مقال: تعريف البيع وأدلة مشروعيته – علي السالوس

تعريف البيع وأدلة مشروعيته

للأستاذ الدكتور علي السالوس

المصدر: موقع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا

أولاً: تعريف البيع:

قال ابن قدامة:

البيع: مبادلة المال بالمال، تمليكاً. واشتقاقه: من الباع؛ لأن كلٌُ واحد من المتبايعْين يدُ باعه للأخذ والإعطاء. ويحتمل أن كل واحد منهما كان يبايع صاحبه، أي يصافحه عند البيع؛ سمي البيع صفقة .

انتهى قول ابن قدامة.

وعقب ابن مفلح على تعريف ابن قدامة بدخول القرض فيه، وكذلك الربا. ثم قال: ” والأولى فيه: تمليك عين مالية، أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي، غير ربا، ولا قرض ” (1).

ونلحظ من تعريف ابن مفلح انه لم يخرج الربا والقرض إلا بالنص عليهما، كما أنه لا يمنع مقابلة الهبة بالهبة، ولذلك وجدنا عند الحنفية من يقيد التعريف بكلمة ” الاكتساب (2) احترازاً من مقابلة الهبة بالهبة، لأنها مبادلة مال بمال، لكن بقصد التبرع لا الاكتساب. واختار بعض الشافعية التعريف الآتي: ” عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد “(3).

ونلحظ من هذا التعريف أن كلمة ” معاوضة ” تخرج الهبة، وكلمة ” مالية ” تخرج النكاح، و” تفيد ملك عين ” تخرج الإجارة، وعبارة ” أو منفعة على التأبيد ” تخرج الإجارة أيضاً ولا تمنع بيع المنافع المباحة باعتبارها مالآ مثل حقوق الارتفاق(4). ولكن هذا التعريف لا يمنع دخول القرض، ومقابلة الهبة بالهبة، ولذلك يضاف هنا عبارة ” بقصد الاكتساب ” أو ما ذكره بعض الشافعية ” لا على وجه القربة “.

والتعريف المختار إذن هو:

” البيع عقد معاوضة مالية، تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد، لا على وجه القربة ” أو: “البيع عقد معاوضة مالية، تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد، بقصد الإكساب “.

والبيع والشراء كلمتان من أسماء الأضداد (5)، تستخدم كلُ منهما مكان والأخرى، غير أن لغة قريش يطلق البيع فيها على ما خرج من الملك، والشراء على ما دخل في الملك، وهذا المعنى هو الذي استقر في عصرنا وجاء في حاشية الصاوي: ” لغة قريش استعمال باع إذا أخرج، واشترى إذا أدخل، وهي أفصح، واصطلح عليها العلماء تقريباً للفهم “(6).

مما سبق نرى أن عقد البيع من العقود الناقلة للملكية، والتي ترد على العين ولمنفعة معاً، وهو من عقود المعوضات لا التبرعات، وهو أيضاً من عقود التراضي، هذا هو الأصل، وسيأتي الحديث عن بيع المكره، وفي الصفحة التالية، إشارة إلة العقود الرضائية والعقود الشكلية.

تعريف البيع في القانون:

جاء في المادة ( 148 ) من القانون المدني المصري ما يأتي:

“البيع عقد يلزم به البائع أن ينقل للمشتري ملكية شئ، أو حقاً مالياً آخر، في مقابل ثمن نقدي”.

وقال الدكتور السنهوري في كتابه ” الوسيط في شرح القانون المدني ” ( 4/ 21 ): “ويستخلص من هذا التعريف أن البيع عقد ملزم للجانبين، إذ هو يلزم البائع أن ينقل للمشتري ملكية شئ أو حقاُ مالياًً آخر، ويلزم المشتري أن يدقع للبائع مقابلآ لذلك ثمناً نقدياً. ويستخلص منه أيضاَ أن البيع عقد معاوضة، فالبائع يأخذ الثمن مقابلآ للمبيع، والمشتري يأخذ المبيع مقابلا للثمن. ويستخلص منه كذلك أن البيع عقد رضائي، وإذ لم يشترط القانون لانعقاده شكلآ خاصاً، فهو ينعقد بمجرد تراضي المتبايعين، ويستخلص منه أخيراً أن البيع عقد ناقل للملكية، فهو يرتب التزاماً في ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري كما هو صريح النص “. أ هـ.

وما استخلصه السنهوري من التعريف بتفق مع الفقه الإسلامي، فعقد البيع عقد ملزم للجانبين، وعقد معوضة، وعقد رضائي( 7) .وعقد ناقل للملكية. غير أن التعريف فيه ما يختلف عن الفقه الإسلامي، وهذا ما بينه بعد ذلك حيث قال: ” التعريف يبن في وضوح أن الثمن لا بد أن يكون من النقود وهذا ما يميز البيع عن المقايضة والصرف، ويميزه عن البيع في الفقه الإسلامي ” ففي هذا الفقه يصح الثمن من غير النقود، فيتسع البيع فيه ليشمل البيع المطلق والمقايضة والصرف والسلم “(8).

ويتفق مع القانون المصري بعض القوانين الأخرى كالسوري والليبي، وبعضها يختلف معه كالعراقي واللبناني، ففي التقنين المدني العراقي:

م 506: ” البيع مبادلة مال بمال “.

م 507: ” البيع باعتبار المبيع أما يكون بيع العين بالنقد وهو البيع المطلق، أو بيع النقد بالنقد وهو الصرف، أو بيع العين بالعين وهي المقايضة “.

وهذا التعريف يشمل البيع المطلق والصرف والمقايضة، فهو يتفق مع الفقه الإسلامي حيث لا يخرج الصرف والمقايضة عن عقد البيع. والتقنين البناني لم يبين وجوب أن يكون الثمن نقداً(9).

القانون القطري:

ليس في القانون القطري المطبق حالياً تعريف لعقد البيع، غير أن مشروع القانون الجديد تدارك هذا، وبدأ الحديث عن البيع بالمادة ( 419 )، ونصها هو نص المادة( 148) من القانون المصري التي ذكرناها أنفا مع شرح الدكتور السنهوري.

ثانياً ” أدلة مشروعية البيع:

قال ابن قدامه:

البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب، فقول الله تعالي: (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) { البقرة: 275 } وقوله تعالي: { وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } ( البقرة ” 282 ) وقوله تعالى: { لاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } ( النساء:29 ) وقوله تعالى {َليْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } وروى البخاري( 10).، عن ابن عباس، قال: كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز ن أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأئموا فيه ن فأنزلت: { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ} ( البقرة: 198) يعني في مواسم الحج( 11). وعن الزبير نحوه.

أما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” البيعان بالخيار ما لم يتفرًقا”. متفق علي( 12). وروى رفاعة، أنه خرج مع النبي صلي الله عليه سلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال:”يا معشر التجار “، فاستجابوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم. فقال: ” إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارآ، إلا من بر وصدق ” قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ( 13). ورى أبو سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ” التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء “. قال الترمذي: هذا حديث حسن (14). في أحاديث كثيرة سوي هذه. وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة، والحكمة تقتضيه؛ لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه، وصاحبه لا يبذله بغير عوض، ففي شرع البيع وتجويزه شرع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه، ودفع حاجته.

انتهى قول ابن قدامة.
——————————————

1 المبدع 4/ 4، وفي مجلة الأحكام الشعية ( المادة 161 ). ” البيع: عقد مبادلة ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل احدهما على التأبيد غير ربا وقرض “

2 عرف الحنفية البيع بأنه مبادلة المال، أو تمليك المال بالمال، وزاد بعضهم ” بالتراضي “، وقال البابرتي في العناية: ” مبادلة المال بالمال بالتراضي بطريق الاكتساب “. = انظر: شرح فتح القدير، ومعه الكفاية والناية 5/ 454ـ 455، مجلة الأحكام العدلية المادة ( 105 ) وشرحها. وعند المالكية زاد بعضهم في التعريف كلمة ” ذو مكايسة “. انظر: حاشية العدوي 2 / 126، واشية الصاوي على الشرح الصغير 3 / 13، والخرشي 5/ 4. حاشسة الشرواني 4/ 215.

3 حاشسة الشرواني 4/ 215.

4 ومثل هذا أيضاً الحقوق المعنوية كالسجل التجاري والعلامة التجارية وحق التأليف وسيأتي الحديث عن بيع هذه الحقوق في التطبيق المعاصر.

5 انظر ” المراجع السابقة، وزاد المحتاج بشرح المنهاج 2 / 5، والمجموع شرح المهذب 9 / 136.

6 الحاشية للصاوي على الشرح الصغير للدردير 3/ 12، وانظر: أيضاً ” الخرشي 3 / 5 .

7 وهو يختلف عن النكاح، قال شيخناً أبو زهرة يرحمه الله ” يصح أن نقول: إن عقد الزواج عقد شكلي، لأنه يكتفي في تكونه برضا العاقدين، بل لا بد مع هذا الرضا من الإعلان والشهرة، أو شهادة الشهود”. الملكية ونظرية العقد ص 207، واقرأ فيه: العقود الرضائية والعقود الشكلية ص 204 وما بعدها. وراجعها أيضاً في الوسيط 1/ 163، حيث ذكر أن العقد الرضائي هو ما يكفي في انعقاده تراضي المتعاقدين ن أي اقتران الإيجاب بالقبول كالبيع والإيجار، أما العقد الشكلي فهو ما لا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين، بل يجب لتمامه فوق ذلك إتباع شكل مخصوص يعينه القانون، وأكثر ما يكون هذا الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد كما في الهبة والرهن

8 الوسيط 4/ 21 ـ 22.

9 انظر: الوسيط ج 4، حاشية ص 20.

 ) الوسيط 4/ 21 ـ 22.

10 في كتاب البيوع: باب ما جاء في قوله تعالي: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} ( الجمعة 10 )…..ـ، وفي باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع بها الناس في الإسلام. كما رواه في مواضع أخري.

11 في روية البخاري: ” في مواسم الحج، قرأها ابن عباس ” وقال الحافظ في فتح الباري ( 4 / 290 ): ” وقراءة ابن عباس ( في مواسم الحج ) معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة، وليس بقرآن “.

12 أخرجه البخاري في كتاب البيوع من صحيحه في عدد من الأبواب: منها: باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا “، وفيه: ربه قال ابن عمر، وشريح والشعبي وطاوس وعطا وابن أبي مليكة.

وباب ” كم يجوز الخيار “، وفيه: عن أبن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله قال ” إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا، أو يكون البيع خيارا “. قال ناقع: وكان عمر إذا اشتري شيئا يعجبه فارق صاحبة.

وباب: ” إذا لم يوقت الخيار هل يحوز البيع ؟ “، وفيه: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحجهما لصاحبه اختر، وربما قال: أو يكون بيع خيارة “. = وأخرجه مسلم في كتاب البيوع من صحيحة، في ” باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين :. وباب الصدق في البيع والبيان “. وذكر أيضاً قول نافع: ” فكان ـ أي ابن عمر ـــ إذا بايع رجلآ فأراد أن لا يقيله قام فمشي هنية ثم رجع إليه ” ( 5 / 535 ).

كما أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وأحمد، وغيرهم. وسيأتي هذا الحديث وما يتصل به في موضوع خيار المجلس.

13 في باب ما جاء في التجارة “، من أبواب البيوع. وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ــ ح رقم 1458. وعند الحاكم ( 2 / 6ــ 7 ) يلفظ: ” إن التجار هم الفجار “. قيل: يا رسول الله أوليس قد أحل الله البيع ؟ قال: ” بلي، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلقون فيأثمون”.

وقال الهيثمي في المجمع ( 4 / 73 ): رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح.

14 ” في باب ما جاء في التجار”.