قد لا يكون خافيا على احد بان من الأسس الضمنية ومن الغايات الخفية التي قام عليها نظام اقتصاد السوق هي تركيز الثروة في أيدي قلة قليلة من المتنفذين وأصحاب القوة سواء كانت قوة مادية أو معنوية ولعل هذا الأمر هو الذي أوصل العالم إلى ما وصل إلية اليوم من معاناة وأزمات وويلات اقتصادية أبرزها حصول فئة قليلة من البشر على نسبة عالية من الدخل في مقابل حصول السواد الأعظم من الأفراد على الحد الأدنى من الناتج وهذا ما كرس الفجوة وعمقها بين فئة الأغنياء المتنفذه ذات الحجم القليل وبين الفئة الفقيرة ذات العدد الأكبر في المجتمع الإنساني ، والذي يثبت ذلك هو الأرقام والنسب المئوية التي تتحدث عن تفاقم وتزايد حجم الفقر والفقراء في العالم حيث تشير أرقام المنظمات الدولية إلى أن عدد الفقراء للعام القادم سوف يتجاوز المليار نسمة من سكان الأرض بينما عدد الذي يملكون أكثر من 90% من ثروة الكرة الأرضية لا يتجاوز المليون شخص ، حقا إنها مفارقات عجيبة وتناقض رهيب في عالم يدعي العدل والإنصاف وحماية حقوق الإنسان وترسيخ قيم العدالة والديمقراطية بين بني البشر ، فكيف لجائع ومحتاج وفقير أن يطالب بحقوقه ويساهم في صناعه وبناء المجتمع الإنساني .
من خلال هذا المدخل وغيره يمكننا أن نعرض وجهات نظرنا في الاقتصاد الإسلامي ونحبب الناس على امتداد الأرض بمبادئنا الاقتصادية الإسلامية النابعة من صلب هذه الشريعة السمحة التي تساوي بين بني الإنسان فلا فضل لأحد على احد إلا بمقدار ما يقدم من عمل يرضي به وجه ربه ويحقق فيه السعادة لمجتمعه وأمته ، فالعدالة في الإسلام هي غاية وهدف أسمى يسعى المجتمع المسلم إلى تحقيقه وخصوصا العدالة الاقتصادية ، حيث قرر الإسلام أن توزيع ثروات الأمة وخيراتها المتحققه هي ملك للأمة وليست حق لأحد دون احد لذا فقد وضع أسس من شانها أن تنمي المجتمع وتعبئ طاقاته وتحيله إلى خلية من العمل والنشاط والاجتهاد ولعل من ابرز هذه الأسس هو العمل الذي حث علية الإسلام ورغب به ووضع الأجر والثواب لمن يبذل الجهد ويعمل ويساهم في إحياء الأرض وتنمية الاقتصاد في بلده لان القاعدة هي :” إن أفضل الكسب هو عمل الرجل بيده ..” ، “وما أكل ابن طعاما خيرا من كسب يده ” فالعمل له من القداسة في الإسلام ما يدفع المسلم إلى بذل الجهد والاجتهاد ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وخاصة ان الإنسان ما خلق إلا لعمارة الأرض والاستفادة من خيراتها ، وهو ما ينعكس على المجتمع بالنفع والرفاه ، عندها يحصل كل فرد في المجتمع على نصيبه من الدخل والثروة فمن الصعب حينها أن تجد فقيرا أو محتاجا إلا من عجز عن العمل بسبب عجز جسدي ولكن لم ينس النظام الاقتصادي الإسلامي هذه الفئة حيث أوجد نظام التكافل الاجتماعي الذي رتب من خلاله الأجر والثواب لمن يمارسه ويقوم به من خلال قنوات سميت بعملية إعادة التوزيع والتي لم ير العالم مثلها نظام فعال حتى اليوم ألا وهي الزكاة والصدقات والتي هي حق في أموال الأغنياء تؤخذ منهم وترد على الفقراء وهذا ما يميز المتدفق الدائري للدخل في الإسلام عن غيرة عندما تدخل فيه هذه العناصر ، ولا يخرج عن إطار عملية إعادة التوزيع نظام الميرات الذي يمتاز به الإسلام دون غيرة حيث تنتقل الملكية الكبيرة الواحدة وتتوزع على الذرية فتتحول إلى ملكيات صغيرة بدل من بقائها حكرا لفرد واحد دون غيره وبذلك يتوزع المال ولا يبق دولة بين الأغنياء منكم” أضف إلى ذلك الصدقات والكفارات المالية التي رتبها الإسلام على المسلم ويضاف لذلك كله ما امتاز به المجتمع الاقتصادي الإسلامي عن غيرة وهو مؤسسة الوقف وما لها من دور في إعادة توزيع الثروة بين الأفراد لان خيراتها تطال المجتمع بأسرة ، ومن عدالة الإسلام انه سمح بالتفاوت النسبي للثروة بين الأفراد وهو ما يتفق مع الطبيعة الإنسانية حيث يستطيع كل فرد الاستفادة من كفاءته وقدراته ومؤهلاته الخاصة ليكون أكثر إنتاجية وتملكا من الآخرين حيث انه لم يحرم صاحب الملكية الخاصة من حقه في تنمية ماله وثروته وان يتمتع بملكيته الخاصة ولكنه وضع له ضوابط وقيود حتى لا تفلت هذه الملكية من عقالها وتصبح سيفا مسلطا على الآخرين حيث رتب علية أن يحصل على العوائد وثمرات المال بعد مشاركته في الربح والخسارة أي تحمله للمخاطرة حتى لا يركن إلى الدعة والكسل والبطالة لأنه ينتظر عائدا مضمونا على ماله دون تعب أو جهد .
إن عملية التوزيع في الإسلام وما تمتاز به من عدالة لم تترك فردا واحدا من أفراد المجتمع يئن من وطأة الحاجة والعوز وخاصة إذا طبقت تطبيقا صحيحا عندها يأخذ كل ذي حق حقه ولا تبقى الملكية حكرا على احد دون احد.
نشرت في السبيل العدد1062 تاريخ 20/11/2009
أحدث التعليقات