، ثم ابتعث إلى أمريكا في الفترة 1948-1952م لدراسة التربية وأصول المناهج. ولا أعلم هل حصل على شهادة فيها أو لا. انتقده يوسف القرضاوي، وكان عمره 40 سنة عند رحيل سيّد، انتقده من بين آخرين في مسألة تكفير المجتمعات الإسلامية والحكام والأنظمة، واتهمه بالخروج على أهل السنّة والجماعة بوجه ما. لكن قد يقال إن كل ما أراده قطب هو أن يقول : إذا لم تطبقوا الإسلام في جانبه السياسي والاقتصادي فإسلامكم ناقص! ولعل السبب الحقيقي الذي ساعد على اتهام سيّد سببان : الأول أنهم خافوا من تأثيره فتذرّعوا بتكفيره، والآخر هو هجومه على المشايخ المعمّمين المحترفين الذين اتخذوا من الدين حرفة وتجارة وزلفى إلى الحكام والتجار، وإلى المكاسب والجوائز والعطايا، ولو تمّ ذلك كله بالتحايل على النصوص والقواعد والمقاصد. يقول في نهاية كتابه ” العدالة الاجتماعية ” : ” عمائم تحرّف الكلم عن مواضعه، وتشتري بآيات الله ثمنًا قليلاً، وترفع راية الإسلام على مساجد الضرار، وتضع لافتات إسلامية على معسكرات الفجور والانحلال “.
له كتابات أدبية ودينية كثيرة، منها :
- النقد الأدبي أصوله ومناهجه.
- كتب وشخصيات.
- مهمة الشاعر في الحياة.
- في ظلال القرآن.
- التصوير الفني في القرآن.
- مشاهد القيامة في القرآن.
- أمريكا التي رأيت.
- معركتنا مع اليهود.
- الإسلام والسلام العالمي.
- معالم في الطريق.
- العدالة الاجتماعية في الإسلام.
- المستقبل لهذا الدين ( لمحمد توفيق البكري مقالة بعنوان : ” المستقبل للإسلام “، منشورة في مجلة المنار، المجلد 5، الجزء 16، 1902م، ولمحمد فريد وجدي مقالة بعنوان : ” كيف يكون المستقبل للمسلمين ؟ “، منشورة في المجلة نفسه، المجلد نفسه، الجزء 17، 1902م ).
كتابه “ تفسير آيات الربا ” استلّه الناشر أو المؤلف من كتابه ” في ظلال القرآن “، ومنشور في دار الشروق، القاهرة، 1980م، 67 صفحة. يتألف الكتاب من 4 فصول، هي مواضع آيات الربا من سور القرآن، حسب ترتيب المصحف، لا حسب ترتيب النزول :
- من سورة البقرة.
- من سورة آل عمران.
- من سورة النساء.
- من سورة الروم.
الربا يؤدي إلى تركز الثروة والسلطة وتكرر الأزمات :
يقول سيّد قطب في كتابه ” تفسير آيات الربا “، وفي كتابه ” العدالة الاجتماعية “، بأن النظام الربوي: ” ينشئ نظامًا (…) لمصلحة حفنة من المرابين (…)، وينتهي كما انتهى في العصر الحديث إلى تركيز السلطة الحقيقية والنفوذ العملي (…) في أيدي الذين يداينون الناس أفرادًا، كما يداينون الحكومات والشعوب في داخل بلادهم وفي خارجها (…). وهم لا يملكون المال وحده، إنما يملكون النفوذ (…)، ويتحكمون في جريان الاقتصاد العالمي وفق مصالحهم المحدودة، مهما أدى هذا إلى الأزمات الدورية المعروفة في عالم الاقتصاد.
والكارثة التي تمت في العصر الحديث، ولم تكن بهذه الصورة البشعة في الجاهلية، هي أن هؤلاء المرابين الذين كانوا يتمثلون في الزمن الماضي، في صورة أفراد أو بيوت مالية، كما يتمثلون اليوم في صورة مؤسسي المصارف العصرية، قد استطاعوا بما لديهم من سلطة هائلة مخيفة داخل أجهزة الحكم العالمية وخارجها، وبما يملكون من وسائل التوجيه والإعلام في الأرض كلها، سواء ذلك في الصحف والكتب والجامعات والأساتذة ومحطات الإرسال ودور السينما وغيرها، أن ينشئوا عقلية عامة بين جماهير البشر (…) بأن الربا هو النظام الطبيعي المعقول، والأساس الصحيح الذي لا أساس غيره للنمو الاقتصادي، وأنه من بركات هذا النظام وحسناته كان هذا التقدم الحضاري في الغرب، وأن الذين يريدون إبطاله هم جماعة من الخياليين غير العمليين، وأنهم إنما يعتمدون في نظرتهم هذه على مجرد نظريات أخلاقية ومُثل خيالية لا رصيد لها من الواقع، وهي كفيلة بإفساد النظام الاقتصادي كله، لو سُمح لها أن تتدخل فيه! حتى ليتعرض الذين ينتقدون النظام الربوي من هذا الجانب إلى السخرية من البشر، الذين هم في حقيقة الأمر ضحايا بائسة لهذا النظام ذاته! ضحايا شأنهم شأن الاقتصاد العالمي نفسه، الذي تضطره عصابات المرابين العالمية لأن يجري جريانًا غير طبيعي ولا سويّ. ويتعرض للهزات الدورية المنظمة ! وينحرف عن أن يكون نافعًا للبشرية كلها ! (…).
إن النظام الربوي نظام معيب من الوجهة الاقتصادية البحتة. وقد بلغ من سوئه أن تنبّه لعيوبه بعض أساتذة الاقتصاد الغربيين أنفسهم، وهم قد نشؤوا في ظلّه، وأُشربت عقولهم وثقافتهم تلك السموم، التي تبثّها عصابات المال في كل فروع الثقافة والتصور والأخلاق. وفي مقدمة هؤلاء الأساتذة الذين يعيبون هذا النظام من الناحية الاقتصادية البحتة الدكتور شاخت، مدير بنك الرايخ الألماني سابقًا. وقد كان مما قاله، في محاضرة له بدمشق عام 1953م، ” إنه بعملية رياضية ( غير متناهية ) يتضح أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدًا من المرابين. ذلك أن الدائن المرابي يربح دائمًا في كل عملية، بينما المدين معرّض للربح والخسارة. ومن ثم فإن المال كله في النهاية لابد بالحساب الرياضي أن يصير إلى الذي يربح دائمًا “!
الفائدة سبب من أسباب وقوع الأزمات الدورية :
يقول سيّد في كتابه ” تفسير آيات الربا “، وفي كتابه ” العدالة الاجتماعية ” : ” إن قيام النظام الاقتصادي على الأساس الربوي يجعل العلاقة بين أصحاب الأموال وبين العاملين في التجارة والصناعة علاقة مقامرة ومشاكسة مستمرة. فإن المرابي يجتهد في الحصول على أكبر فائدة. ومن ثم يُمسك المال حتى يزيد اضطرار التجارة والصناعة إليه، فيرتفع سعر الفائدة، ويظل يرتفع حتى يجد العاملون في التجارة والصناعة أنه لا فائدة لهم من استخدام هذا المال، لأنه لا يدرّ عليهم ما يوفون به الفائدة، ويفْضل لهم منه شيء. عندئذ ينكمش حجم المال المستخدم في هذه المجالات التي تشتغل فيها الملايين ، وتضيِّق المصانعُ دائرةَ إنتاجها، ويتعطل العمال، فتقلّ القدرة على الشراء. وعندما يصل الأمر إلى هذا الحد، ويجد المرابون أن الطلب على المال قد نقص أو توقف، يعودون إلى خفض سعر الفائدة اضطرارًا، فيقبل عليه العاملون في الصناعة والتجارة من جديد، وتعود دورة الحياة إلى الرخاء، وهكذا دواليك تقع الأزمات الاقتصادية الدورية العالمية، ويظل البشر هكذا يدورون فيها كالسائمة “.
عالم الربا عالم اضطراب وتخبط :
يقول سيّد : ” إن العالم الذي نعيش فيه اليوم في أنحاء الأرض هو عالم الاضطراب والقلق والخوف، والأمراض العصبية والنفسية، باعتراف عقلاء أهله ومفكريه وعلمائه ودارسيه، وبمشاهدات المراقبين والزائرين والعابرين لأقطار الحضارة الغربية، وذلك على الرغم من كل ما بلغته الحضارة المادية والإنتاج الصناعي في مجموعه من الضخامة في هذه الأقطار، وعلى الرغم من كل مظاهر الرخاء المادي التي تأخذ بالأبصار. ثم هو عالم الحروب الشاملة والتهديد الدائم بالحروب المبيدة وحرب الأعصاب والاضطرابات التي لا تنقطع هنا وهناك “.
هل الفائدة الربوية هي سبب النمو والتقدم ؟ يقول سيّد : ” إن الحقيقة الأهم هي ضرورة اعتقاد من يريد أن يكون مسلمًا بأن هناك استحالة اعتقادية في أن يحرّم الله أمرًا لا تقوم الحياة البشرية ولا تتقدم بدونه ! كما أن هناك استحالة اعتقادية كذلك في أن يكون هناك أمر خبيث ويكون في الوقت ذاته حتميًا لقيام الحياة وتقدّمها (…). وإنما هو سوء التصور وسوء الفهم والدعاية المسمومة الخبيثة الطاغية التي دأبت أجيالاً على بثّ فكرة أن الربا ضروري للنمو الاقتصادي والعمراني، وأن النظام الربوي هو النظام الطبيعي، وبثّ هذا التصور الخادع في مناهل الثقافة العامة، ومنابع المعرفة الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها، ثم قيام الحياة الحديثة على هذا الأساس فعلاً، بسعي بيوت المال والمرابين، وصعوبة تصور قيامها على أساس آخر. وهي صعوبة تنشأ أولاً من عدم الإيمان، كما تنشأ ثانيًا من ضعف التفكير، وعجزه عن التحرر من ذلك الوهم الذي اجتهد المرابون في بثّه وتمكينه، بما لهم من قدرة على التوجيه، وملكية للنفوذ داخل الحكومات العالمية، وملكية لأدوات الإعلام العامة والخاصة.
والحقيقة أن استحالة قيام الاقتصاد العالمي اليوم وغدًا على أساس غير الأساس الربوي ليست سوى خرافة أو أكذوبة ضخمة “.
ما أخالفه فيه :
- يقول سيّد في كتابيه ” تفسير آيات الربا ” و “ العدالة الاجتماعية ” : ” إن أصحاب الصناعات والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين. فهم يزيدونها في أثمان السلع “. أقول : الأموال تقدّم لأغراض الإنتاج إما بطريق الفائدة الثابتة وإما بطريق المشاركة في الربح. وفي كلتا الحالتين يعدّ العائد على رأس المال تكلفة من التكاليف الاقتصادية، وربما تكون تكلفة المشاركة أعلى من تكلفة الفائدة، بسبب المخاطرة. وهذه المقولة القطبية هي في الأصل مقولة مودودية ( انظر كتاب الربا للمودودي )، وهي مقولة شائعة حتى وقتنا هذا، سواء بين الفقهاء أو بين الاقتصاديين المسلمين !
- يقول سيّد : ” الربا له صورتان رئيسيتان : ربا النسيئة، وربا الفضل “. وربما يعدّ قطب، ومِن قبله ابن القيم والمودودي، مسؤولاً عن شيوع هذا الخطأ بين الكتاب حتى يومنا هذا. فإن الذين يقرؤون لهم أكثر عددًا ممن يقرؤون لنا ولأمثالنا. والصواب : أن الربا نوعان : ربا نسيئة ( ربا ديون )، وربا بيوع. وربا البيوع نوعان : ربا فضل، وربا نَساء. فربا النَّساء مختلف في الاصطلاح عن ربا النسيئة، وهذا ما بيّنته في مواضع أخرى.
- يقول سيّد : ” استرداد رأس المال مجردًا عدالةٌ لا يُظلم فيها دائن ولا مدين “. أقول : هذا فيه نظر، لأن القرض الحسن الخالي من الفائدة الربوية هو من عقود الإحسان، لا من عقود المعاوضات. ولولا ثواب الله لكان المقرض مظلومًا، لأن المُعجَّل خير من المُؤجَّل. فالعلاقة بين المقرض والمقترض علاقة إحسان، لا علاقة عدل. وقوله تعالى : ” لا تَظلمون ولا تُظلمون ” معناه : لا تَظلمون المقترض بالربا، ولا تُظلمون أنتم بالثواب، والله أعلم بالصواب.
أحدث التعليقات