ارتكز الاقتصاد الإسلامي على أسس الشريعة الإسلامية السمحة واستمد قواعده منها وبنى أرائه ومنهجيته معتمدا على المصادر الثابتة في التشريع الإسلامي ، لهذا السبب اتصف بما اتصفت به الشريعة من سماحة وعدالة ورفق وشمولية … الخ من الصفات الحميدة والخصال المرغوبة ، ومن بين الاهتمامات الكبرى للاقتصاد الإسلامي هو موضوع العمل والعمال وضرورة تحقيق العدالة وتوزيع المكاسب لهم بحسب التوجيهات الربانية والقيم النبوية السامية ، حيث طلب الإسلام منا أن نعطي الأجير أجرة قبل أن يجف عرقه ليشعر بقيمة العمل الذي قدمه لا أن ينتقص من حقه كونه الحلقة الأضعف لصالح الفئة الأقوى وهم الأغنياء وأصحاب راس المال… وبذلك يكون الإسلام قد وضع أرائه حول نظرية القيمة وفائض القيمة منذ أمد بعيد قبل أن تتبلور كنظرية وتأخذ حيزا كبيرا في كتابات الاقتصاد السياسي في العصور المتقدمة .
فائض القيمة وكما عبر عنه ماركس هو الربح الذي يزيد عن قيمة الأجور المدفوعة الى العمال والذي يذهب إلى جيوب الرأسماليين وهو بمعنى آخر الفرق بين الأجر الذي يدفع إلى العامل منتج السلعة ، وبين الثمن الذي تباع به وهو الفائض ـ أي الربح ـوهو ما يجب أن يكون لصالح الطبقة العاملة، ولكن الواقع يشير إلى العكس حيث لا تظفر به الطبقة العاملة ، ويسلبه منها أصحاب رؤوس الأموال الذين يعيشون عالة على الطبقة الكادحة . إذن، ففائض القيمة هو عبارة عن تملك الطبقة المسيطرة جزءا من إنتاج المجتمع وأخذه بدون مقابل .
وقد اعتبر ماركس أن أخذ فائض القيمة هو السبب الرئيس في تناقضات المجتمع وشقائه ، والمصدر الوحيد لقيام الطبقية في المجتمع ، وتضخم الأموال عند البرجوازيين ، الأمر الذي تتكون منه الرأسمالية التي شن عليها الحرب ودعا إلى تحطيمها .
وفي الاقتصاد الإسلامي العمل له من القدسية ما له حيث حض علية الإسلام ورغب به بل واعتبره عبادة يؤجر فاعلها عليها حيث يقول تعالى :” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ” ويقول أيضا :” وامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه والية النشور” …، ويقول (ص) :” أطيب الكسب كسب الرجل بيده والبيع مبرور “، ويقول أيضا :” من أمسى كالا من عمله أمسى مغفورا له ” ، والعامل الذي ينجز العمل له أيضا مكانه واحترام كبير في المنظومة الاقتصادية الإسلامية باعتباره هو الحلقة الأولى والرئيسية في سلسلة الإنتاج ، فانتقاص جزء ولو يسير من حقه أمر مرفوض ، وكذلك فان اضطهاده والضغط علية ومعاملته بقسوة وعدم احترامه كما هو الحال في واقع الرأسمالية الجائرة التي هدفها امتصاص قوة العامل لصالح راس المال بهدف إنتاج فائض القيمة مستخدمةً وسائل متعددة في ذلك كزيادة ساعات العمل أو إطالة شدة العمل وهو ما يطلق علية في أدبيات الاقتصاد السياسي بـ ” فضل فائض القيمة ” الذي يستخدم طريقة خبيثة وهي تقليص ساعات العمل وزيادة شدة الإنتاج على حساب راحة العمال وسلامتهم وهو ما يرفضه الاقتصاد الإسلامي رفضا باتا ، لان القيمة الفائضة إضافة إلى انها تلك القيمة التي يبدعها العمل المأجور فأنها كذلك قيمة اليد العاملة التي يملكها الرأسمالي مجانا دون تعويض ، وهذا ما لا يقبل به منطق الاقتصاد الإسلامي بتاتا .
نشرت على موقع رابطة أدباء الشام العدد 340 تاريخ 6/2/2010
أحدث التعليقات