من يمتلك زمام الاقتصاد في العالم هو من يسيطر على مقاليد الأمور العالمية والشؤون الدولية ويتحكم في مصائر الشعوب والأمم … لم يعد هذا الكلام ترفا أو بدعا من القول بل أصبح حقيقة واقعه وتجسد في عالم الواقع المحسوس ، فالاقتصاد اليوم هو من يحكم ويسيطر ويسير دفه أمور العالم وذلك لطغيان الجوانب المادية وسيطرتها على حضارة هذا الزمان .. والسؤال الهام أين نحن كمسلمين من هذا الواقع ؟؟؟ إن الأمة المسلمة تعيش اليوم واقعا اقتصاديا مؤسفا حيث تواجهها تحديات كبيرة وعقبات عديدة ، فكل دولها تصنف اليوم ضمن الدول النامية التي يجتاحها التخلف في جميع الميادين، وتعيش تمزقا في العلاقات، واختلالا هيكليا في النشاط الاقتصادي الداخلي، وتعاني من المديونية التي تزداد باستمرار، مما يرهق اقتصادها ويجعلها واقعه تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية وذلك لأنها مدينه لها مما يجعلها ضعيفة سياسيا واقتصاديا في ذات الوقت ، لذلك فان امتنا اليوم تقع خارج دائرة التفاعل والفعل العالمي فهي متأثرة وغير مؤثرة في الأحداث العالمية فالأحداث تصنع وتطبخ بعيدا عنها لذا فهي الطرف الضعيف المتلقي لكل ما تفرزه هذه الحضارة المادية التي ليس لها هم سوى تركيم رؤوس الأموال في جيوب الأغنياء وحرمان الفقراء حتى من أدنى حقوقهم الإنسانية وهو حق الحياة الكريمة …!!!.من اجل ذلك كله لابد للأمة من أن تنهض من سباتها وتدخل في دائرة الأحداث الدولية وخاصة أنها تملك كافه مقومات النجاح والتطور من حيث الكفاءات البشرية والموارد المالية والمواد الأولية اللازمة لبناء طاقه صناعية هائلة تشكل قاعدة الانطلاق نحو الدخول في دائرة الفعل الاقتصادي العالمي، لذا لابد من توحيد إمكانياتها وجهودها الاقتصادية وخاصة أنها تمتلك آفاقا عظيمة للتكامل الاقتصادي يمكننا إيجازها بما يلي:
أولا : لقد منحتنا شريعتنا الغراء أسس اقتصادية عظيمة تمكننا من بناء اقتصاد إسلامي متكامل يقوم على قواعد الشريعة الإسلامية ويستمد تحركاته ونشاطاته من قواعدها وأصولها الاقتصادية ، لذا فالخطوة الأولى هي بناء نظام اقتصادي إسلامي متكامل يحتوي على جهاز مصرفي قوي ومتين يعمل وفق الضوابط الإسلامية وفي هذا المجال لابد من ايلاء أهمية كبرى للسياسات النقدية بحيث تستطيع البنوك المركزية محاربة التضخم وتحقيق الاستقرار النقدي والمالي.
ثانيا : الاهتمام براس المال البشري من حيث التعليم والتدريب لان الاستثمار في الإنسان يعتبر من أفضل وأجدى أنواع الاستثمارات وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع لدى كثير من المجتمعات الناجحة اقتصاديا كاليابان التي لا تملك الكثير من الموارد ولكنها اليوم تعتبر ثاني اكبر اقتصاد عالمي وذلك بفضل استثمارها في الإنسان وسعيها لتطوير قدراتها وبناء وتشكيل عقله .
ثالثا : التعاون والتنسيق المستمر والمتواصل بين الدول الإسلامية وتقوية التجارة البينية بين الدول العربية والإسلامية للوصول إلى التكامل والشراكة الحقيقية ويتم ذلك من خلال منظمات اقتصادية ومؤتمرات متواصلة تبحث وتجسد آفاق التعاون وتحول النظريات إلى تطبيق عملي كإنشاء السوق الإسلامية المشتركة التي نسمع بها منذ عقود ولكننا لم نشاهدها على ارض الواقع إطلاقا ، وتشير الأرقام إلى ضعف التعاون البيني الإسلامي والى زيادة تعاون الدول الإسلامية مع غير الدول الإسلامية..!!! ، مع ضرورة الاستفادة من التجارب الاقتصادية الإسلامية الناحجة كتجربة ماليزيا ودبي واندونيسيا …الخ.
رابعا : التخلص والتملص من التبعية للمؤسسات المالية الدولية لأنها سبب رئيس من أسباب تأخر وتراجع التنمية في معظم البلاد الإسلامية وذلك لان الديون التي تقدمها إلى بلادنا الإسلامية ديونا مركبة متزايدة عاما بعد عام .
خامسا : تشجيع حركة رؤوس الأموال بين البلدان الإسلامية مع بناء وإنشاء هيئة او مؤسسة كبرى ترعى شؤون الاستثمار الإسلامي مع التركيز على زيادة الإنفاق الاستثماري وترشيد الإنفاق الجاري، عن طريق زيادة الاستثمارات البينية العربية المشتركة. إضافة إلى إعادة توجيه الاستثمارات نحو الأصول الحقيقية في الداخل، بدل الاستثمارات في الأصول في الخارج لا سيما المالية منها، والعمل على تنويع الاقتصاد .
سادسا : توحيد السياسات الجمركية بين الدول الإسلامية، وتحسين صناعة السلع والخدمات لتكون قادرة على المنافسة، وتنشيط الحركة الصناعية وتقديم التسهيلات والضمانات لها ، وتنشيط حركة المواصلات والنقل بين الدول الإسلامية، وتوحيد نظم الاستيراد والتصدير بين تلك الدول.
بغير الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي الإسلامي لن تستطيع هذه الأمة الولوج إلى داخل القرن الجديد والمشاركة في المسيرة الإنسانية فالأمر جد خطير ،لذا لابد من بحثه والبدء بتطبيقه لأنها طريقنا الأوحد نحو العالمية والمشاركة في صناع الحياة الإنسانية .
نشرت في صحيفة الري العدد 14373 تاريخ 16/2/2010
أحدث التعليقات