مقال: المنظور الإسلامي للندرة النسبية للموارد – هايل طشطوش

        من بديهيات التعليم الأكاديمي لمتخصص الاقتصاد هو توضيح ما يسمى بعلم الاقتصاد بـ “المشكلة الاقتصادية”  وان هذه المشكلة قائمة بسبب ندرة الموارد الموجودة في الطبيعة وذلك لقلتها ونقصها وإنها غير كافية لإشباع حاجات البشر الكثيرة والمتزايدة والمتعددة والمتنامية يوما بعد يوم وعاما بعد عام ، وقد أقنعنا الاقتصاد الوضعي القائم على إشباع النفس من الملذات الطيبة وغير الطيبة وإشباعها من المتع والسلع المحرمة وغير المحرمة الترفية والكمالية وغير الضرورية بان السبب في أن هناك مشكلة اقتصادية هو المقابلة الغير متكافئة بين حاجاتنا ورغباتنا كبشر وبين كمية الموارد والسلع المتوافرة في الطبيعة ، وقد اخذ كل من يدرس الاقتصاد يردد هذه المقولة على علاتها دون تفكير او تمحيص مع الأيمان المطلق بكل حيثياتها ، ومن بين من يرددها نحن المسلمون بل ادخل خبراء الاقتصاد الوضعي في أذهاننا بان الحل لهذه المشكلة يكمن في التخلص من الإعداد الهائلة من البشر والزائدة عن الحاجة كالفقراء مثلا لأنهم يشكلون عبئا على الإنسانية  لا عونا لها ..؟؟؟!! ، ونحن بدأنا نصدق ونؤمن بهذه المقالات الفارغة الجوفاء ونرددها ونكررها بل ونطبقها !! .

     إن الإشارات القرآنية والتي تعتبر أساس علم الاقتصاد الإسلامي إضافة إلى الطائفة الكبيرة الكثيرة من الأحاديث النبوية الاقتصادية تشير إلى ان المشكلة الاقتصادية كمفهوم اقتصادي ليس له وجود في الإسلام وان وجد فان له تفصيل وبيان مختلف عما يروجه الاقتصاد الوضعي وهذه حقائق لا يغيرها واقع ولا تفسير لأنها كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه  وهي أيضا ما ورد على لسان الحبيب محمد علية الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي ، والمشكلة الاقتصادية وان وجدت في اقتصاد إسلامي فهي ناجمة عن تقاعس الإنسان وتقصيره في استغلال الطاقات وتعبئة الإمكانيات والموارد الطبيعية والمالية والبشرية التي أوجدها الله عز وجل وتقاعسه عن العمل والكد والجد وركونه إلى التقاعس والتخاذل ، قال تعالى :” فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور ” …دعوة إلى السير في جنبات الأرض وأقطارها وأمصارها بحثا عن العمل والسعي إلية لان لدينا قاعدة عظيمة أخرى تقول : ” وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ”   ، إنها موازنة تامة وهامة بين حاجات النفس وما جبلت علية من حب المال والمتاع والولد وبين الجزاء المنتظر في الدار الآخرة ، إضافة إلى ان سلوكيات البشر هي من أوجد المشكلة الاقتصادية حين تركوا شرع الله ولجوءا إلى طرق محرمة شرعا للحصول على المال كالربا والمضاربة والمقامرة والسرقة وغيرها من وسائل الاحتيال والنصب التي أوجدت فئتين من الناس أغنياء مترفون وفقراء معدمون ، …….إذن لا ندرة في الموارد بل هي كثيرة وكافية لكل مخلوقات الله من انس وطير ودابة … فما من دابة على الأرض ولا في السماء  إلا على الله رزقها ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، يقول تعالى :” {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار* وآتاكم من ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم : الآية 33، 34).

      فما على البشر إذن إلا أن يشمروا عن سواعدهم للعمل والجد لاستنباط واستخراج ثروات الأرض وخيرات البحار فكل يوم يكتشف العالم عشرات المعادن والثروات الباطنية من كنوز الأرض الدفينة وثورات البحر العظيمة وهذه دعوة للمسلمين لكي يدخلوا غمار البحث العلمي وعالم الاكتشافات والاختراعات ليحققوا الاكتفاء والاستغناء في معاشهم عن الآخرين .

نشرت في السبيل العدد 1184 تاريخ 26/3/2010